فن السفالة الصحفية !

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

كانت الصحافة ولما تزل أملا من آمال الشعوب والأمم لتكشف الحقائق ، وتجلى الأحداث وترشد إلى الصواب ، وتصحح الأخطاء ، وتقدم الجديد من الأفكار والآراء التي تختصر الزمان والأوقات ، وتوفر كثيرا من المتاعب والآلام .

لقد عرفت الصحافة المصرفة كتابا وصحفيين عظماء وقفوا إلى جانب الوطن في صراعه مع الطغاة والغزاة ، وكانت أقلامهم أشد ضراوة من السلاح والبارود على أعداء البلاد .

وكانت نكبة الصحافة المصرية يوم سيطر عليها الطغاة وامتلكوها بلا مقابل ، لتروج لأباطيلهم ، وتنشر أكاذيبهم ، وتحارب معتقدات الشعب والأمة ، وتشهر بالشرفاء والأحرار الذين يرفضون الاستبداد والديكتاتورية ..

 تحولت الصحافة إلى مجرد بوق يردد ما يقوله الطغاة وأذنابهم ، ومع سيطرة اللصوص الكبار من أعوان الطغاة على الاقتصاد المصري قي عهد المخلوع الفاسد ؛ أتيح لهم إنشاء صحف وفضائيات وإذاعات ومواقع إلكترونية قوية ، ومن خلال هذه الوسائط الإعلامية ، تحولت الصحافة من موقع المجاهد من أجل الشعب إلى موقع المنافح عن الطاغية وأذنابه ، فضلا عن غسل سمعة اللصوص الكبار الذين يسرقون بالقانون ، وتشويه سمعة الشرفاء وخاصة من ينتمون إلى الإسلام الذين يعدون عقبة في سبيل استشراء الفساد والظلم والطغيان ..

لقد ظهرت في الفترة الأخيرة من حكم النظام الفاسد ، صحف وفضائيات وإذاعات ومواقع  ، تخلت عن واجبها المهني والخلقي ، وتفرغت للابتزاز والتشهير ، ونشر الأكاذيب والترهات ، والاهتمام بالقضايا الهامشية على حساب القضايا المهمة للوطن ، والأخطر من ذلك تدني لغة التعبير الصحفي إلى مستوى من الانحطاط غير مسبوق ، بلغ الحضيض مع انتخاب رئيس مدني مسلم لرئاسة مصر لأول مرة في العصر الحديث .. وما بالك بصحيفة يفترض فيها التعبير المحترم عما تؤمن به تصف الرئيس المنتخب بالبلطجي ؟ وما بالك بصحيفة يفترض أنها تعمل على ترقية الذوق العام ولغة التعبير فتصف هذا الرئيس بأنه رئيس تحت الصفر ؟ أو تشبهه بالولد العبيط في مسرحية مدرسة المشاغبين ؟ أو تكتب مقالا عنوانه " ورينا غضبك يا مرسي " تصف فيه الرئيس بأن تصرفه مشين لأن شابا انتحر في الصعيد ، وتنعته بعدم الخجل لأن مصريين قتلوا في عمارة منهارة ، وتعبر عن القرف والغثيان من الرئيس لأن فتيات تم سحلهن في مكان ما ؟ ما علاقة الرئيس المنتخب بهذه الأحداث وقد جرده الحكام المستبدون من لابسي البيادة من سلطاته الحقيقية ، وسلطوا عليه من يلعقون البيادة وهو في أول أيامه لم يتعرف بعد على من حوله لينعتوه بالفاشي والعاجز ؟

إن لاعقي البيادة العسكرية وخدام الاستبداد يسبون الرجل منذ إعلانه رئيسا ، لم يوفروا له كرامته بوصفه مواطنا عاديا ، بل شربوا جرعة الشهادة المزيفة ليتطاولوا عليه ويمسحون بكرامته الأرض لحساب الجلادين الأشرار واللصوص الكبار الذين سرقوا الوطن وأذلوه وصادروا حريته وكرامته ووجوده . لقد وصل فن السفالة الصحفية لوصف الرئيس بـ " شرارة " رمز النحس كما صورته بعض المسلسلات ! وراح بعضهم يستشهد بصحف أجنبية تسب رؤساء دولهم !ولم يذكروا المناسبات التي طرح فيها السب ، ولم يذكروا أن الرئيس وهو ينبه خدام البيادة في خطابة " لا يغرنكم حلم الحلم " أنه أخبرهم أن المحبة هي التي ستحكم سلوكه معهم مع كل ما يقترفونه من سفالات وانحطاط دون مسوغ أو مبرر ، وكان الأجدر بهم أن يشاركوه في كيفية التغلب على المشكلات القائمة ، ومساعدته ضد المجرمين الذين يلقون بالزبالة وسط القاهرة وعلى الطريق الدائري ، ويقومون بتنغيص حياة الناس وتكديرها بدءا من رغيف الخبز الذي لا يؤكل وانقطاع المياه  والكهرباء فضلا عن أزمات البنزين والسولار والبوتاجاز !

إن التفرغ لإهانة الرئيس ومن ينتمي إلى الإسلام ، والتشهير بالدعاة وترديد القصص المفبركة حول بعضهم – ومعروف مصدرها – عمل مشين ومخجل ولا يليق بالصحافة المحترمة . وهناك ملفات حقيقية وليست مفبركة حول بعض الصحفيين المنحرفين معروفة ولا تحتاج إلى ترديد يعرفها كثير من المنسوبين إلى الوسط الصحفي ، ولكن الأقلام الحرة تتعفف عن ذكرها ، أو استخدامها ضد لا عقي البيادة وخدام لاظوغلي ، ومن ينشرون تقارير الأمن المزيفة على أنها تحقيقات صحفية بذل فيها الصحفي جهده وعبقريته ، ولكنها ليست كذلك !

لو أن الرئيس المنتخب يمارس أدني حد من التسلط الذي يمارسه ضابط صغير في لاظوغلي ، لالتزم لاعقو البيادة حدود الأدب ، ولسكتوا إلى الأبد لأن جبنهم متأصل في نفوسهم ويؤكده انحرافهم وشذوذهم . 

إن الصحافة الحقيقية  هي التي تقدم الحقيقة ، ولا تدلس ولا تضلل ، لأن التدليس والتضليل يقودان إلى مأساة كبرى وخاصة لدى القراء  العاديين ، وإن كانت الحقيقة ستنكشف في وقت ما ، إن الاعتماد على الأكاذيب لن يقدم صحافة محترمة ، ولن يكسب ثقة القراء على المدى البعيد .

خذ مثلا موقفهم من زيارة هيلاري كلينتون ، وظهور وطنيتهم فجأة ، وكان بعضهم يزور أميركا طوال العام في زيارات غامضة ، أكثر مما يذهب إلى الإسكندرية أو أسيوط مثلا ، وكانوا يركبون مع مبارك الطائرة الرئاسية في الحج السنوي للبيت الأبيض ، فجأة أصبحت هيلاري رسول الغرام بين الرئيس ونتنياهو!

المفارقة أن السيدة كلينتون قابلت رئيس المجلس العسكري ، ومع ذلك لم يستنكروا هذا اللقاء، ولم يصموه بالخيانة كما فعلوا مع لقائها مع الرئيس المنتخب !

 وخذ مثلا الصحفي الذي يدافع عن العوالم والغوازي والمشخصاتية في موقفهم من الثورة ويستشهد بأم كلثوم وعبد الوهاب وغنائهما للملك فاروق ، ويقول لو أننا قاطعنا من خاصموا الثورة ووقفوا ضدها لكنا مثل من يقاطع أم كلثوم وعبد الوهاب ، ونسي الصحفي أن العوالم والغوازي والمشخصاتية أيدوا مبارك علنا ، وأهانوا الثورة والثوار . أما أم كلثوم وعبد الوهاب فلم يفعلا شيئا من ذلك .. هل يذكر  صاحبنا تلك العالمة إلي تمنت أن يحترق الثوار بجاز ؟

إن فن السفالة الصحفية وإهانة الشرفاء والدفاع عن المرتزقة والطبالين والزمارين بغير حق ، لن يحقق مجدا صحفيا ، أو فائدة إنسانية ، ولكنه يشين أصحابه ، ويدفعهم إلى قاع العار والانحطاط !