أغلاط .. ومغالطات .. وسقوط

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

من الناس من يعيش بوعي كامل، قادر على التعرف والتعريف، والتمييز والتفريق، ومن الناس من يعيش بنصف وعي ، فلا يرى من الحقائق إلا بعضها، ومن الحق إلا ما يهمه، وفي كل الحالات يكتفي بالسطوح الظاهرة ، بعيدًا عن التعمق والتعميق.

 ومن الناس من يعيش بلا وعي ، ويعزّ عليه أن يعيش الآخرون بوعي ، أو بعض وعي، لذا نراه ينسج حول ذاته عالمًا من الوهم يحاول أن يُدخل فيه من يشاء ، مَثَله في ذلك كمثل الذين يعيشون ـ بالإدمان ـ في خيمة من الدخان الأزرق الملعون .

 وفي مقالي هذا "الخفيف" أعرض على القارئ بعض الوقائع من ميدان الواقع ، تاركًا له ، أن يصنف معطياتها وشخوصها في " الفئة " المناسبة بعد أن يحكمّ عقله ووعيه في حكمة وإنصاف.

صلاح الدين ... والصليبيون

لا أملُّ من مشاهدة فيلم "الناصر صلاح الدين " ؛ لأنه فيلم رائع "مخدوم" إخراجًا وتصويرًا وتمثيلاً، وقد تسنم فيه أحمد مظهر القمة في تمثيله شخصية صلاح الدين الأيوبي ، ولكن المنطق الروائي في الفيلم ناقَضَ المسيرة التاريخية ، والمنطق الواقعي، فمن المسلم به أن الحرب لم تكن بين "العرب" والصليبيين، ولكنها كانت بين "المسلمين" والصليبيين. أولئك المتعصبون المتوحشون الذين اتخذوا من المسيحية ستارًا، زاعمين أنهم ما جاءوا إلا لحماية قبر المسيح، فتصدى لهم صلاح الدين، وهزمهم هزيمة نكراء.

 وكان في جيوشه عدد كبير جدًّا من المسلمين التراكمة، وذوي الجنسيات غير العربية، وصلاح الدين نفسه لم يكن عربيًا، ولكنه كان كرديًّا.

 مع هذا التاريخ الثابت، واستجابة "للناصرية" وتأثرًا بل استجابة لدعوى "القومية العربية" رأينا صلاح الدين الأيوبي يقول بأعلى صوته "الدين لله والوطن للجميع"، وهي "عبارة علمانية" مستحدثة، لا يعرفها الإسلام، ولا يعترف بها.

 رأينا صلاح الدين كذلك في الفيلم لا يتحدث إلا عن صمود العرب، وأرض العرب، وانتصار العرب، ولم تردْ كلمة "المسلمين" مرة واحدة على لسانه، ولا لسان واحد من قواده أو جنوده، بل أُقحم في الفيلم ـ كضباط من ضباط صلاح الدين ، شخصية مسيحية باسم "عيسى العوام " بصورة مفتعلة ، لإثبات أن الذي انتصر على الصليبية ، والصليبيين هم العرب والعروبة ، والقومية العربية ، لا الإسلام والمسلمون ولتحترق.. أوراق التاريخ وأوراق الوعي.

فراعنة .. لا مصريون .. ولا عرب !!!

ومن بضعة أشهر ـ وحتى الآن ـ رأينا وسائل الإعلام ترقص وتهلل ، وقرأنا في الصحف "القومية"!!! عناوين بالخطوط الواسعة العريضة جدًّا " الفراعنة يهزمون ويينتصرون ـ في كرة القدم ـ يُمْنح فريقنا القومي " الجنسية الفرعونية " لا العربية.. ولا المصرية، هذا عند الفوز فقط.

 أما عند الهزيمة فهو "الفريق القومي المصري". وحتى نريح أنفسنا، ونحترم "وعينا" أرى أن يطلق على فريق مصر لكرة القدم " رسميًا " الفريق القومي الفرعوني لكرة القدم" بصرف النظر عن نتائج المباريات، حتى لو كانت "أصفارًا" كصفر المونديال.

المنطق الصفوتي الشريفي...

صفوت الشريف.. واحد من الذين يقودون "البلد" وهو للحق رجل له "تاريخ معروف" وهو خير من كان يردد بنبر ساداتي شعار "فكر جَد... ي ... ي ... ي ...د" سئل من عدة أ شهر : "كيف يتفق لعضو نجح مستقلاً في انتخابات مجلس الشعب أن ينضم للحزب الوطني، ويصبح عضوًا من أعضائه وكتلته البرلمانية؟

فأجاب بالحرف الواحد: "دول أولادنا .. اترشحوا مستقلين، ولكن على مبادئ الحزب الوطني".

 قال صاحبي: هرشت دماغي ألف مرة " لأفهمها فلم أستطع ، كيف يكون الشخص مستقلاً، وعلى مبادئ الحزب الوطني في وقت واحد؟!!! كيف يجتمع النقيضان ؟ إن كوْنه "مستقلاً" تعني أنه " لا حزبي " أي لا يتبع حزبًا ، لا في تنظيمه ولا نظامه ، ولا مبادئه؟؟!!

 قلت لصاحبي: وأنا أحاوره: لا تعجب "فالعريان يدوّر على خيشة" كما يقول المثل العامي. والحزب تعرّى، وظهر على حقيقته، وانفضح بعد أن سقط سقوطًا مستنقعيًا شنيعًا، فلم يجد ما ينشله إلا تحقيق ـ أو نشْل ـ "أغلبية مريحة، بالترهيب أ والترغيب" من أولاد "صفوت الشريف" المستقلين على مبادئ الحزب الوطني".. واحترقي يا أوراق الوعي.

شغل مصالح...

ترشَّح "مستقلاً"، وانتخبه أهل الدائرة، بعضهم حبًّا فيه، وآخرون كراهية لما يسمى "الحزب الوطني" وبعد أسبوعين من نجاح سلخه من "استقلاليته" والتحق بالحزب الوطني، التقيته على غير ميعاد، ودار بيني وبينه الحوار التالي:

ـ ألا تؤمن ـ يا فلان ـ أن وعدّ الحر دين عليه؟

ـ بلى .. أومن بذلك، وأنا عشت ـ والحمد لله ـ طيلة حياتي لم أنقض عهدًا، ولا وعدًا.

ـ لكن أهل الدائرة اختاروك على أنك مستقل، وكثيرون جدًّا منهم اختاروك ـ لا حبًا فيك ـ ولكن كراهية للنظام والحزب الوطني، والتحاقك بعد نجاحك بهذا الحزب يعني: كذب الوعد، ونقض العهد، والغدر بمن انتخبوك.

ـ إنما فعلت ذلك من أجل الدائرة وأهلها، فوجودي عضوًا في الحزب الوطني يساعدني على إنجاز مطالبهم.

ـ ألم تر نواب الإخوان المسلمين يعملون، وينجزون وينفذون، وأصبحوا أظهر النواب وأقواهم في مجلس الشعب؟ أأنت عاجز أن تكون مثل واحد من هؤلاء؟

ومرة أخرى أقول: احترقي يا أوراق الوعي.

ست الستات .. والرجال

السيد المحترم "جدًّا" ممتاز القط، رئيس تحرير "أخبار اليوم" ـ أيام عزِّه ـ كتب من بضعة أشهر في الصفحة الأخيرة من "أخبار يومه" يسخر من السيدة الفضلى الشجاعة النبيلة الدكتور نهى الزيني، التي فضحت تزوير الانتخابات. ومن قبيل السخرية وصفها "بست الستات" وأقول لهذا القط إنها "ست الستات، وست الرجال" وحينما يكتب تاريخ هذا العهد المنكوس الموكوس وتاريخ الحياة البرلمانية، سيضع المؤرخون المنصفون نهى الزيني ـ ست الستات والرجال ـ على قمة المجاهدين والمجاهدات، شجاعة وبسالة، وثباتًا وصبرًا، وكأنها حشد أو جيش جرار، ولا أبالغ إذا قلت: والله إنها ليصدق عليها قول الشاعر القديم في مدح الأمير:

 كان من نفسه الكبيرة في جيْـ       =     ـيش، وإن خِيلَ أنّه إنسانُ

نعم: إن الدكتورة نهى الزيني هي ست الستات والرجال، وأنوف المنافقين والغالطين في الرغام.

ويرجع الفضل في كتابتي هذه الخاطرة إلى أخي وصديقي الكاتب البارع الأستاذ وصفي عاشور أبو زيد، الذي أرسل إلي "ببريدي الضوئي، يبشرني بأنه رزق "بوليدة" سماها "نهى" تيمنًا باسم "الدكتورة نهى الزيني" ست الستات، وست الرجال.. وأنوفهم في الرغام.

السيد ياسين .. والشعار الوطني

كاتب الأهرام "الفحل" السيد ياسين، وصف شعار الإخوان "الإسلام هو الحل" بأنه "شعار غوغائي" أي أنه "شعار سوقي " والغوغاء شيء يشبه البعوض، ولا يعض لضعفه، وبه سمي الغوغاء من الناس، وهو ما نطلق عليه حاليًا "الهاموش" فيكون المعنى المتكامل "للغوغاء" من الناس: أنهم "السوقة والدهماء، والجهلة، والتافهون من العامة الذين لا ثقل، ولا همّة ولا وزن لهم".

ولا أدري على أي أساس حكم هذا "الفحل" بهذا الوصف على الشعار. هل بالنظر إلى منطوقه، ومنطوقه قيم رفيع راقٍ؟

أم بالنظر إلى رافعيه وهم أكثر الناس نظامًا، والتزامًا بالخلق الطيب والسلام الاجتماعي، بشهادة العدول العقلاء من "ذوي الوعي" في الشرق والغرب؟ ومع ذلك نقول "للفحل" سامحك الله، وأنار بصرك وبصيرتك.