الحرب الإقليمية قد تشتعل في أي لحظة

المثلث «الحدودي» غدا ملتهبا..

صالح القلاب

مع أن الأضواء كلها مركزة ومسلطة، في هذه الفترة، على «حلب» وجوارها، التي باتت تعتبر البؤرة الساخنة على خريطة الأزمة السورية، فإن الحدث المرتقب الأخطر سيكون في ذلك المثلث الذي غدا ملتهبا، والذي قد تنطلق منه شرارة الحرب الإقليمية المتوقعة، وهو مثلث نقطة تلاقي الحدود التركية - العراقية - السورية في أقصى شمال شرقي سوريا على نهر الخابور، حيث إن هناك ما يسمى معبر إبراهيم بالقرب من مدينة زاخو المعروفة.

كانت البداية لجوء نظام بشار الأسد إلى الانسحاب من عدد من المدن والبلدات ذات الأغلبية الكردية في أقصى الشمال الشرقي من سوريا، مثل المالكية والقامشلي وعامودا والدرباسية ورأس العين وعين العرب وعفرين، وتسليمها إلى ميليشيات حزب العمال الكردستاني التركي المتحالف مع امتداد شكلي لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يتزعمه الرئيس العراقي جلال طالباني، والذي كان قد عانى من انشقاق كبير بقيادة نوشيروان مصطفى تقوم طهران حاليا بلملمته من قبيل زيادة الضغط الذي يتعرض له الآن الزعيم الكردي مسعود بارزاني، لاتخاذه موقفا من الأزمة السورية يتعارض مع الموقف الإيراني ومع موقف رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وموقف رئيس الجمهورية العراقية.

وإزاء هذه الخطوة الخطيرة جدا، التي أقدم عليها نظام بشار الأسد بسحب وحدات جيشه النظامي من هذه المناطق الآنفة الذكر ذات الأغلبية الكردية، وتسليمها تسليم اليد لميليشيات حزب العمال الكردستاني التركي، التي تعتبر متجذرة في تلك المنطقة، فقد ساد اعتقاد لدى من لا يعرفون حقائق ما بات يجري في هذه المنطقة بعد انفجار الأزمة السورية، أن كل ما في الأمر أن النظام السوري أراد أن يضغط على أطراف أصابع رجب طيب أردوغان، وأنه أراد أيضا أن يرمي بكرة اللهب هذه في أحضان المعارضين السوريين، كما أراد أن يقول للشعب السوري إنه هو وليس غيره ضمانة وحدة البلاد بينما «المعارضة» تسعى لتمزيق وحدتها الوطنية!

لكن ثبت، بعد تلك الزيارة الأخيرة التي قام بها وليد المعلم إلى طهران ثم إلى بغداد، وبعد التصريحات التي أدلى بها هناك حيث ذكر بمعاهدة الدفاع المشترك الإيرانية – السورية، وبأن بلده تتعرض لحرب «كونية»! تشارك فيها إسرائيل، أن المسألة أكبر مما سبق ذكره كثيرا، وأن هناك ترتيبات فعلية باتت تتشكل على الأرض في هذا المثلث الملتهب لتدخل عسكري إيراني - عراقي في الأزمة السورية، قد يؤدي، وهو سيؤدي إن بقيت الأمور تسير في هذا الاتجاه الذي تسير فيه، إلى مواجهة مؤكدة مع تركيا التي بادرت هي بدورها إلى المسارعة لحشد قوات إضافية على حدودها الجنوبية والجنوبية – الشرقية، وعلى تركيز بطاريات صواريخ متطورة في منطقة «ماردين» المطلة على القامشلي، وعلى كل المناطق التي انسحبت منها قوات بشار الأسد لحساب حزب العمال الكردستاني التركي، الذي بقي يواصل حرب استنزاف ضد الأتراك منذ ثمانينات القرن وحتى الآن.

وحقيقة أن إيران كانت قد حاولت وبقيت تحاول إيجاد ارتباط أرضي بينها وبين سوريا، قبل وبعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، وكانت قد طلبت وبإلحاح وتحت التهديد والوعيد من مسعود بارزاني أن يوفر لها ممرا (كاريدور) عبر إقليم كردستان العراق يوصلها جغرافيا ومباشرة بالأراضي السورية بمنطقة المثلث الحدودي السوري - العراقي – التركي، لكن رد الزعيم الكردي كان رفضا مطلقا وذلك لمعرفته بأن هذا سيشكل احتلالا إيرانيا للإقليم الكردستاني، وأنه سيحول تلك المنطقة إلى منطقة صراع مستمر قد يؤدي في النتيجة إلى حرب إقليمية مدمرة، ستكون ساحتها مناطق الأكثرية الكردية، إن في سوريا وإن في العراق وإن في تركيا.

ولهذا ولأن مسعود بارزاني يعرف أن لجوء نظام بشار الأسد إلى سحب قواته من معظم المناطق ذات الأغلبية الكردية في شمال شرقي سوريا، وتسليمها إلى حزب العمال الكردستاني التركي وحلفائه المحليين، الذين يشكلون امتدادا لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه جلال طالباني المتحالف مع إيران ومع نوري المالكي، يأتي في إطار هذه التطلعات الإيرانية المشار إليها آنفا، فقد بادر إلى إرسال ستمائة وخمسين من أبناء هذه المنطقة السورية الذين جرى تدريبهم في «دهوك» في مناطق سيطرة حزبه في إقليم كردستان العراقي ليحولوا دون سيطرة الـ«P.K.K» وحلفائه على المناطق التي انسحبت منها القوات النظامية السورية.

وأيضا وبالتوازي مع هذه الخطوة وكاستكمال لها أصدر مسعود بارزاني بصفته رئيس إقليم كردستان العراق أمرا عسكريا إلى قوات الـ«بيشمركة» المرابطة على الحدود العراقية - السورية في منطقة نهر الخابور بالتصدي للقوات التي قام نوري المالكي بتحريكها من البصرة في الجنوب إلى هذه المنطقة في المثلث الملتهب على الحدود المشتركة السورية - التركية – العراقية؛ بحجة ضرورة القيام بكل الاستعدادات، لمنع الأحداث التي تضرب سوريا من الامتداد إلى العراق، وذلك مع أن الحقائق كلها تشير إلى أن الهدف الفعلي هو إيصال الإيرانيين إلى هذا المثلث وهو تحقيق الـ«كاريدور» الإيراني السالف الذكر؛ لربط الأراضي الإيرانية جغرافيا عبر إقليم كردستان - العراق بالأراضي السورية.

وهنا فإن ما يجب التوقف عنده هو أن نوري المالكي قد بادر، بعد زيارة وليد المعلم إلى طهران وبغداد، التي ذكر خلالها باتفاقية الدفاع المشترك بين سوريا وإيران، وتحدث عن أن «بلده» يتعرض لحرب كونية تشارك فيها إسرائيل، إلى عقد اجتماع عاجل بصفته القائد العام للقوات العراقية المسلحة لمجلس الأمن الوطني تقرر فيه إيصال القوات العراقية، التي جرى نقلها على جناح السرعة من البصرة في الجنوب، إلى الحدود السورية على نهر الخابور، وحتى إن استدعى الأمر الصدام العسكري مع قوات الـ«بيشمركة» الكردستانية التابعة لرئيس إقليم كردستان العراقي مسعود بارزاني.

وهكذا فقد أصبحت الأمور في ظل هذا كله مهيأة لاندلاع حرب إقليمية ستبدأ بهذا «المثلث» الذي غدا ملتهبا، لكنها ستشمل المنطقة كلها، وهنا يجب الأخذ بعين الاعتبار وبكل جدية ذلك التهديد الأخير الذي أطلقته إيران، والذي قالت فيه إنها لن تبقى مكتوقة اليدين إذا واصلت تركيا استعداداتها العسكرية على الحدود السورية وبخاصة الشمالية الشرقية، وكل هذا في حين أن ما غدا مؤكدا أن الأتراك لا يمكن أن يقبلوا بأن يكون لحزب العمال الكردستاني التركي أي قواعد وأي معسكرات على الحدود المشتركة مع سوريا، كما أنهم لن يقبلوا بأي تدخل إيراني - عراقي عسكري مكشوف في الأزمة السورية، وهذا يعني أن الحرب هناك في تلك المنطقة الحساسة باتت على الأبواب بالفعل ما دامت الأمور قد وصلت إلى هذا الحد من السخونة ومن كل هذا التراشق بالتهديدات المتبادلة.

هناك الآن تحالف بات واضحا بين إيران ونوري المالكي وجلال طالباني، وهناك الآن أيضا ترتيبات عسكرية على الأرض لتدخل إيراني - عراقي في منطقة هذا المثلث الملتهب، قد يتعمق كثيرا ليشمل كل الأراضي السورية إذا غدا بشار الأسد معرضا لسقوط جدي وفعلي، وهناك وإلى جانب هذا كله استعدادات عسكرية تركية تدل على أن الحرب الإقليمية أصبحت بحكم المؤكدة، هذا إن لم تقع معجزة لتنفس هذا الاحتقان وإن لم يوقف الإيرانيون ومعهم نوري المالكي وجلال طالباني تدخلهم في الشؤون السورية الداخلية، ويتراجعوا عما أصبحوا مزمعين عليه، وأيضا إن لم يتم طرد حزب العمال الكردستاني التركي من الأراضي السورية ذات الأغلبية الكردية، التي انسحبت منها القوات النظامية السورية، وقامت بتسليمها لهذا الحزب بالتنسيق مع الإيرانيين، ومع رئيس الوزراء العراقي جلال طالباني، الذي بقي يلعب دورا تآمريا خطيرا منذ انفجار أحداث سوريا في مارس (آذار) عام 2011 وحتى الآن.