تفجير المفاعل النووي السوري 2

تفجير المفاعل النووي السوري:

القصة غير المعلنة (2)

إليوت أبرامز - شباط 2013

إليوت أبرامز هو زميل في الدراسات الشرق أوسطية في مجلس العلاقات الدولية. المقالة مأخوذة من كتابه المنشور مؤخرا من قبل مطبعة جامعة كامبردج، امتُحِنَ في صهيون: إدارة بوش والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مذكرات خدمته في مجلس الأمن القومي من 2001 وحتى 2009.

حضرت جميع هذه الاجتماعات كمدون مذكرات، وحفظت المذكرات تحت القفل والمفتاح في الأرشيف الوطني.

تركت في أحد الأيام هذه المذكرات تحت مقعدي في غرفة معيشة الرئيس، واكتشفت عند عودتي من مجلس الأمن القومي أنها غير موجودة معي، إلا أنها لا تزال محفوظة في ذهني. كانت تلك المذكرات الأكثر حساسية في الحكومة الأمريكية آنذاك، تم اتخاذ احتياطات هائلة للحفاظ على سريتها، وأنا تركتها ببساطة تحت المقعد. ركضت وأنا شاحب اللون وأتصبب عرقاً إلى جناح الإقامة، حيث تكرم كبيرالخدم بالسماح لي بالدخول ومرافقتي إلى الغرفة الصفراء البيضاوية حيث التقينا. كانت هناك مذكراتي، تحت المقعد، دون مساس. جال في خاطري أن كبير الخدم لو أبقى فمه مغلقا، فإنني قد لا أتعرض لإطلاق النار.

صارت الحقائق حول موقع الكبر أكثر وضوحا، ولم يكن هناك أي نقاش حول هذه الحقائق: كان المفاعل النووي صورة طبق الأصل تقريبا عن المفاعل يونغبيون في كوريا الشمالية، وكان الكوريون الشماليون قد شاركوا في تطوير الموقع السوري. نظرا لموقعه وافتقاره إلى الاتصالات وإلى أي شبكة كهربائية، من المرجح أن هذا المفاعل كان جزءا من برنامج للأسلحة النووية وليس لإنتاج الطاقة الكهربائية.

كانت الخيارات المطروحة واضحة كذلك: علنية أم سرية، إسرائيلية أم أمريكية، عسكرية أم دبلوماسية. كان للولايات المتحدة واسرائيل على حد سواء خيار عسكري واضح: تفجير الموقع وتدمير المفاعل. أكد الجنرال بيس للرئيس أن هذا الخيار لم يكن يشكل تحديا عسكريا كبيرا. طرح سؤال آخر عما إذا كان من الممكن أن يؤدي تحرك أقل من توجيه ضربة عسكرية إلى تدمير المفاعل، الصعوبات التي تكتنف هذا الخيار كانت واضحة: كيف يمكن إيصال المتفجرات اللازمة دون تنفيذ هجوم عسكري؟

وقد تم التوصل بعد وقت قصير إلى أن الخيار السري لم يكن ممكنا، وتم تصميم خيارات عسكرية بسرعة لإخفاء المفاعل؛ كما قال داغان عندما زارنا لأول مرة، الإسرائيليون يؤمنون بوضوح بأن المفاعل يجب أن يختفي. قمنا بتطوير سيناريوهات مفصلة للتحرك العسكري الأمريكي والاسرائيلي لمعالجة هذه القضايا: من الذي يطلق العملية، ما الذي تعلنه وما الذي تحافظ على سريته، وماذا الذي ستقوله للسوريين؟

لكن الخيار الدبلوماسي كان مطروحا كذلك، وكنا قد وضعنا سيناريوهات مفصلة له. من المقرر أن نبدأ بإعلام الوكالة الدولية للطاقة الذرية "IAEA" بالحقائق وبشكل علني في جلسة دراماتيكية أمام مجلس المحافظين للوكالة في فينا. وأن نطالب بالتفتيش الفوري وإيقاف سوريا للمفاعل النووي. وفي حال رفض سوريا، نذهب إلى مجلس الأمن الدولي ونطالب بالتحرك. وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات، يظل الخيار العسكري قائما بشكل نظري ومفتوحا.

مع ذلك، بدا الخيار الدبلوماسي ضعيفا بسخافة بالنسبة إلي. من جهة أنه لن يكون مقبولا بالنسبة إلى إسرائيل، التي كانت لها تجربة سيئة مع الأمم المتحدة. الدولة اليهودية لن تسلم أمنها القومي للأمم المتحدة. ومن جهة أخرى، الخيار غير ممكن؛ أصدقاء سوريا في الأمم المتحدة وروسيا بشكل خاص سيحمونها. في وكالة الطاقة الذرية، كانت لدينا خبرة سابقة مع المدير العام المصري محمد البرادعي. كان يحاول إعادة تعريف دول المدير العام من مفتش وشرطي إلى صانع سلام ودبلوماسي؛ كان يسعى إلى صفقة مع سوريا بدلا من تحرك مشترك ضدها. علاوة على ذلك، تسليم ملف المفاعل إلى الأمم المتحدة ووكالة الطاقة الذرية يعني تسليمه إلى وزارة الخارجية، كنت أرى أن ملفا بهذا الحجم يجب تسليمه للبيت الأبيض.

أخيرا، فكرة أن الخيار العسكري سيظل الحل الأخير كانت مضللة في أحسن الأحوال. فور إعلاننا معرفة الموقع، قد تضع سوريا روضة أطفال بجانبه أو تنفيذ نفس الخطوة باستخدام دروع بشرية. العمل العسكري يتطلب السرية، فور إصدارنا أي تصريح عسكري عن الكبر، يكون هذا الخيار قد اختفى.

اعتقد نائب الرئيس أن على الولايات المتحدة أن تقصف الموقع. بالنظر إلى مشاكلنا في العراق والمواجهة المتصاعدة مع إيران، قد يكون ذلك مفيدا لتأكيد القوة والمساعدة على استعادة مصداقيتنا. كما كتب لاحقا:

أكرر مرة أخرى الدعوة إلى تحرك عسكري أمريكي باتجاه المفاعل. وهذا من شأنه ليس فقط أن يجعل العالم أكثر أمنا، ولكن أن يظهر جديتنا فيما يتعلق بعدم الانتشار.... لكن صوتي كان وحيدا. بعد أن انتهيت، سأل الرئيس: "هل من الموجودين من يتفق مع نائب الرئيس؟" ولم ترفع أي يد في الغرفة.

لم ترتفع يدي إلى الأعلى (وكما كنا قد تركنا غرفة المعيشة الخاصة بالرئيس في ذلك اليوم السابع عشر من حزيران، اعتذرت من نائب الرئيس لتركه معزولا) لاعتقادي أن على الإسرائيليين أن يدمروا المفاعل، لاستعادة مصداقيتهم بعد حرب لبنان الثانية في 2006 ومن ثم سيطرة حماس على غزة في 2007. يبدو لي أن إسرائيل ستعاني إذا قمنا بقصفه، لأن المحللين سيشيرون إلى أن إسرائيل تحركت ضد مفاعل أوزيراك في العراق في 1981 لكنها ضعفت عندما وصل الأمر إلى سوريا. من شأن محللين كهؤلاء أن يشجعوا إيران وحماس، تطور من شأنه أن يكون ضد المصالح الأمريكية بشكل كبير. من ناحية أخرى، من شأن ردود فعل عدائية في العالم الإسلامي ضد الضربة أن تضر بنا في الوقت الذي كنا نقاتل فيه في أفغانستان والعراق - حجة أخرى لترك تنفيذ المهمة لإسرائيل. (لم أكن أعتقد بوجود ردود فعل من هذا القبيل، لكن هذه الحجة كانت تستحق مكانا في مناقشتنا الداخلية).

دافع الوزارن غيتس ورايس بشدة عن الخيار الدبلوماسي. كما دعا غيتس إلى منع إسرائيل من قصف المفاعل ودعا إلى وضع العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل على المحك. ذكر في حديثه عملية "إعادة التقييم المؤلمة" لعلاقات وزير خارجية أيزنهاور جون فوستر دالاس حيث هدد في 1953 الأوروبيين في حال فشلهم باتخاذ تدابير دفاعية معينة: أنهم كان عليهم ببساطة أن يفعلوا ما طلبناه منهم وإلا فالجحيم بانتظارهم.

اعتقدت أنني فهمت لماذا لا يريد غيتس الولايات المتحدة أن تضرب سوريا: الولايات المتحدة كانت غارقة في حربين في دولتين إسلاميتين، لذلك كانت فكرة ضرب دولة ثالثة غير جذابة نهائيا بالنسبة له. ولم يكن مفهوما بالنسبة لي لماذا كان يصر بنفس القدر على منع إسرائيل من القصف وحتى موقف رايس المشابه. بدا واضحا لي أننا في حال لم نتمكن من منع سوريا من المباشرة ببرنامج تسلح نووي، فإن من شأن ذلك أن يضعف موقفنا في الشرق الأوسط، تماما كما كان عندما لم نقدر على وقف البرنامج النووي الإيراني. إذا كانت هناك مخاطر كثيرة جدا ومضاعفات محتملة من قيامنا بضرب سوريا، لا ينبغي علينا أن نسمح إلا بتشجيع إسرائيل على القيام بذلك؛ البرنامجان النوويان السوري بالإضافة إلى إيران ينبغي أن يكونا غير مقبولين من قبل الولايات المتحدة بشكل كامل.

حاولت أن أفكر من منطلق تفكير رايس، لكنني خرجت بنظرية واحدة. كانت تعبر بشكل حثيث عن معارضة البرنامج الجديد لزيادة الدعم العسكري لإسرائيل. قادني ذلك إلى وجود استراتيجية خاصة لديها: لم تكن ترغب بأن تشعر إسرائيل بأنها أكثر قوة. بدلا من ذلك، أرادت إسرائيل، وخاصة رئيس الوزراء أولمرت، أن تشعر بمزيد من الاعتمادية على الولايات المتحدة. بهذه الطريقة تكون قادرة على الدفع قدما في خطط لعقد مؤتمر دولي بشأن القضايا الإسرائيلية الفلسطينية ومحادثات الوضع النهائي التي تقود إلى إنشاء دولة فلسطينية قبل نهاية ولاية بوش الثانية.

تمنيت إلى أن لا تكون هذه نيتها، لأنه يبدو لي أن مثل هذه التصاميم كانت فشلها مؤكدا. إسرائيل التي كانت تواجه حماس في غزة والآن برنامجين نوويين معاديين، في إيران وعبر الحدود في سوريا، لن تتحمل مخاطر الإجراءات التي كانت تطالب باتخاذها. أعتقد أننا تعلمنا هذا الدرس مع أرييل شارون كما تعلم بيل كلينتون مع إسحق رابين: ضع إسرائيل بين ذراعيك إذا كنت ترغب باتخاذ إجراءات أكثر خطرا، لتشعر بالأمن أكثر، ليس أقل من ذلك.

يبدو أن الحجج للذهاب إلى وكالة الطاقة الذرية والأمم المتحدة كانت واهية جدا بالنسبة لي، على الرغم من طول وتفصيل مذكرات التخطيط والسيناريوهات التي كانت تطرح، لدرجة أنني لم أقلق كثيرا بشأنها. من كان يظن أن هذه المنظمات قد تعمل بهذه الفعالية؟ من كان يعتقد أننا لن نجلس هناك بعد خمس سنوات عالقين في نفس الرقصة الدبلوماسية بشأن البرنامج السوري الذي كنا فيه بالنظر إلى إيران؟

في النهاية، عملية سياسية شبه مثالية خرجت بنتيجة خاطئة. في الجلسة الختامية في الغرفة البيضاوية الصفراء في مكان الإقامة، جاء بوش إلى جانب رايس. كنا سنذهب إلى فينا، إلى وكالة الطاقة الذرية، كان سيدعو أولمرت ويخبره عن القرار الذي اتخذ. كنت مذهولا وأدركت أنني قد قللت من شأن تأثر رايس حتى بعد كل هذا الوقت. وكان الرئيس قد ذهب مع كوندي (رايس).

حاولت فهم ذلك ولم أستطع. ربما كان القلق نفسه الذي انتاب غيتس بشأن تنفيذ ضربة عسكرية أخرى في العالم الإسلامي. لكن ذلك لن يكفي لتبرير شرائه قفل استراتيجية وكالة الطاقة الذرية والأمم المتحدة، والأوراق المالية، والبرميل؛ بدلا من ذلك، كان بإمكانه أن يقول "دعوا الإسرائيليين يفعلون ما يريدون؛ دعونا نخبرهم فقط أننا لن نفعل ذلك". سألته بعد سنوات عما إذا كان يعتقد أنه كان مخطئا؛ وأجاب بالنفي. ثم كان ولا يزال محتارا. في مذكراته، شرح بوش أحد الاعتبارات الرئيسية: أبلغته وكالة الاستخبارات المركزية بـ"ثقتها العالية" بأن منشأة في سوريا كانت مفاعلا نوويا ولكن لديها "ثقة قليلة" في امتلاك سوريا برنامجا نوويا، لأنها لم تتمكن من تحديد المكونات الأخرى للبرنامج. اعتقد الرئيس أن فكرة "انخفاض الثقة" قد يتم تسريبها، كما لو أن ذلك قد حدث، وأن الولايات المتحدة قد تتعرض للهجوم لتنفيذها الضربة على الرغم من تقرير "انخفاض الثقة". هذه الحجة معقولة، لكنها تفسر فقط سبب القصف - ولا تفسر دفعه للإسرائيليين لعدم فعل ذلك.