ذابت المساحيق وظهر الوجه القبيح لحزب الله
د.غازي التوبة
أعلن الجيش الحر عن تدخل حزب الله في القتال الدائر في منطقة القصير إحدى مناطق حمص إلى جانب نظام بشار الأسد، كما أعلن عن احتلاله لبعض القرى السورية واتخاذها قواعد ضد قرى أخرى يقيم فيها الجيش الحر، كما اتهم الجيش الحر حزب الله بنصب منصات صواريخ في قرى لبنانية ومنها منطقة الهرمل والبقاع اللبناني، وأنذر الجيش الحر -بناء على الوقائع السابقة- حزب الله بأن يتوقف عن شن عدوانه على القرى السورية، وأن يتوقف عن استخدامه منصات الصواريخ في الأراضي اللبنانية، وأعطاه مهلة ثمانية وأربعين ساعة من أجل تنفيذ ذلك، وحذر أهالي لبنان المقيمين في الهرمل وغيرها من الاقتراب من منصات صواريخ حزب الله، وطلب منهم الابتعاد عنها.
ونفذ الجيش الحر تهديده بعد ذلك، وقصف بعض الأماكن اللبنانية التي أعتقد أن فيها منصات صواريخ لحزب الله، مما يجدر ذكره أن حزب الله ليس موجودا في منطقة القصير فقط، إنما هو موجود في عدة أماكن من الأراضي السورية، في دمشق وريفها، وفي إدلب وفي حلب، وهو يتعاون مع النظام السوري منذ بداية الأحداث على عدة أصعدة: استخباراتية وقتالية وفنية.
ليس من شك بأن هذه المواقف من حزب الله كانت صادمة ومحزنة للكثيرين من جماهير شعبنا، فأين نضع هذه التصرفات في مسيرة الحزب؟ وحتى نستطيع فهم هذه التصرفات بشكل دقيق وسليم علينا أن نستعرض نشأة الحزب أولاً، وجانباً من تاريخه لنقف على بعض صفاته ثانياً.
أولاً: نشأة حزب الله
نشأ الحزب في لبنان، وكان إحدى ثمرات السياسة الإيرانية الخارجية التي كانت تسعى إلى الاستثمار في القضية الفلسطينية، وكان ذلك ترجمة لقول الخميني "إن السياسة الإيرانية لا قيمة لها إن لم يكن لها يد في القضية الفلسطينية"، وقد أعلن عن تشكيل حزب الله عام 1982 وهو العام الذي احتلت فيه إسرائيل بيروت وأرغمت منظمة التحرير على تركها.
التزم الحزب بنظرية الولي الفقيه التى طرحها الخميني وأسس عليها دولة إيران، وأمدت إيران الحزب بالأموال، كما أمدته بالأسلحة والخبرات العسكرية، والتزم الحزب بالسياسة الإيرانية واعتبر أحد أدواتها الخارجية.
استهدف حزب الله مقاتلة إسرائيل، كما استهدف تحرير الشريط الحدودي الذي أقامته إسرائيل جنوبي لبنان عام 1978 بقيادة أنطوان لحد، وقد تحقق هذا الهدف عام 2000، إذ انسحبت إسرائيل من هذا الشريط من طرف واحد.
وقد اكتسب حزب الله شعبية كبيرة في العالم العربي من مقاتلة إسرائيل من جهة، ومن استطاعته تحرير الشريط الجنوبي عام 2000 من جهة ثانية، ومن خوضه حربا مع إسرائيل عام 2006 بصورة منفردة من جهة ثالثة.
ثانياً: صفات حزب الله
أما عن صفات الحزب فنجد أن الحزب اتصف خلال مسيرته الماضية بعدة صفات، هي:
الأولى: الطائفية الضيقة: لقد ظهر حزب الله في لبنان كفصيل مقاتل لإسرائيل، وأخذ شعبية على الأرض من هذا الوضع القتالي، لكنه في كل مراحل قتاله اقتصر الحزب على أبناء الطائفة الشيعية، مع أنه يقوم بعمل لا يخص الطائفة الشيعية وحدها، مع أن هناك عشرات الآلاف من الفلسطينيين المقيمين في لبنان، وهناك بعض المنظمات الفلسطينية التي سبقت حزب الله إلى مقاتلة إسرائيل في لبنان، ومع ذلك لم يضم أحداً من الفلسطينيين في كوادره، ولم يسمح لأي من المنظمات أن تشاركه مقاتلة العدو الإسرائيلي، ليس هذا فحسب، بل تعدى موقفه إلى عدم إدخال لبنانيين آخرين إلى ساحة القتال معه أو بإذنه، علام يدل هذا؟ يدل هذا على طائفية ضيقة، وأنانية واضحة من أجل تحقيق مكاسب إعلامية لا يشاركه فيها غيره، وهذا ما تحقق له.
الثانية: ازدواجية المعايير السياسية: أظهر حزب الله نفسه في جنوب لبنان على أنه حزب مقاتل لإسرائيل، ومعاد لأميركا وعندما غزت أميركا العراق، وتعاونت إيران مع أميركا في غزوها للعراق، وتعاونت الأحزاب الشيعية التي يقودها عبد العزيز الحكيم وأحمد الجلبي ونوري المالكي وإبراهيم الجعفري مع أميركا على ذلك الغزو، وقف حزب الله إلى جانب إيران وجانب الأحزاب والشخصيات الشيعية التي دخلت العراق على ظهر الدبابة الأميركية، مع أن احتلال العراق وتدميره استهدف أمرين: الأول: سيطرة أميركا على المنطقة وترسيخ نفوذها على بترول العراق، الثاني: مساعدة إسرائيل كي تكون القوة الأولى في المنطقة، وقد نفذ المحافظون الجدد الذين مثلهم رمسفيلد، وآخرون هذه الأهداف من خلال إدارة بوش في ولايتيه الأولى والثانية منذ عام 2000 إلى عام 2008، وكانوا قد خططوا لذلك في مراكز دراسات فكرية قبل أن يخوضوا تلك الانتخابات، ثم دخلوها على أساس تلك الدراسات والمخططات، ثم نفذوا ما خططوا له.
والسؤال الآن: كيف يمكن أن تكون أميركا وإسرائيل عدوين في لبنان عند حزب الله؟ وكيف يمكن أن تكونا صديقين في العراق؟ هل اختلفت أميركا وإسرائيل أم اختلف حزب الله ووقع في المعايير المزدوجة والكيل بمكيالين.
الثالثة: التناقض المنهجي: من المعلوم أن حزب البعث العربي الاشتراكي هو الذي قاد سوريا منذ عام 1963، وهو الذي أوصل آل الأسد إلى سدة الحكم، ومن المعلوم -أيضا- أن حزب البعث العربي الاشتراكي حزب علماني لا ديني، ليس هذا فحسب بل هو حزب أيديولوجي استهدف استئصال الدين من حياة الشعب السوري، واستهدف كذلك استئصال شأفة المتدينين، لأنه يعتقد أن الدين أصل التأخر والانحطاط، وأنه من أجل إقامة النهضة لا بد من استئصاله من حياة الشعب السوري، وأن هناك تناقضا بين التقدم والحضارة وبين الدين والمتدينين وقد وضع الحزب برامج ومخططات في مختلف مناحي التربية والإعلام والثقافة والاجتماع والسياسة من أجل تحقيق تلك الأهداف، ليس هذا فحسب بل أدار المعارك ونصب المشانق، ودك المدن وأعدم المئات بل الآلاف من أجل أهدافه تلك، هذا من جانب ما يتعلق بحزب البعث الذي هو عماد الحكم في سورية.
أما حزب الله فهو حزب ديني مرجعيته الإسلام حسب المذهب الشيعي، فالآن: كيف يرضى حزب الله وهو الحزب الديني أن يتعاون مع حزب علماني لا ديني؟ أليس هذا تناقضا منهجيا؟ لماذا وقع حزب الله في هذا التناقض المنهجي؟ هل من أجل أن النظام السوري سمح له بأن يقيم بعض الحسينيات في بعض المدن السورية؟ هل من أجل أنه سمح له بنشر التشيع؟ هل يكفي هذا كثمن من أجل التغاضي عن كل تلك القبائح والجرائم التي تحلى بها النظام السوري البعثي؟
الرابعة: خيانة المبادئ الأخلاقية: ليس من شك بأن أي حزب إسلامي ينطلق من مبادئ إسلامية يجب أن يكون إلى جانب العدل والمساواة وألا يقر الظلم بحال من الأحوال، وأن يكون إلى جانب المظلومين في شكواهم ودعواهم، ولكننا نجد حزب الله على العكس من ذلك، يقف إلى جانب الظالم والظلم في الحالة السورية، فهو قد وقف إلى جانب حافظ الأسد وابنه بشار الظالمين، وترك المظلومين وهم عموم الشعب السوري، ليس هذا فحسب بل ها هو يقاتل إلى جانب بشار ضد المظلومين، أليس هذا التصرف خيانة للمبادئ الأخلاقية التي يفترض أن يحملها حزب الله؟
والآن نعود إلى الاستفسار الذي طرحناه في بداية المقال وهو: أين نضع تصرفات حزب الله إزاء الثورة السورية؟ لقد جاءت هذه التصرفات طبيعيةً بناء على بنية الحزب وتاريخه وطائفيته وتناقضه المنهجي وازدواجية المعايير عنده، لكن شعبنا تغاضى عن مواقف سابقة للحزب لأنه يؤدي دوراً في ساحة شريفة: هي الساحة الفلسطينية، لكنه عندما وقف إلى جانب نظام مجرم يقتل شعبه، ويدمر بلده، ودعمه بكل وسائل الدعم وقاتل السوريين إلى جانبه فما كان لجماهير شعبنا أن تتغاضى عن ذلك، وأن تتسامح في ذلك، فكان هذا الغضب وكان هذا الانقلاب في الموقف عليه، وهو أمر طبيعي يوازي حجم الخطأ الذي وقع فيه حزب الله.
ثالثا: الخلاصة
نشأ حزب الله في لبنان ضمن نظرية الولي الفقيه، وفي خدمة السياسة الإيرانية، ورأينا أنه اتصف بعدة صفات خلال مسيرته وهي: الطائفبة الضيقة، ازدواجية المعايير السياسية، التناقض المنهجي، خيانة المبادئ الأخلاقية. وقاتل إسرائيل في جنوب لبنان ومن هنا جاءت شعبيته في العالم العربي، لكنه وقف -أخيراً- إلى جانب النظام البعثي في سوريا وتصدى للثورة السورية، ومن هنا بدأت جماهير شعبنا تقف ضده لأنه يقف إلى جانب الظالم في وجه ثورة المظلوم، وإلى جانب الباطل دون أصحاب الحق.