من قتل الجنود السوريين اللاجئين إلى العراق؟!
نستنكر الجريمة ونطالب بتحقيق عربي ودولي
زهير سالم*
سؤال لا بد من طرحه للحاضر وللمستقبل أيضا حتى لا تضيع دماء السوريين هدرا : من قتل الجنود السوريين في العراق الاثنين 4 / 3 / 2013 ..
وسط الصخب والضوضاء وتبادل الاتهامات ، وعلى وقع شلال الدم المسفوك ظلما على الأرض السورية ، مرّ عابرا نبأ مقتل اثنين وأربعين جنديا سوريا على الأرض العراقية ، كانوا في عهدة قوات المالكي ، وتحت حمايته وحراسته ؛ مر النبأ عابرا فتجاهله الرأي العام الدولي والإقليمي ، كما تجاهله بشار الأسد الذي يزعم أن هؤلاء الجنود جنوده ، وأن هذا الشعب الذي ينتمون إليه يؤيده ويدعمه !!!
ولقد تقاطعت الروايات المتعددة لمقتل هؤلاء الجنود عند الحقائق التالية :
هؤلاء الجنود هم في الأصل من جنود الجيش السوري الذين كانوا مسئولين عن حماية معبر اليعربية بإمرة بشار الأسد على الحدود السورية العراقية ..
وعندما دهمتهم عناصر الجيش الحر في عملية تحرير المعبر ، قرروا ألا يقاوموا في معركة خاسرة حتى النهاية ، وهذه حقيقة مهمة ، وآثروا أن ينسحبوا إلى الطرف العراقي ، وأن يطلبوا اللجوء على الأرض العراقية – وهذه حقيقة ثانية أكثر أهمية – في السياق الذي نتحدث به ؛ حقيقة يؤكدها أثيل النجيف محافظ الموصل الذي يصرح ويؤكد : أن الجنود السوريين المذكورين لجؤوا إلى العراق بعد عبورهم منفذ ربيعة الحدودي . وطالبوا بعدم إعادتهم إلى سورية . والمطالبة بعدم الإعادة إلى سورية تعطي هؤلاء الجنود وضع اللاجئ حسب القوانين الإنسانية ، ووضع المستجير أو الدخيل ( الدخيل الذي يقول لمن يستجير به أنا دخيلك ) حسب القوانين العربية العشائرية ، ووضع المستأمن طالب الأمن والأمان حسب القانون الشرعي الإسلامي ولأن المالكي ليس ممن ينتمي إلى أي من هذه الدوائر ؛ فقد قرر بلا حرج أن يخفر ذمته ويغدر بدخلائه وأن يعيد تسليمهم إلى عدوهم وهو يعلم انهم سيواجهون هناك عقوبة التصفية الجسدية . هذا ما كان في ظاهر الأمر كما يقولون ..
أما في الواقع فقد تحركت قافلة الجنود السوريين المستأمنين لتساق إلى حتفها على الطرف الآخر من الحدود فماذا جرى ؟!
حافلة أو حافلتان عراقيتان عسكريتان تسيران على الطريق العام العراقي متوجهتان إلى الحدود السورية . المفترض أن عشرات الحافلات العراقية تجتاز هذا الطريق يوميا . يقول المالكي إن كمينا من مجهولين عند مناجم عكشات 380 / كم غرب بغداد قد قطعوا الطريق على الحافلات وقتلوا من الجنود السوريين اثنين وأربعين جنديا وفي رواية ثمانية وأربعين جنديا ، وسبعة جنود عراقيين وفي رواية تسعة جنود عراقيين ، كانت مهمتهم مرافقة الحافلات و حماية الجنود السوريين ..
وفجأة ومن غير أن يجري المالكي أي تحقيق في الجريمة الفاجرة ، والكمين الغادر يفزع كشريكه بشار الأسد ليعلن عن المجرم الموصوف والمعروف ودائما سلفا إنه تنظيم ( القاعدة ) الذي انحط أعضاؤه من السماء ونفذوا الجريمة .
ليخرج علينا الناطقون باسمه بعد زمن يسير ليوظفوا الجريمة الغادرة في منح المصداقية لتحليلات وتحذيرات المالكي . وليقول المحللون العراقيون : ألم يقل لكم المالكي إن الأحداث في سورية سيكون لها أبعادها الإقليمية وستنقل الفوضى والفتن وعدم الاستقرار إلى دول الجوار !! لقد كلف الشعب السوري غاليا ثمن تصديق هذا الإثم المفترى والإفك الكبير ..
وفي الوقت الذي قتل فيه المالكي وعصاباته قرابة خمسين جنديا أو لنقل إنسانا سوريا لم نسمع من بشار الأسد ولا من حكومته أي استنكار للقتل ولا أي مطالبة بتحقيق ..
السوريون اليوم لا بواكي لهم ، ولا أحد يسأل عن أعراضهم بله دمائهم . ومن يستطيع أن يسأل المالكي كيف ؟! كيف أولا تسلم جنودا طلبوا جوار العراق إلى من يقتلهم ؟! وكيف ثانيا لا تؤمن الحماية الكافية لهم إذ تدفعهم في طريق للموت مريب ؟! وكيف ثالثا لا تفتح تحقيقا جادا وبمصداقية في مقتل قرابة ستين إنسانا عشرة منهم من العراقيين . المالكي : علا في الأرض وكان من المسرفين .
وإذ نعود إلى أبسط قواعد التحقيق فنتساءل بدورنا ومن المستفيد على الحقيقة من قتل هؤلاء الجنود ؟ ومن الذي قتلهم ؟ ولماذا يقتلهم متسللون من الجيش الحر ؟ أو من عناصر القاعدة ؟ وأين ذاب عناصر القاعدة الذين قتلوهم ؟ يلوي المالكي رأسه مستكبرا ويضحك بشار الأسد ضحكته المشهورة ..
باسم كل الضحايا الأبرياء وباسم الأمهات والآباء والأسر المكلومة نستنكر الجريمة الغادرة في أبعادها كافة ..ونحمل المالكي مسئوليتها أمام الله وأمام الناس .ونطالب بتحقيق دولي في مصير العشرات من الجنود السوريين الأبرياء .. فهل يسمعنا الأمينان العامان العربي والدولي أم يستمران في صم الآذان ..
لندن : 22 / ربيع الثاني / 1434 – 5 / 3 / 2013
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية