الإسلاميون التبريريون!!
حسام مقلد *
''عزيزي فرد الإخوان دعمك لمرسى هيكون أفيد بإنك توصل له سخط الناس وغضبهم مش بإنك تشتغل مبرراتي...'' هذه الرسالة وجهها الأستاذ (بلال فضل) لأعضاء الإخوان المسلمين، وأتفق معه تماما في خطورة هيمنة أسلوب (تبرير الأخطاء) لكن هذا الأسلوب الضار يهيمن علينا جميعاً ـ وخصوصاً الإسلاميين ـ فليس لدينا (ثقافة الاعتراف بالخطأ) ولا نمتلك في الغالب (ثقافة الاعتذار) ونخشى من النقد أيا كان نوعه: هداما أو بناءً، ونبادر إلى الجدل الضاري والمراء الممضَّ، هذا إن لم نجعل حواراتنا معارك حامية الوطيس!!
ومن الواضح جدا أن الواحد منا عندما يكتشف خطأه لا يبادر بالاعتذار عنه وتصحيحه فورا، بل يصبح أكثر عنادا وتعنُّتا، ويزداد شراسة وعدوانية تجاه الآخرين، ويستميت في الدفاع عن وجهة نظره الخاطئة، وفي سبيل ذلك يهاجم الرأي الآخر بكل عنف، ورغبة في انتصار المرء لذاته (الأنا) لا يتورع أن يهتك أسرار الآخرين، ويعتدي على حرماتهم الشخصية، ويشهِّر بهم، ويسخر منهم ومن تفكيرهم دون مبالاة بجرْحِ مشاعرهم، وكأنهم ألد أعدائه وليس بينه وبينهم أية وشائج اجتماعية تربطهم معا وتحتم عليه أن يترفق بهم!!
وهناك عدة أسباب تقف خلف هذه الظاهرة السلبية التي نلمسها فينا جميعاً، من بينها أسلوب التربية القائم على القمع والتسلط، والقسوة في معاقبة المخطئ حتى ولو كان طفلا صغيرا، حيث يتعرض لسيل من العقوبات أقلها التهكم والسخرية والتشهير به وإحراجه وإهانته وتحقيره أمام الآخرين، وبالتالي لا يجرؤ الكثيرون على الاعتراف بخطئهم خشية النتائج السلبية المترتبة على ذلك.
وأخطر ما في هذه الثقافة أنها تؤدي للمكابرة وترسخ في الشخص التهرب من خطأه واتهام الآخرين؛ فلأنه يفتقد الشجاعة الأدبية بالاعتراف بخطئه فنراه يبرره دائما، وينحو باللائمة على غيره، وهذه الظاهرة السلبية ليست قاصرة على فئة دون فئة في مجتمعاتنا العربية، بل نراها لدى الجميع تقريبا وإن كان بدرجات متفاوتة، لكن الأغرب أنها تستشري بين الإسلاميين!!
فلو حدثت مثلا أحد السلفيين وناقشته في أية مسألة تراه يكثر من الكلام النظري الجيد الذي لا خلاف عليه تقريبا، فإذا ما قمت بِلفْتِ نظره ـ بأسلوب مهذب وبحسن نية وصدق طوية ـ إلى التناقض بين هذا الكلام النظري الحلو وبين الواقع المر البئيس لغالبية أنصار هذه المدرسة السلفية أو تلك (...) وإذا سألته بكل طيبة وبراءة عن أية إشكالية تراها في منهجيته راح يبرر ويبرر بدلا من أن يناقشك بموضوعية ويتفهم صدق نيتك، فإذا حاصرته بتساؤلاتك المنطقية ـ وبكل أدب واحترام... ـ ترك التبرير وشن هجوما شخصيا عنيفا عليك، فتراه هاج وماج وأرغى وأزبد ونهشك بلسانه الحاد الذي لا يرحم (وانظر تعليقات هؤلاء على مقالات من ينتقدونهم...) ولم تجد منه إلا التعصب المقيت لوجهة نظره، والدفاع المعيب عن شيخه الذي يأتم به، وإذا ذكَّرْتَه بكلام شيخ سلفي آخر من مدرسة مختلفة لا يتورع عن القدح فيه، والزراية عليه، ونَعَتَه بأقذَعِ الصفات والكلمات... وإن أسعفتْك الذاكرة وسُقْت له حججا دامغة لن يتوانى في الاستخفاف بك واحتقارك والهجوم عليك وتسفيه آرائك، والتقليل من شأنك والحطِّ من قدرك، وربما سبَّك بملء فيه ونعتَك بالجهل دون أن يراعي مشاعرك... (ووالله لا أدري ما علاقة الإسلام أو السلفية بكل ذلك الإسفاف وسوء الخلق...!!).
أما مذهب كثير من الإخوان المسلمين فهو المبادرة إلى الدفاع والتبرير والتماس الأعذار لأخطائهم ولكل قراراتهم ـ وكأنهم ملائكة مقربون أو بشر معصومون منزَّهون عن الخطأ ـ بدلا من إقناعك بوجهة نظرهم وتفهُّم إخلاصك وصدق نصحك والتعامل مع نقدك بأريحية، وقد تكون حجة هؤلاء داحضة وأعذارهم قوية بالفعل، ولكن بسبب لجوئهم الدائم والمتكرر لأسلوب التبرير لا يقتنع من يتناقش معهم بكلامهم، بل ويصد عنهم ولا يتجاوب معهم، ويكابر هو الآخر ويرفض التسليم لهم بما يقولون، ويصبح مناوئا لهم شديد الوطأة عليهم، وهذا مع الأسف هو ديدن الغالبية الساحقة منهم في صغير الأمور وكبيرها حقيرها وعظيمها...!!
ومنطق الإسلاميين (إخوان وسلفيين... وغيرهم) في عدم الاعتراف بأخطائهم هو (لا تلقِّن خصمَك حجةً ضدك) وذلك لعدم إضعاف موقفهم أمام الآخرين، وتجنُّب التشهير بهم في وسائل الإعلام وأمام الرأي العام، وربما كان معهم حق في ذلك بسبب البيئة الملوثة التي نعيش فيها، والتي تتلبَّد بغيوم التربص واصطياد الأخطاء، بل افتعال الأزمات وترويج الشائعات واختلاق الأكاذيب إن لم تكن هناك أحداث حقيقية، وذلك كله بهدف تشويه سمعة الإخوان وإفشال مشروعهم الكبير وبرنامجهم الطموح لنهضة مصر.
ومع ذلك فأسلوب الدفاع والتبرير الدائم خطر على الإخوان (وغيرهم...) وقد كان سببا ـ قديما وحديثا ـ في ابتعاد نفر من أبناء الجماعة وانشقاقهم عنها، وهذا وإن كان خطأ من الناحية الحزبية التنظيمية؛ إذ لا يصح أن ينشق كل واحد خالف رأيُه رأيَ حزبه وتوجُّهِه في أمر ما، وإلا لما وُجِدت أحزاب متماسكة على الإطلاق، ولما نَعِمَت الدول والمجتمعات بأي استقرار يهيئ لها فرصا حقيقية للنمو والتطور والازدهار.
لكن ولكي نكون منصفين وموضوعيين علينا ألا نغفل أن معظم الليبراليين والعلمانيين يكنُّون العداء المطلق للإسلاميين عمومًا والإخوان خصوصًا، وقضيتهم الأولى والرئيسية وشغلُهم الشاغل هي النَّيْلُ منهم، والحطُّ من قدْرِهم، وإفشالُ تجربتهم الوليدة، بل وأدُها في مهدها وإن أمكن القضاء عليها في مراحلها الجنينية.
وإذا كنا نطالب الإسلاميين وعلى رأسهم الإخوان بالكف عن أسلوب التبرير الدائم لأخطائهم وتغيير هذه الثقافة التبريرية فمن الإنصاف كذلك أن نؤكد على أن من حقهم أن يمنحُوا الفرصة الكاملة لتحقيق حلمهم وتنفيذ خطتهم للإصلاح، أو على الأقل منحهم الوقت الكافي لتجربة مشروع النهضة الذي يمنُّون به المجتمع دون إعاقة أو عرقلة من أجهزة الدولة العميقة وفلول النظام البائد.
* كاتب إسلامي مصري