كيف نقرأ قرارات الرئيس محمد مرسي الأخيرة؟

كيف نقرأ قرارات الرئيس محمد مرسي الأخيرة؟

الطاهر إبراهيم

لم تكن هذه هي أول مفاجأة يفاجئ بها الرئيس "محمد مرسي" شعب مصر ونخب مصر، عندما أعلن عن تعيين نائب عام جديد، وما يزال النائب العام "عبد المجيد محمود" في منصبه، بعد أن جعل مدة خدمة النائب العام 4 سنوات تبدأ بدءا من استلام منصبه، مايعني أن على النائب العام عبد المجيد محمود أن يغادر إلى بيته، فقد أمضى خمس سنوات في منصبه كنائب عام.

قد يكون صرْفُ عبد المجيد من منصبه لفت أنظار المراقبين من غير المصريين، لأنه لم يمض إلا أربعون يوما على محاولة الرئيس تعيين عبد المجيد سفيرا في الفاتيكان -11تشرين أول- كأسلوب لإزاحته من منصبه، ما جعل منتقدي الرئيس المصري تقوم قيامتهم باعتبار أن القانون المصري يمنع إقالة النائب العام، ما أدى إلا تراجع الرئيس عن قراره في ذلك الحين.

لكن تعيين نائب عام جديد لم يكن هو القضية الوحيدة، فقد أعلن المتحدث  باسم الرئيس "رزمة" قرارات دستورية لها حق النفاذ ما اعتبرتها نخب مصرية تحصينا لقرارات الرئيس في مواجهة القضاء الذي أبطل عدة قرارات سابقة للرئيس، فما هي أهم تلك القرارات؟

لعل أهم ماأثار بعض النخب المصرية الليبرالية واليسارية التي تسمي نفسها مدنية قرارُ الرئيس مرسي : "لا يجوز لأي جهة قضائية حل مجلس الشورى (الغرفة الثانية من البرلمان المصري) أو حل الجمعية التأسيسية المناط بها وضع مشروع دستور جديد للبلاد". كذلك قراره: "أن تكون قرارات رئيس الجمهورية الصادرة منذ توليه السلطة رسمياً في30 حزيران 2012 "نهائية ونافذة ومحصّنة، لا يجوز الطعن عليها بأي طريق وأمام أي جهة".
 وقد اعتبرت النخب المصرية القرار الأخير تحصينا لقرارات الرئيس "محمد مرسي" ضد إلغائها من قبل المحاكم المصرية. ولم تنظر تلك النخب إلى أن القرارات هي مؤقتة ريثما يتم انتخاب مجلس شعب بعد إقرار الدستور الجديد، فينظر مجلس الشعب هذا بقرارات الرئيس، فيعدلها أو يلغيها. القرارات الأخرى التي أصدرها الرئيس "مرسي" كانت وما تزال مطالب لجميع مكونات الشارع المصري في ميدان التحرير.   

فلم يكن تعيين نائب عام جديد ليزعج إلا "الفلول" الخائفين من تحريك قضايا ضدهم. فقد اتهم النائب العام "عبد المجيد محمود" بأنه كان يغض الطرف عن بلاغات بحق الفاسدين في العهد السابق. كما اتهم بأنه كان سببا بشكل أو بآخر بتبرئة جميع المتهمين بقتل ضحايا موقعة الجمل في 3 شباط 2011. حتى لقد تندر المصريون بعد أن أطلقت المحكمة سراح جميع المتهمين، فقالوا: إذن فمن قتل الضحايا إلا أن يكونوا قتلوا أنفسهم؟ لأن كل المتهمين "أخذوا براءة".

العجيب الغريب أن بعض من تداعوا للنزول إلى ميدان التحرير واحتجوا على "إعادة التحقيقات في جرائم قتل والشروع في قتل وإصابة متظاهري الثورة المصرية من جانب كل من تولى منصب خلال حكم النظام السابق" أن ذلك كان مطلبا لهم ولمعظم فصائل الثورة منذ اليوم الأول لإطاحة الرئيس "مبارك"، فلما أعلن الرئيس "مرسي" ذلك اعترض عليه المعترضون.

كان واضحا من خلال القراءة السريعة لقرارات الرئيس مرسي التي صدرت يوم 22 تشرين أول والاحتجاج عليها، أن الاعتراض منصب بالدرجة الأولى على شخص الرئيس لكونه ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، فليست القضية "رمانة" بل "القلوب مليانة".

يمكننا أن نتفهم قيام الرئيس محمد مرسي بإصدار القرارات التشريعية. فبعد أن ألغت المحكمة الدستورية مجلس الشعب المنتخب المختص في الأمور التشريعية أصبح الرئيس صاحب الحق بذلك، فقد كان إلغاء مجلس الشعب في وقت غير مناسب، كما اتضح أنه كان لأسباب شكلية. 

كما يمكن تفهم قرار الرئيس محمد مرسي بتحصين الهيئة التأسيسية لكتابة الدستور استباقا لحكم المحكمة الدستورية العليا المرتقب الذي قد يقضي بحلها، بعد أن أحالت القضية إليها الدائرة الأولى في محكمة القضاء الإداري في30 تشرين أول الماضي، لأن الرئيس أراد أن ينتهي من إصدار الدستور والاستفتاء عليه، حتى يتمكن الشعب المصري من انتخاب مجلس الشعب وفقا لهذا الدستور.

لا يقبل اعتراض من اعترض على فتح المحاكمة مرة ثانية لإعادة محاكمة من تسببوا في مقتل الذين قتلوا وجرحوا أثناء فعاليات الثورة في كانون ثاني وشباط من عام 2011، خصوصا في موقعة الجمل، لأن ذلك كان مطلبا لأهالي الضحايا، بل ومطلبا لمعظم الشعب المصري.   

يبقى الاختلاف مقبولا في النصّ على أن قرارات الرئيس منذ توليه السلطة وحتى نفاذ الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد: "تكون نهائية ونافذة وغير قابلة للطعن عليها بأي طريق وأمام أي جهة". فلو علمنا أن هناك 43 اعتراضا قدم إلى المحكمة الإدارية لإلغاء الهيئة التأسيسية لكتابة الدستور فقط لتبين لنا أن قرارات الرئيس ستصبح ألعوبة بين أيادي هواة المحاكم. وما يخفف من وقع القرار هذا أنه قرار مؤقت محكوم بانتخاب مجلس الشعب بمدة قد لاتتجاوز ستة أشهر.

إضاءات:

-ربما كان من الأجدى للرئيس محمد مرسي لو أنه، بدلا من أن يخرج ليخطب في المتظاهرين من أنصاره، أن يلقي خطابه من مكتبه عبر التلفزيون الرسمي والقنوات الفضائية، فقد بدا بذلك كأنه رئيس لفئة من المصريين دون الأخرى.                                                       - لاحظ مراقبون أن الرئيس محمد مرسي كان يصدر دائما قراراته الجريئة بعد أحداث مؤثرة كانت ترفع من أسهمه عند المصريين مثلما تم عندما أطاح بوزير الدفاع محمد حسين طنطاوي ونائبه سامي عنان بعد مقتل جنود في سيناء بهجوم إرهابي لم يكشف النقاب عمن قام به حتى الآن. كما أن الإعلان الدستوري الجديد جاء بعد النجاح الكبير للرئيس محمد مرسي في إبرام التهدئة بين حماس وإسرائيل، حتى أن الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" أشاد بجهوده في إنجاز التهدئة.

- لم يكن من أخلاقيات الثوار الذين ثاروا ضد فساد عهد "حسني مبارك" القيام بأعمال تخريب للمنشآت حتى لو كانت تابعة لحزب الحرية والعدالة، ما يدل على أن الفلول من أنصار النظام السابق دخلوا على الخط وبقوة وقاموا بأعمال التخريب.

- كان لافتا بشكل فاقع محاولة "محمد البرادعي" الاستقواء بواشنطن على الرئيس محمد مرسي عندما ناشد يوم 24 تشرين أول الجاري أمريكا أن تضغط على الرئيس المصري لإلغاء الإعلان الدستوري الأخير.

يبقى أن نقول أن الهجمة على قرارات الرئيس المصري الأخيرة بدت كأنها تصفية حسابات من خليط من المصريين من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. فهل يحني الرئيس رأسه للعاصفة كما فعل سابقا، أم سنشهد عملية شد للحبل بين الإخوان المسلمين وبين خصومهم؟