أخطاء المعارضة... لفائدة الأسد

أخطاء المعارضة... لفائدة الأسد

منذر آق بيق

خلال أول جولة ماوراء البحار لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري بعد تسلمه لمهامه خلفا لهيلاري كلينتون، شارك في مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في روما و التقى لأول مرة مع قيادة المعارضة السورية ممثلة بالأستاذ معاذ الخطيب و فريقه. و انتهز الفرصة كي يدعو قيادة الإئتلاف المعارض الى واشنطن في زيارة رسمية يتم خلالها الإجتماع مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما ، و طلب اصطحاب قائد أركان الجيش الحر اللواء سليم إدريس ، و هذا الطلب له دلالات هامة .

و لدهشة الشعب السوري، وكافة المهتمين بشؤون الثورة السورية، رفضت قيادة الإئتلاف المعارض تلبية تلك الدعوة، و تم هذا الرفض بدون تبرير، أو بيان إعلامي لتوضيح موقف الإئتلاف، و الأسباب الموجبة لهذا الرفض، و كيف يمكن له أن يفيد الثورة و مشروعها لتحرير الوطن من الإستبداد.

و لكن في المقابل ، نستطيع أن نورد الكثير من الأسباب الموجبة لقبول الدعوة و ليس رفضها، مثلا، زيارة رسمية على هذا المستوى، و الإجتماع مع رأس الإدارة الأمريكية في البيت الأبيض لها دلالات هامة على صعيد الإعتراف بشرعية الثورة السورية و من يمثلها، و سحب الشرعية من الطغمة الأسدية المتحصنة في دمشق خلف صواريخها البالستية التي تقتل المدنيين كل يوم ، في محاولة يائسة للتشبث بالسلطة. و لا شك أن الكثير من الدول سوف تقتدي بهذه الخطوة الأمريكية الهامة. أما طلب إصطحاب رئيس أركان الجيش الحر، فهو هام للغاية من جهة الرغبة الأمريكية في التنسيق على المستوى العسكري ، و الوقوف على طلبات الجيش الحر، حتى لو كانت السياسة المعلنة الآن هي المساعدة عن طريق تزويد الجيش الحر بأسلحة غير فتاكة، و لكن تلك الأسلحة مثل العربات المدرعة، و القمصان الواقية من الرصاص، و أجهزة الإتصال، و أجهزة الرؤية الليلية، و غيرها الكثير من التجهيزات التي من المؤكد أنها سوف تكون مفيدة و تنقذ أرواح أبطال الجيش الحر، إضافة إلى أن هذه سوف تكون البداية و يمكن أن تتطور الأمور بعد أن يضع السوريون الفنيين العسكريين الأمريكيين في صورة الوضع على الأرض، و كيف يمكن تغييره لصالح الثوار. من الأمور التي يمكن مناقشتها أيضا ، وقوف قيادة المعارضة السورية على المخاوف الأمريكية و مايدور في أذهان صناع السياسة في البيت الأبيض، و كيف يفهمون المسألة ، و ماهي المصالح المشتركة التي يمكن أن يتم الإتفاق عليها. و الأهم في هذا كله أنه لن يمكننا معرفة كل ما سبق من معلومات ، و من ثم البناء عليها في سياق نضالنا من أجل الحرية طالما أن قيادة المعارضة و لسبب غير مفهوم قررت عدم قبول الدعوة

زيارة واشنطن يصاحبها أيضا لقاءات مع الكونغرس الأمريكي بمجلسيه النواب، و الشيوخ، و هذه فرصة لشرح القضية السورية، و ماعاناه الشعب السوري في ظل الإستبداد و الفساد طيلة الخمسة عقود المنصرمة، و شرح مدى وحشية النظام في قمعه للشعب ، و إستخدامه لكافة الأسلحة الثقيلة ، و الإعتقال، و التعذيب، و التشريد، و الإعدامات الميدانية، ..إلخ، لممثلي الشعب الأمريكي الذين قد يكون الكثير منهم غير مطلع بما يكفي على قضيتنا، أو أنه مطلع و لكن بشكل مجتزأ لا يسمح له بتوليد القناعات الصحيحة. و كذلك التغطية و اللقاءات الإعلامية المصاحبة لتلك الزيارة من قبل بعض من أهم و أشهر وسائل الإعلام في العالم المرئية، و المقروءة، و المسموعة ، مما يسمح بالتواصل المباشر مع شعب أغنى، و أقوى دولة في العالم، و أكثرها تقدما تكنولوجيا، و بالتالي كسب التعاطف من أجل قضية محقة و عادلة كقضية الشعب السوري في مقاومة جلاديه.

و كل ذلك تمت خسارته، بينما و للمفارقة الكبرى، قامت عدة وفود من المعارضة السورية قبل تشكيل الإئتلاف بزيارة موسكو، و اللقاء مع مسؤولي الدولة التي تقف مع نظام الأسد و تدعمه دبلوماسيا، و بالفيتو، و بالسلاح، و تعلن صراحة أنها لن تسمح بسقوط النظام الأسدي، في مقابل إعتذار الإئتلاف الآن عن تلبية الدعوة لزيارة الدولة التي على الأقل أعلنت منذ البداية وقوفها مع الشعب السوري، و حيت شجاعته، وإعلانها أكثر من مرة و على لسان أكبر مسؤوليها أن الأسد قد فقد شرعيته و عليه أن يتنحى عن الحكم

إن قيادة الإئتلاف الوطني لقوى المعارضة و الثورة السورية لديها مسؤوليات هائلة تجاه نضال الشعب السوري، و التضحيات الهائلة التي قدمها ، و تتطلب هذه المسؤولية عدم ترك أي باب بدون أن يطرق، و لا نافذه محتملة بدون أن تجرب من أجل دعم هذا النضال، و تحقيق التراكم اللازم للإنتصار ميدانيا، و سياسيا. و طالما أن المسؤولين الأمريكيين قالوا أن الدعوة مازالت قائمة، و يمكن أن تكون في نيسان، فإذا مازالت هناك فرصة للتراجع عن الموقف الرافض للزيارة، و تحضير وفد كبير من السياسيين و العسكريين و الخبراء، و الذهاب بملفات و معلومات و طلبات لابد أنها سوف تحدث أثرا أيجابيا، و تراكما هاما على طريق النصر.