صحفيون أم غوازي!؟
عبد السلام البسيوني
لا أشك أن في الصحفيين والإعلام شرفاء، وطنيين، ثوريين، مناضلين، رجالاً، مقاتلين من أجل الحق، عاشقين لوطنهم، تشرف بهم مصر كما يشرفون بها، وهؤلاء لا يمكن أن يكون (على الوش) يديرون الآلة الإعلامية، أو يتحكمون في بعض مفاصلها، بل سيكونون مقصَيْن، مبعدين، مغضوبًا عليهم، أو (يدوب) يعيشون حالة إعلامية غير سوية!
ولا شك أن منهم مجموعة أخرى، أشبه بـ(عطيات الغازية) التي تكلمها كلمة لا تعجبها، فتفرش لحضرتك الملاية، وتعري في الشارع ما لا يتوقع شخص محترم أن تعريه، وهي تقول بصوتها الحياني: أنا اشرف منك ومن اللي خلفـ... وتبدأ معك وصلة فيها ما لا يلذ ولا يطيب من القبائح والفضائح، والبذاءات والدناءات، والأكاذيب و(رمي الجتة)..
واسحب هذا على شرائح من المثقفين والفنانين (الغوازي) الرخيصين، الأساتذة في الكذب، والتلفيق، والمهانة الشخصية، ودناءة العقل والهمة!
وهؤلاء في العادة نافذون مهيمنون مدعومون (واصلون) كما أنهم يتقنون فن (رمي الجتة) زي (عطيات الغازية) الرخيصة إياها، التي تراها في الموالد والأفراح الشعبية: في اللغة، والدناءة، والقدرة على ادعاء أي شيء..
واحد من هؤلاء الغوازي، في حديث تليفوني طويل (من حظه الأسود أن الباشوات سجلوه عليه، أيام سطوة جهاز سحل الدولة) ظل يشرح ويوضح سياسته الصحفية الانتهازية المجرمة، لباشا من القوادين، الذين (يسرِّحون عوالم الإعلام) وأخذ يبين له ما ينوي، وماذا يفعل، وأنه قلبًا وقالبًا مع النظام، ومن لاحسي حذاء جمال مبارك حملة، لكن المهارة الصحفية، والاقتدار المهني يقتضيه أن يظهر بعض التمنع، حتى تتمكن الجريدة الوليدة و(تعدي) بعدها سيكون واضحًا.. فقط أربعة أو خمسة أعداد يا باشا.. هكذا دون حياء، ولا رجولة!
وكان الباشا حارس عرض البلد يكلمه بلغة سمسار الأعراض يفاوض واحدة من هؤلاء الساقطات (الشريفات)..
هذه خلاصة شريط مقزز سمعته على اليوتيوب، وأيقنت أن البلد كانت تدار بحرفية مجرمة، أبعد ما تكون عن الشرف، والحرية، وأمن الدولة..
الله ينتقم منكم يا مجرمون، يا أكلة مصر، وناهبيها، وبائعي عرضها لمن يدفع أكثر.. باسم الأمن، والفن، والثقافة، والحرية.. أرانا الله فيكم آياته في الدنيا قبل الآخرة..
وقد (زن) إبليس في ذهني هنا، وحرضني علي طرح سؤال مزعج: هذا شريط من مئات الألوف من الأشرطة المسجلة، هل أعدمت هذه الأشرطة، التي تعد وثائق إدانة وأدلة إثبات، كما فُرمت الوثائق في مقار جهاز (الدعارة الإعلامية) في أمن الدولة؟
هل أعدمت هذه الأدلة، وفُرغت غرف جهنم من محتواها، أم لا تزال باقية، لمصلحة مصر، وكشف أساليب أكابر مجرميها الذي فسقوا ومكروا وأفسدوا فيها؟
وهل البطء الاضطراري في حركة مؤسسات الدولة الآن، واجتهادات الإصلاح البطيئة اضطرارًا، ستسمح - ببطئها هذا - بالتخلص من كل وثائق الإدانة؟
يا سيدي الرئيس: عجل بالإعلاميين (الغوازي) أرجوك، ترجوك مصر، ترجوك الحقيقة، ترجوك مصر..
مرسي أبرا كدابرا!
في مسلسلات كرتون الأطفال يحرك الجني العصا السحرية، فتخضر الصحراء، وتصير الدنيا (ربيع، والجو بديع) ويتحول الأفق إلى جنة مليئة بالورود، حافلة بالفقافيع الملونة البهيجة، والفراش الوهاج، والعصافير المشعة جمالاً، والموسيقى الكونية البهيجة..
وفي أفلام الآكشن يهزم البطل الذي لا يقهره شيء، جيشًا فيه ألف مقاتل، ومائة دبابة، وستمائة رشاش، وزيليون طلقة: يحرك يده اليمنى فيموت عشرات، ويحرك يده اليسري فيطير عشرات، ويضم كفه ويبسطها فيخرج منها شواظ من نار ونحاس، فلا ينتصر أعداؤه الأشرار!
وبعد أن ينتهي منهم يقوم لينفض ثيابه، منزعجًا من أن الفانلة تمزقت يا ولداه، أو أن أظفر أصبعه الصغير قد انكسر!
وهذا هو المطلوب من سيادة الرئيس، والذي ينتظره منه أناس كثيرون، يعيشون حالة مراهقة سياسية:
يريدونه شمشون، شوارزنيجر، طرزان، سوبر مان، الجنية الساحرة، بعصاها التي تديرها هاتفة: أبرا كدابرا، فيتغير كل شيء!
ولأنه لا يوجد رئيس في العالم كله يمكنه هذا، ولأن رئيسنا الكريم لا يستطيع فعله عمليًّا، ولأنه متعلم، وصادق، وأمين على مصلحة البلد، فهو لا يصلح رئيسًا في نظر (إخوانّا البعدا) لأنه - حتى الآن - لم يحل مشاكل مصر المزمنة، التي تحتاج إلى عقود لتتعافى؛ بعد أن صحّرها العسكر، وأزلامهم من خونة الوطن، الذين حصدوا الألقاب، والأموال، والمناصب، والمنافع، في ظل الورم السرطاني العسكري القتّال، الذي شل فاعلية مصر عقودًا..
يا سادتي: أي مريض يحتاج وقتًا ليتعافى.. يحتاج دواء، يحتاج رعاية صحية، يحتاج بعدها نقاهة، ورعاية نفسية، لكن منا أشخاصًا يفكرون مثل جحا، حين شرب زجاجة الدواء مرة واحدة، ليشفى مرة واحدة..ويحرم عليه أن يقول إننا في أزمة، أو علينا أن نشد الحزام قليلا، أو أن الحلول تحتاج وقتًا.. وهات يا (تريقة) وإسفافًا، بل، وقلة أدب!
يا إخواني الجُحوات: أعطوا الرجل فرصته القانونية الطبيعية ثم سائلوه إن شئتم.. ووالله لقد أنجز على مستوى القرارات السيادية والوطنية والأساسية ما لم يمر بالبال في نحو خمسين يومًا فقط.. ووالله إنه – ومن حوله - ليستحقون (تعظيم سلام) وحسبي الله في (النخب المخوخة) التي أرجو أن تثوب لرشدها، وتندم قريبًا على مواقفها، وتتراجع، وتصالح الحقيقة والحرية والوطن.. وإلا فأهانهم الله، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر..
الضباط الأشرار:
مع نهاية عهد الضباط الأشرار، وما يثيرونه من أزمات، وتحريكهم الفلول والبلاطجة وقاطعي الطريق، وتحرك الداخلية في اتجاه إتباب الأمن، وإقرار السلام في المجتمع المنزعج من هذه (الدمامل) الأمنية البغيضة، في جسد مصر المريضة بهم، أرجو ألا تأخذ الأجهزة الأمنية الحمية، وتستعيد بعض ماضيها البغيض، وتمارس أساليب مما كان يمارَس من قبل في أقسام الشرطة، والمخابئ الأمنية الوضيعة، التي أذل فيها مبارك وعصابته شعب مصر، فلا يذهب (عاطل في باطل) أو بريء في بلطجي، بل يلزمنا أن ننتبه للأبرياء والمجرمين، بين ممارسي البلطجة وقطع الطريق وعابري السبيل، ممن وجدوا أنفسهم في معمعة، علينا ألا نسوي بين أصحاب المصالح المتضررين وبين المحرضين والمأجورين.. كما يلزمنا أن نفرق بين احترام القانون واختراق القانون.. وإلا فالثورة حق؛ إذا حصل أي انتهاك لحرية المصري.. أي مصري..
واسلمي يا مصر..