ويسألونك: لماذا تأخر انتصار الثورة السورية؟
فيصل قاسم
من حق السوريين أن يشتكوا من تأخر انتصار ثورتهم التي طال أمدها. ومن حق الساخرين منهم أن يستقبلوا التصريحات المتتالية المبشرة بسقوط نظام الأسد بوابل من السخرية بعد أن سمعوا الكثير منها منذ بدء الثورة قبل حوالي عامين. لا بل من حقهم أيضاً أن يشككوا بالتسريبات والتوقعات التي تنبئ بانهيار النظام بين شهر وآخر، خاصة أنهم عانوا ما لم يعانه شعب في العالم من الوحشية والبربرية العسكرية المدعومة إيرانياً وروسياً وصينياً. لكن لو دقق السوريون الشاكون من طول أمد الثورة في وضعهم ووضع ثورتهم، ولو قارنوها بروية وموضوعية ببقية الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن، لما كانوا اشتكوا أو شككوا بالتصريحات التي تبشر بسقوط نظامهم.
من السخف مقارنة الثورة السورية بثورات مصر وتونس واليمن، لأن تلك كانت مجرد نزهة مقارنة بالثورة السورية، خاصة أن بعض المتظاهرين المصريين كانوا يخرجون إلى الشوارع كما لو أنهم ذاهبون في رحلة استمتاع، بينما كان المتظاهرون السوريون يودعون أهلهم وذويهم قبل الخروج في مظاهرة لأن أجهزة الأمن والجيش كانت تطلق النار بشكل عشوائي على كل من يخرج في مظاهرة سلمية، لا عجب أن قال أحد نشطاء الثورة في بدايتها إن كل متظاهر سوري يساوي عشرين ألف متظاهر آخر لأنه يضع روحه على كفه قبل الخروج إلى الشارع. وبالتالي، من الإجحاف إن لم يكن من السذاجة وضع الثورة السورية في نفس السلة مع الثورات المصرية والتونسية واليمنية التي قرر الجيش في تلك البلدان أن يقف على الحياد تماماً، إن لم يصطف إلى جانب الشعب الثائر. أما في سوريا فقد دخل الجيش وأجهزة الأمن المعركة إلى جانب النظام في مواجهة الشعب ضاربا عرض الحائط بأخلاقيات الجيوش الأخرى التي ترفض إطلاق رصاصة واحدة على أبناء جلدتها. ولا داعي للتذكير بأن الجيش المصري هو الذي ضغط على الرئيس كي يتنحى عندما اشتد ضغط الشارع. وكذلك فعل قائد الجيش التونسي وحتى اليمني، ناهيك عن أن الرئيس السوري هدد منذ خطابه الأول في مجلس الشعب بأنه سيقلب حركة دومينو الثورات في الاتجاه المعاكس بالحديد والنار، أي أنه سيجعل الثورة السورية آخر الثورات العربية.
لا مثيل للثورة السورية عربياً إلا النموذج الليبي. فقد شاهدنا منذ انطلاق الأحداث كيف تأهب القذافي جيشاً وكتائب أمنية ومرتزقة لمواجهة الثورة بالحديد والنار رافضاً مجرد الإصغاء لمطالب المحتجين، فما بالك أن يتفاوض معهم. ولولا الدعم الدولي ممثلاً بطيران حلف الناتو لكانت الثورة الليبية مشتعلة حتى الآن، ولكان معظم المدن الليبية شبه مدمرة تماماً كمثيلاتها السورية. تذكروا أن الصراع في ليبيا بين الثوار وقوات القذافي المتخلفة دام أكثر من ثمانية أشهر بمساعدة مئات الطائرات الأطلسية التي قامت بألوف الغارات على مواقع القذافي، ومع ذلك صمد وقتاً طويلاً جداً، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حجم القوة التي تعاضدت ضده داخلياً وخارجياً.
ليس من السهل على أي ثورة في العالم أن تنتصر بسرعة وسهولة على أي نظام قرر استخدام كل ترسانته العسكرية التي بناها على مدى عقود ضد شعب أعزل أو حتى مسلح تسليحاً خفيفاً. من السخف الشكوى من طول فترة الثورة السورية دون النظر إلى أن الشعب الثائر يواجه جيشاً نظامياً مدججاً بكل أنواع الأسلحة، ناهيك عن حشود هائلة من المرتزقة المعروفين بالشبيحة الذين لا يتورعون عن القيام بمجازر وجرائم بحق الثائرين يخجل منها الذين قاتلوا إلى جانب نيرون روما. ولا ننسى فالقوات العراقية والإيرانية وميليشيات حزب الله والخبرة الروسية الرهيبة التي تعمل جنباً إلى جنب مع الجيش السوري في سحق الثوار. ولا ننسى أن الروس قدموا للنظام السوري كل الخطط العسكرية التي استخدموها ضد ثوار الشيشان. وقد لاحظنا أن عمليات تدمير المدن التي يقوم بها الجيش السوري مستقاة تماماً من الخطط الروسية.
لنكن واقعيين، العين لا يمكن أن تقاوم المخرز، مع أنها حاولت وتحاول في سوريا بنجاح منقطع النظير. هل شاهدتم تاريخياً نظاماً وصل به الأمر إلى التهديد باستخدام الأسلحة الكيماوية المعروفة بنووي العالم الثالث المحرم دولياً ضد شعبه الثائر؟ لم يحدث أبداً، فحتى الغزاة تورعوا عن استخدام السلاح المحرم. وأقصى ما لجأ إليه الإسرائيليون في غزة هو الفوسفور الأبيض الذي يعتبر مجرد لعب عيال بالمقارنة مع السلاح الكيماوي. لقد قال أحد كبار الضباط السوريين إنه كان ممنوعاً عليهم الطيران فوق القرى والمدن رأفة بالأطفال والحوامل، أما الآن فإن الطائرات السورية لا تطير فوق المدن والقرى فقط، بل تدكها بالبراميل والصواريخ وكل أنواع القذائف الرهيبة، فتتطاير أشلاء الأطفال والنساء اللواتي كان ممنوعاً على الطائرات أن تطير فوق قراهم خشية تعرضهن للإجهاض.
لكن رغم أن الثوار السوريين يقاتلون بمفردهم ضد جيش مدعوم روسياً وعراقياً وإيرانياً ومن حزب الله، على عكس الثوار الليبيين الذين كانوا يقاتلون بدعم دولي جيشاً مفككاً متخلفاً، ومع ذلك أمضوا أكثر من ثمانية أشهر للانتصار عليه، فما بالك أن يقاتل الثوار السوريون عدة جيوش من أقوى الجيوش في العالم، ومع ذلك يحققون المعجزات على الأرض بقليل من السلاح، ومن دون أي غطاء جوي. لو قارنا ما أنجزه الثوار السوريون خلال أقل من سنتين مع غيرهم، لوجدنا أنهم أنجزوا أكثر بكثير مما كان متوقعاً منهم، فهم الآن يسيطرون على السواد الأعظم من التراب السوري. من كان يتوقع أن يحشد النظام معظم فرقه العسكرية حول دمشق ومطارها لصد الثوار الذين باتوا يدقون أبواب دمشق بقوة؟ من كان يتوقع أن تتحول مدينة حلب التي كانت وسائل إعلام النظام تصورها على أنها مدينة المشاوي واللهو والسهرات الملاح أن تصبح عرين الثورة، بعد أن بات أكثر من ثمانين بالمائة منها تحت سيطرة الثوار؟ كم أعلن النظام عن تطهير مناطق كثيرة في حمص ودمشق، ثم تعود للاشتعال بين ليلة وضحاها؟ أليس هناك داخل دمشق وحدها أكثر من ثلاثمائة حاجز مما يدل على أن النظام يعيش في حالة حصار؟ أليس اللجوء إلى صواريخ "سكود" لمقاتلة الثوار دليلاً على أن النظام في أسوأ حالاته؟ أليس مجرد اللجوء إلى سلاح الطيران دليل هزيمة أكثر منه دليل نصر، خاصة أن الطيران يستهدف مجموعات مسلحة بسيطة لا تمتلك لا دبابات ولا راجمات ولا مدافع ثقيلة؟ فكيف لو كان الثوار مدججين بسلاح نوعي مثلاً؟
أشعر بحزن شديد وأنا أكتب عن قتال بين الإخوة الأعداء أبناء جلدة واحدة. فالذين يسقطون من الجانبين هم أبناء سوريا، ناهيك عن أن العتاد الذي يتم تدميره تم شراؤه من عرق السوريين. كم هو محزن أن تناصر سورياً على سوري، لكن كما قال حمورابي صاحب أقدم القوانين المدونة في التاريخ: "البادئ أظلم"، ومن سلط الجيش على الشعب بعد أسابيع قليلة من الاحتجاجات السلمية بشهادته هو نفسه هو المسؤول الأول والأخير عما آلت إليه الأمور في سوريا الذبيحة.