الاستفزاز عجز لا إعجاز
فكفاك يا مالكي إنحياز!
علي الكاش
كاتب ومفكر عراقي
( لتكن إنتفاضة الأنبار فوق أي إعتبار)
السلوك هو ترجمة حرفية للنوايا التي تختلج النفس البشرية وتندفع بها للخارج كصيغة تعامليه مع الآخر فردا كان أو مجتمعا، إنه مرآة عاكسة لحقيقة ما في دواخلنا من مشاعر واحاسيس سواء كانت مستقاة من رافد المحبة أو مستنقع الكراهية، الخير أو الشر، الحق أو الباطل، لذلك يُحذر الله سبحانه وتعالى عباده من النوايا السيئة لأن الأعمال تتجلى بالنوايا. فأعمال الخير تنطلق من قاعدة النوايا الحسنة وأفعال الشر تنطلق من قاعدة النوايا السيئة. ولكل إمرئ ما نوى وما يترتب على نواياه من نتائج. ولأن الأنسان مجبل على الشر والنفس أمارة بالسوء فأن عملية ترويض النوازع البشرية تتم بتظافر عدة عوامل تعمل كقوة مغربلة لها فتشطب بعضها وتهذب وتعدل وتضيف لتعود بالنفع على النفس أولا وعلى الصالح العام ثانيا.
أولها: العامل الذاتي والذي يتجلى بقوة الأيمان بالقيم السماوية وعدالتها والمستوى العلمي والثقافي وتراكمات الوعي والادراك وقوة الارادة والعزيمة لشكم الاندفاعات الغريزية المتهورة.
ثانيهما: التأثيرات البيئية والاجتماعية ونعني بها العوامل المؤثرة في النفس البشرية، متمثلة بالتربية والتعليم، وهي تُستمد من سلوك العائلة ومناهج التعليم المدرسي والعلاقات الإجتماعية ودور مؤسسات المجتمع المدني، حيث تساهم جميعها بشكل ايجابي أو سلبي في توجيه السلوك البشري. ثالثهما: العوامل النفسية المؤثرة بالفرد والتي تلعب دورا مهما في تأهيله للإنتماء للمجتمع والتعايش معه بصورة إيجابية والمساهمة الفاعلة لخدمته.
رابعهما: يتمثل بإدارة الدولة ومؤسساتها المختلفة التي تضع اللمسات الأخيرة للسلوك الفردي والإجتماعي من خلال القوانين الأنظمة والتعليمات التي تنظم بها حركة المجتمع بما يؤمن له الأمن والحرية والعدل والمساواة وتعزيز حقوق الإنسان.
هذه العوامل المتجسدة بالفرد والمجتمع والدولة، هي المربع المتساوي الاضلاع للسلوك الجمعي وأي خلل في ضلع ما، سيشوه الشكل الهندسي كله، ويعبث بالصورة الجمالية لبقية الاضلاع. ولا نود ان نطيل الحديث في هذا المجال فقد أستوفى حقه من دراسة وعناية خلال قرون مضت، منذ وضع لبنته الأولى عالم الأجتماع العربي أبن خلدون وطوره علماء الإجتماع والنفس والسياسة والقانون على مٌر القرون.
سنتحدث عن تأثير السياسات الحكومية على المواطن من خلال القرارات والأنظمة والتعليمات التي تسنها لتنظيم مسيرة المجتمع في كل القطاعات. ونحاول أن نستشف تأثيراتها الفعلية على المواطنين. سيما ان تجربتنا المريرة في العراق المحتل أفرزت ظواهر شاذة شكلت نصوصا دستوية وتمخض عنها قوانين وأنظمة وقرارات منحازة وفق نظام المحاصصة الطائفية، رُسمت لخدمة طائفة أو قومية معينة أو تنفيذا لأجندة خارجية وليس لخدمة عموم المواطنين. مما يولد حساسية مثيرة لبقية الأطراف الذين يجدون فيها إستفزازات لهم، ويتعاملون معها بجفاء وإستنكار ورفض تام. متوجسين الأخطار التي ستنجم عنها والعيوب التي تتأسس عليها، وتداعياتها المريعة حاضرا ومستقبلا على البلد.
سنترك موضوع القوانين لأنها تخص السلطة التشريعية وهذه بدورها محط جدال محتدم أسفر أخيراً عن أعتراف رئيس الوزراء نوري المالكي بضرورة إعادة النظر في بعض مواد الدستور. لكننا سنتناول بعض ما اصدرته السلطة التنفيذية المتمثلة بحكومة الأحتلال من قرارات إتسمت بالعجلة وعدم التروي أوالاستناد الى دراسة عميقة من كل أو بعض النواحي أو تحديد الثغرات ومعالجتها بطريقة نفعية قبل إتخاذها ونشرها. ولم يؤخذ في بعض القرارات تأثيراتها وتداعياتها على بقية أفراد المجتمع. ونتيجة لذلك التخبط والعشوائية تجري الإنتهاكات التشريعية في الغابة الدستورية! تعديل يفترس تعديل، وتشويه يغلف تشويه، وإنتقائية لتفسير نص مسموح لجهة ما! ومرفوض لأخرى دون مسوغ مقبول! الى ان تنتهي المسيرة الدستورية بدفن النصوص في مقبرة العبث حسب الاصول المرعية.
مسيرة الدولة هي نفسها مسيرة المجتمع واخفاقات الثاني تكون عادة بسبب إنحرافات الأول وسياساته الخاطئة. أي أن فشل سياسة الدولة يعني فشل إدارة المجتمع، لذا فالحكومة هي التي تتحمل وزر المسؤولية عن هذا الفشل بسبب عدم إلتزامها بمباديء الحق والعدل والمساواة أو من خلال تهميش الأطراف المشاركة في العملية السياسية وتغليب الصوت الواحد برؤية أحادية ضيقة تؤدي نفس غرض لجام الفرس.
الاختلاف في الرأي حق مباح للجميع شرعه الدستور العراقي مع كثرة عيوبه. كما إن فسح النوافذ أمام نسيم الرأي الآخر مسئولة شرعية واخلاقية. فالمعارضة السياسية والتعددية الفكرية والحزبية هي اللقاحات التي تطعم المجتمع وتحميه من فايروسات السلطوية والإستبداد، بل تنشطه و تقوي مناعته من خلال تطوير وتحسين الأفكار والرؤى نفسها. المهم في صياغة القوانين والقرارات أن تدور جميعها في مدار الوطنية والصالح العام. أما الألتزامات الطائفية والعنصرية والحزبية فهي ليست أكثر من شهب تظهر بسرعة وتختفي بنفس السرعة ما ان تلامس الغلاف الوطني تاركة ورائها العدم، رغم انها قد تبهر البعض بضيائها وبهائها السريع لحظة ظهورها فقط.
عندما تشمر الحكومة عن ساعديها لوضع قرارات وأنظمة جديدة، فيجب أن تضع نصب عينيها شعارا مركزيا موحدا وملزما، وهو أن جميع العراقيين شركاء في الوطن. وأن موضوع الأكثرية والأقلية والقومية والدين والمذهب والعشائرية لا تعطي السلطة الحق بالتفرد في وضع القرارات وإستبعاد بقية الشركاء أو تهميشهم. لأن موقعهم الجغرافي هو داخل خارطة العراق وليس خارجها. ولا يحق لأي مخلوق كائن من يكون ان يتعامل مع بقية شرائح الشعب بصيغة الحجوم والأوزان والأعداد. فهم جميعا جذورلشجرة الوطن. أما السلطات الحاكمة فهي أغصان تذبل وتنتهي وتتجدد. الجذور هي الأصل وهي التي تغذي الأغصان وليس العكس. وإلا لأقتصرت إلزامية القرارات على المستفيدين منها فقط!
لدينا الكثير من الشواهد العربية والدولية تثبت ان مفهوم الأكثرية والأقلية يخسر من الجولة الأولى وبالضربة القاضية أمام خصمه العتيد المواطنة. هذه الحقيقة يدركها العقلاء وغير العقلاء على حد سواء بما فيهم الإدارة الإمريكية التي تقف وراء محنتنا الكبرى بمخلفاتها الصفوية القذرة! فالولايات المتحدة الامريكية يحكمها الآن رجل أسود من أصل أفريقي، أي ليس مواطن أمريكي متجذر في أصله بل من الأقلية الأجنبية المهاجرة، ولم يظن احد بأن أوباما بعد أن يتسلم مهام إدارة البيت الأبيض سيصدر قرارات لصالح دولته الأفريقية الأم كينيا ولا لصالح الأمريكان السود! ولا يمكنه أصلا أصدار مثل هذه القرارات لأنه سيركل الى خارج البيت الأبيض لأن مصلحة الشعب الأمريكي هي المؤشر الوحيد لصحة قراراته وصلاحيته للحكم.
عندما تصاغ القوانين بشكل خاطيء فأن الأنظمة والتعليمات الناجمة عنها ستحمل نفس الصفة. وعندما يغرد أي وزير بصورة منفرده خارج السرب الجمعي، ويغلب الطائفة أو القومية أو الحزبية أو العشائرية على المصلحة العامة، فأنه غير جدير بمنصبه. فهو أولا: لم يعد أمينا مع ربه، لأنه حنث باليمين الدستوي فهل سيكون أمينا مع شعبه وهو آثم شرعا؟ ثانيا: إرتكابه إثما وطنيا و اخلاقيا وانسانيا بحق الشعب.
اذا سكت رئيس الحكومة عن أخطاء وزرائه وفسادهم لسبب أو آخر، فأنه سيكون شريكا لهم في جريمة الفساد. إما إذا أدعى بأن وراء الوزير حزبا لا يقوى عليه فأن ذلك إعترافا صارخا بأنه غير أهل للمسئولية التي يتولاها، وعليه أن يستقيل من منصبه. أما إذا تستر على المفسدين وحماهم وأمن لهم طريق الفرار، فإنه يعتبر آثم شرعا ومجرم وضعا. الوزير السني والشيعي والكردي والتركماني وغيرهم سيكون جديرا بالمسؤولية عندما يخدم جميع العراقيين بدون تمييز، وينظر لنفسه كعراقي فقط، متجردا من مذهبه وقوميته وعشيرته وبقية الإعتبارات.
لقد عودتنا حكومة المالكي على إتخاذ قرارات طائفية ذات طابع إستفزازي مقصود، ولا تفسير لها غير ذلك. منها على سبيل المثال، إتخاذ باقري صولاغي وزير المالية السابق قرارا بإعتبار شهداء الحرب العراقية الإيرانية قتلى وليسوا شهداء وفقا لرؤية أسياده في الحكومة الصفوية وإلتزاما منه بالأنقياد لمشيئة ملالي طهران! وكذلك القرار الذي اتخذه وزير التربية السابق المدعو خضير الخزاعي بتغيير أسم الخليج العربي الى الخليج الفارسي وتغيير المناهج الدراسية في التأريخ والجغرافيا بما يتناسب والرؤيا الفارسية الصفوية، فَكرم لمنصب نائب رئيس الجمهورية! ولو رجع هذا المتفرس الأمعي قليلا الى الى الوراء لوجد أن هذه التسمية الإستفزازية مجافية للحقيقة من الناحية التأريخية فالضفة الأيرانية اصلا كانت أراضي عراقية؟ كما انها تتنافى والوقائع الجغرافية فمقابل الدولة الفارسية الوحيدة على الخليج العربي توجد سبع دول عربية! ولكن بالتأكيد الوزير الذي يغير أسم إحدى المدارس الى( مدرسة أبن العلقمي) لا يرتجى منه خيرا!
ثم قيام الحكومة بإجتثاث النصب التذكارية المهمة للشخصيات الوطنية، وذكريات الملاحم التأريخية والبطولية للجيش العراقي الوطني السابق من ساحات بغداد بتوجيهات ملالي طهران ليمسحوا طعم السم الذي جرعه الخميني في حربه على العراق. ولم يسلم من الإجتثاث حتى الخليفة أبو جعفر المنصور! فقد فُجر النصب أولا! ثم أجتث رأسه من مدينة المنصور التي بناها، ووضعت بدلا عنها صور وجداريات لأحفاد البرامكة كالخميني والخامنئي.
يتعطل الدوام الرسمي معظم أيام السنة وفي ذلك خسارة اقتصادية كبيرة، وضحك على عقول الجهلة بحجة الزيارات الحسينية ومراسمها! اليوم ولادة إمام، وغدا جرحه وبعدها موته وهلم جرا. بل هناك من يطلب بأن يكون يوم غدير خم عطلة رسمية! كأن العراق من حصة طائفة واحدة فقط وليس عراق الجميع!
ثم تأتي الطامة الكبري عندما ترى قوات الجيش العراقي تلطم كالنساء ليس على حظهم الأسود وضعفهم وتخاذلهم عن حماية الوطن وحدوده، بل على الإمام الحسين(ع) وهو منهم براء. رجال بالملابس العسكرية ويلطمون! إنهم لا يستحقون حتى وصف أشباه الرجال. فهل هذا جيش يمثل العراق أم الطائفة؟ أليس هذا إستفزاز لبقية شرائح الشعب العراقي؟ وبكل صلافة يخطب المالكي في الذكرى(92) لتأسيس الجيش قائلا" جيشنا تضررت سمعته بسبب النظام السابق، وإستعاد عافيته وهيبته" ولم يكمل الجملة" وباشر بمهام النياحة واللطم على الحسين".
نشاهد مواقف مخزية لما يسمى بقوات الشرطة وهي تدخل المناطق ذات الأغلبية السنية ليس لحماية أمنهم وممتلكاتهم وشرفهم! بل لسب وشتم ابو بكر وعمر وعثمان وعائشة رضوان الله عليهم، عبر مكبرات الصوت! هل هؤلاء فعلا حماة الأمن الداخلي والعيون الساهرة على الشعب يا دولة القانون؟ أم هم عناصر فاسدة وجاحدة من عناصر الميليشيات الإرهابية الذين أدمجوا بقوات الشرطة.
الفساد والقتل والإرهاب جرائم شرعية وقانونية وهي مخلة بالشرف، كلنا نرفضها ونحث على محاربتها وفقا للقانون. لكن الذي يثيرنا هو: لماذا المفسدون والإرهابيون والمجرمون الشيعة أبرياء مهما أجرموا ولا يطالهم القانون؟ وأهل السنة متهمون حتى وان كانوا أبرياء في دولة القانون!
ثم تأتي حالات الإعتقال على الهوية كنمذج لإرهاب الدولة، فتملأ سجون المالكي العلنية والسرية من طائفة واحدة وفق المادة الرابعة/ إرهاب( خاصة بأهل السنه) لتمزق حاجز الصمت الإنساني. حيث يغتصب الرجال والأطفال والنساء من قبل المحققين والشرطة بعلم وزير الظلم( الشمر حسن) ومباركة المالكي وغلمانه في القضاء بزعامة كبير الخصيان مدحت المحمود. ولم يعترف المجرمون الرسميون بصحة حالات التعذيب والإغتصاب إلا بعد أن فُتحت بالوعة الفضائح رغما عن أنفهم وهبت الجيف في كل مكان. ثم نسمع صوت معتقلة عراقية تصرخ من دهاليز المالكي المظلمة (وامعتصماه) فيصل صداها الى الأنبار المجاهدة وتثير نخوتهم ليصرخوا( كلنا المعتصم والمعتصم كلنا). وينضم إليهم الشرفاء من شيعة العراق الغيارى، ليرتفع الصوت إلى أعنان السماء السابعة.
ثم يتهم عملاء أمريكا وإيران الحكومات السابقة بالطائفية! لكننا لم نسمع منذ تأسيس الدولة العراقية لحد الغزو الغاشم بأن رئيس دولة أو حكومة يفتخر بأنه سني أو شيعي او كردي. في حين نجد إن المالكي قد غلب المذهب على الدين والعروبة بقوله" أفتخر أولا بأني شيعي، وثانيا لأني مسلم، وثالثا لأني عربي"! هل هذا زعيم دولة أم طائفة؟ وهل يصلح كقائد دولة أم قيادة موكب عزاء حسيني.
هناك العديد من القرارات الاستفزازية التي إتخذتها الحكومة الطائفية، وهي الشرارات التي إنبثقت منها إنتفاضة الأنبار المجيدة؟
الإنتفاضة لم تكن من أجل شخصيات عميلة جاءت على ظهر الدبابات الأمريكية كطارق الهاشمي و رافع العيساوي وصالح المطلك وسعدون الدليمي وغيرهم. فهؤلاء عملاء وفاسدون ومبتذلون لايختلفون عن المالكي مطلقا! بل هم من رهطه ويعملوا بمعيته. الشرارة انبعثت من تحت رماد الكبت الشعبي الذي فجرته حادثة العيساوي، ولا يد له فيها ليشكر، ولاثواب له في صنعها ليؤجر.
اليس العيساوي وزير المالية الذي لم يكشف لنا منذ إستيزاره ولحد الآن ملفا واحدا من آلاف ملفات الفساد الحكومي وهذا من صلب إختصاصه؟
هل سمعنا من العيساوي تصريحا عن المليارات المفقودة ومنها التي بذمة الحكومة ولم تزود الوزارة بمستندات صرفها؟
هل كشف العيساوي للشعب العراقي ملفات الفساد لوزراء الماليه الذين تولوا الوزارة قبله؟ سيما باقري صولاغي الذي كان يمول المليشيات الاجرامية من خزينة الدولة؟
هل دافع العيساوي يوما عن أهل السنة؟ وهل تطرق يوما إلى إعتقالهم وإغتصاب السجينات قبل ان يجروده من جرذانه( الحماية) ويعتقلونهم ويسوقهم كالخرفان الى حظيرة القضاء المسيس؟
كيف قبل العيساوي بوساطة سفير الدولة الصفوية في العراق لتسوية مشكلته مع المالكي وإطلاق سراح معظم جرذانه؟ وما علاقة السفير الصفوي بهذا الشأن العراقي الداخلي؟
ثم هل يجوز إختزال كل مشاكل أهل السنة مع الحكومة الطائفية بمشكلة العيساوي فقط؟
الحقيقة هي: لا يوجد من يمثل أهل السنة في حكومة المالكي مطلقا. رافع العيساوي وطارق الهاشمي وصالح المطلك وأسامة النجيفي وسعدون الدليمي ومن لف لفهم من مخلفات الإحتلال، جميعهم بيادق هزيلة على رقعة المالكي، ولا شأن لسنة العراق بهم وإن إنتسبوا لهم حقا أو باطلا.