الثورة... والسلوكيات غير المسئولة
الثورة... والسلوكيات غير المسئولة
هيا بنا نصنع دكتاتورًا
محمد حسين حسن
خرج الشعب المصرى بثورةٍ عظيمةٍ تستحقُّ كلَّ التقدير، واستُشْهِد فيها زهرة شباب مصر، واعترف بروعة هذه الثورة العالم كله.. وكيف لا؟ وقد نجحت الثورة فى القضاء على الديكتاتور الفاسد من خلال هذه الدماء الذكية الطاهرة التى تستحقُّ كل التقدير والثناء.
فبالرغم من الطغيان، والقمع، وانتهاك حقوق الإنسان، والحبس، والاعتقال، والفقر، والمرض... وغيرها من الجرائم التي يعجز عن حصرها العد إلا بعدد سنوات الظلم والقهر اللذين قاما بهما النظام الفاسد بحق الشعب المصري، إلا أنَّ إرادة الله ثُمَّ الشعب كانت هي الأقوى، وتمكَّن الشعب المصري بفضل الله ثم شبابه الأبطال من الانتصار على الطاغية.
وبعد رحيل الطاغية خرج باقي أطياف الشعب المصري إلى النور ولكنهم كالأطفال الذين تَمَّ حرمانهم لمدة طويلة فى غرفة مظلمة فخرج بعدهم يجري بدون هدف والآخر يقفز فى الهواء بدون سبب، ووصل الأمر بينهم إلى الارتطام والتخبُّط، وقام بعضهم- بسبب عدم وضوح الرؤية والهدف- بتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة... وخرج البعض للبحث عن لعبة لكي يعوِّض بها أيام الحرمان، ولا ننكر وجود فئة تبحث عن الطريق، ولكنها قليلة– قلة الحكمة في عالم الأطفال- وتحتاج للدعم والمساعدة حتى تستطيع السيطرة على هذا الهرج والقضاء عليه.
ويظهر هذا الهرج والتخبط وعدم وضوح الرؤية في الذكرى الثانية للثورة المصرية بشكل أكثر وضوحًا؛ حيث أصبح كل فصيل من فصائل الشعب يبحث عن أكبر مكسب له بعيد عن المصلحة العامة دون النظر إلى حال البلاد والعباد, فبدل من البحث عن العودة إلى حياة كريمة طيبة وبرؤية أكثر وضوحًا وديمقراطية وقانونية, إلا أننا وجدنا أنفسنا نرجع للخلف أكثر من ذي قبل نتيجة لحالة التخبط وعدم وجود هدف.
وظهر منا من يريد العودة الى الفساد نظرًا لعدم استطاعته العيش فى الحياة الكريمة النظيفة الطاهرة لتعوُّده على العيش فى الظلام والفساد فهو كالطفل الذى تربَّى على القهر والضرب، فإذا ما غاب عنه ضاربه زلت قدمه وعاد إلى أخطائه، نظرًا للتعوُّد على الضرب والقهر فلا يستطيع أن يعيش إلا تحت سماء القهر وفوق أرض الفساد، وهو ما وصل إليه البعض، فهم بحاجة إلى ديكتاتور جديد فإن لم يجدوه قالوا {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ}، بل أيضًا يقومون بتطويره وزرع الحقد والتكبر والطغيان في قلبه، ولن يشعروا بالسعادة إلا بوجود هذا الديكتاتور، فمن خلاله يتم العودة الى القهر والظلم والفقر والمرض، ونرَى آثار الضرب والتعذيب على أجسادهم التي تعودت على التنكيل والحرمان، وسوف يشعرون بالفرح لأنهم جعلوا هذا الحاكم يظلم ويقهر ويتكبر عليهم، وهنا فقط تكون السعادة التى يراها هؤلاء والتي تمثلت في صناعة طاغية جديد صنعوه بأيديهم، ووضعوا له التصميم المناسب، لكي يكون ديكتاتورًا جديدًا.