الطائفة النصيرية والثورة السورية
أحمد الجمال الحموي
الطائفة النصيرية هي الطائفة التي عُرفت في العقود الأخيرة فقط باسم الطائفة العلوية، لكن اسمها الحقيقي هو الطائفة النصيرية، نسبة إلى مؤسسها محمد بن نصير ذي الأصل الفارسي المتوفى سنة 270 ه، وإليه نسبت الطائفة في القرون المنصرمة. وهذا هو الاسم الذي سأطلقه عليها في هذه الدراسة.
برزت في سنة 2012 والسنة التي قبلها ظاهرة يجب الوقوف عندها ودراستها هي كثرة المقالات والتصريحات التي تدور حول فكرتين رئيسيتين هما:
1- أن بشار الأسد لا يمثل الطائفة النصيرية وأنه يستغلها بمكره وخبثه.
2- وأن الطائفة بريئة من جرائمه وماتلطخ فيه من عار القتل والتدمير والظلم الذي تجاوز حدود التصور، وتعدى في وحشيته وخسته خيال أشرار العالم وشياطينه.
وصار من الأمور شبه المؤلوفة أن يطلع علينا بين الحين والآخر في الفضيائيات بعض أقطاب المعارضة وبعض الوطنيين ويتطوعون بمنح الطائفة شهادة براءة من جميع المخازي التي نراها ويراها العالم الصامت المراوغ، حتى لم يعد من السهل إحصاء تلك الشهادات لكثرتها. فما مدى صحة هذه الشهادات وموافقتها للحقيقة.؟
ثم دخل الغرب المنافق على الخط فأدلى بدلوه في هذا الشأن بعد أن فاضت إنسانيته المنحازة، فكرر بعض مسؤوليه في أكثر من مناسبة ودونما سبب مطالبة الأكثرية بحماسة كبيرة أن تطمئن الأقلية وتقدم لها الضمانات الكافية على مستقبلها. وكأن الأكثرية ممسكة بزمام الأمور، أو كأن لها تاريخاً عريقاً في ظلم الأقليات واضطهادها بينما للأقلية النصيرية تاريخ ناصع في معاملة الأكثرية.
غير أن هذا الغرب المتخم بالرحمة والإنسانية لم يطالب النظام الطائفي الذي جثم على صدور السوريين أكثر من أربعين عاماً- هذا إذا استثنينا السنوات التي سبقت مهزلة الحركة التصحيحية- لم يطالب بحقوق الأكثرية، ولا وقف مرة واحدة موقفاً جدياً لتخليص السوريين من أنياب الطائفيين وظلمهم المدمر.
لقد كان ظلم الطائفيين وأذاهم للشعب السوري متنوعاً جداً حتى لم يبق نوع ولا لون من الظلم والأذى إلا صبّوه على الناس وأذاقوهم ويلاته. وتفاصيل هذا الظلم تحتاج إلى كتاب كبير وليس إلى بعض مقالة لكنه شيء معروف لا ينكره إلا من فقد عقله وإنسانيته وشرفه.
وزيادة على الظلم الفظيع والدمار الشامل فإن بشار الأسد انزلق في مستنقع خيانة كبرى عندما جعل سورية العظيمة ولاية ذليلة تابعة لإيران، يسرح فيها مستشاروها وقطعاتها العسكرية وخبراؤها كما يشاؤون. ويقوم ملاليها بنشر دينهم وإخراج الشعب السوري عن دينه بكل الوسائل وبتأييد النظام ودعمه وليس بصمته فقط.
وهاهو بشار ومعه روافض إيران وأذنابهم من العراق ولبنان وغيرهما يمعن في تدمير سورية وقتل أبنائها واغتصاب حرائرها خدمة لإسرائيل وإيران.
والسؤال الآن أين كانت إنسانية الغرب طيلة العقود الماضية؟
وأين هي اليوم مما يراه حتى العميان.؟
إن الغرب يتكلم عن شيء يوهم العالم أنه متوقع، وهو ضياع حقوق الأقلية النصيرية على يد الأكثرية التي تريد انتزاع حقوقها من براثن الأقلية واستردادها والتي كان الغرب متعامياً وصامتاً عنها.
وهذا الغرب نفسه لا يتحرك الآن بصدق لوضع نهاية للإجرام الواقع المشاهد.
وكأن المتخيل الموهوم أولى بالعناية من الواقع الثابت المرئي، بل لكأن الموهوم حاصل وكأن الواقع المشاهد(لا وجود له).
إن مطالبة الغرب بتطمين الطائفة النصيرية يتضمن ملاحظات خطيرة منها:
1- يتضمن اتهاماً مبطناً للأكثرية، وإساءة للظن بها، وتجاهلاً لتاريخها الحضاري المضيء الذي لم تعرف البشرية له مثيلاً.
2- كما أن هذه المطالبة تحمل في طياتها تخويفاً كاذباً للأقلية المعتدية التي يجب عليها هي أن تطمئن الأكثرية بالأفعال لا بالأقوال وهذا ما لا أثر له على الإطلاق.
3- ومن الأمور الخطيرة أن هذه المطالبة تحريض ماكر لدول العالم على معاداة ثورة الشعب السوري البطل، وخذلان له.
وبعد كل الذي ذكرته أسأل هل الطائفة بريئة براءة كاملة كما يزعم المتحدثون المتطوعون بمنح شهادات البراءة.
وللجواب على هذا السؤال يجب التدقيق في النقاط التالية:
1- لم ينشق أبناء الطائفة عن الجيش حيث انشق غيرهم ولم يأمر زعماء الطائفة أبناءهم بالإنشقاق والعودة إلى بيوتهم على أقل تقدير. ومعلوم أن بشار الأسد يعتمد في إجرامه على أبناء الطائفة بالدرجة الأولى، وعلى الغرباء المستوردين من الروافض. ولولا هذا الحشد الطائفي العفن لما نزل بالشعب السوري مانراه ونشاهده.
2- لم يضرب الطيران الحكومي ولا المدفعية الصاروخية مدن النصيريين وقراهم. ولم يلق الطيران براميل المتفجرات على البيوت في تلك المدن.
3- من المعروف عند السوريين جميعاً أن مدن النصيريين وقراهم متخمة بالسلاح وهو بأيدي ذكورهم وإناثهم وكبارهم وصغارهم اقتداء بالمستوطنيين اليهود. وليس هذا السلاح للدفاع عن النفس، إذ أن الثوار لم يهاجموا بلدانهم بل العكس هو الصحيح، فالنصيريون هم الذين يهاجمون قرى المسلمين ويذبحون من فيها ذبح النعاج دون تمييز.
4- لماذا لا يعطى السلاح لغير النصيريين من أبناء الشعب ليردوا هجمات الإرهابين التي يتحدث عنها الإعلام الرسمي المنحط ليل نهار.
5- أدانت مئة وسبع وثلاثون دولة في الجمعية العمومية للأمم المتحدة جرائم بشار الأسد. وكثير من هذه الدول لا تربطها بأمتنا رابطة سوى رابطة الإنسانية، فهل من المقبول أن ينطق العالم بالإدانة وأن يخرس زعماء الطائفة عنها وكأنهم يعيشون في عالم آخر.
إن موقف الطائفة في نظر العقلاء والمحللين لا يعني الرضى بما يفعله بشار فقط بل يعني الدعم والتأييد والشراكة الكاملة في عداوة الشعب ومحاربته. ولئن كان هذا غير صحيح فعلى الطائفة أن تبرهن على عدم صحته بالأفعال والأقوال معاً وليس بالأقوال فقط.
والآن على الطائفة أن تعلم علم اليقين أن زمن الخداع قد ولى، وأن الأمور غدت واضحة حتى إن الطائفة نفسها لم تعد تخفي ذلك. وإنكم أيها النصيريون والروافض لستم مجرد مساهمين بالذبح بل إن الذبح كله أو جله يتم على أيديكم فما الذي تتوقعونه من الشعب السوري بعد هذا الموقف الذي أحيا في نفوس الناس ذكريات خياناتكم التاريخية أيام التتار و الصليبيين والفرنسيين وغير هذا وقد كادت أن تُنسى.
أيها الطائفيون أتدرون ماذا تفعلون: إنكم تحفرون قبوركم بأيديكم بعد أن أسكرتكم القوة وذهب بألبابكم دعم روافض إيران وأذناب إيران في بعض الدول العربية لكم، حتى نسيتم سنن الله تعالى التي لا تتخلف ومنها( وتلك الأيام نداولها بين الناس) ولن ينفعكم يومها بشار ولا إيران ولا روسيا ولا الولايات المتحدة المشفقة عليكم.
وكم ستندم الولايات المتحدة إذا تدخلت لنجدتكم من غضبة الشعب الذي فقد كل شيء وسترى أن ورطتها في سورية أكبر من ورطتها في أفغانستان والعراق.... وسوف ترى إيران نفس المصير الأسود إذا لعبت لعبة التدخل لإنقاذكم وإنقاذ عميلها بشار.
أيها النصيريون أليس منكم رجل رشيد يجاوز نظره أرنبة أنفه؟ أم أن الغرور أعمى أفئدتكم وأبصاركم معاً. والله لقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى وهاهو طوفان الشعب قادم ولن يقف أمامه شيء، ولا غرابة أن تسقيكم أسود سورية الجريحة من الكأس التي طالما سقيتموهم منها، وأن يذيقوكم بعض ما أذقتموهم......
إن لسان حالكم يقول للسوريين الأبطال أعدوا العدة لتدميرنا كما دمرناكم، وليكن معلوماً لديكم أن السوريين اليوم ينادون بصوت واحد أن العين بالعين والسن بالسن. والأمن لنا بالأمن لكم، ولن تكونوا آمنين في مدنكم وقراكم إن لم نكن آمنين في مدننا وقرانا.
فهيا أيها النصيريون إلى تدارك الأمر قبل أن يقع الفأس بالرأس، وعليكم إذا أردتم السلامة المبادرة السريعة لتصحيح العلاقة مع الشعب السوري وذلك بأن يصدر زعماؤكم بياناً واضحاً قوياً يتضمن مايلي:
1- إعلان البراءة من بشار الأسد وإدانة أفعاله.
2- دعوة بشار إلى التوقف حالاً عن القتل والتدمير.
3- دعوة الأسد إلى الرحيل الفوري ومطالبة المقربين منه بقتله إن لم يرحل.
4- مطالبة أبنائكم في الجيش برفض أوامر الذبح والتدمير.
5- مطالبة أبناء الطائفة بالإنشقاق والإنكفاء إلى بيوتهم.
(ومالم يحدث هذا فلا تلوموا إلا أنفسكم وإنما هي أعمالكم سيوفيكم الشعب إياها... وما أروع المثل القائل( يداك أوكتا وفوك نفخ)
وأقول أخيراً لمانحي شهادات البراءة: توقفوا عن منحها، وإياكم وشهادة الزور.....إن شهاداتكم هذه ذبح للشعب السوري من الوريد إلى الوريد. وإن الشعب السوري يكفيه ذبح الطائفيين له، فلا تذبحوه أنتم أيضاً لأنه لا ينبغي أن يذبح مرتين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.
أحمد الجمال الحموي
- نائب رئيس جمعية علماء حماه سابقاً
- عضو مؤسس في رابطة أدباء الشام
- عضو مؤسس في رابطة العلماء السوريين
- عضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين