إيران وسيطاً في «الأزمة السورية»!!
ياسر الزعاترة
وضعنا عبارة «الأزمة السورية» بين مزدوجين سخرية منها، لأن ما يجري في سوريا ليس أزمة بين معارضة وموالاة، أو بين معارضة ونظام يرفض الإصلاح. ربما كان هذا صحيحا خلال الأيام الأولى للاحتجاجات، أما بعد سقوط الشهداء وتدمير البيوت وارتكاب المجازر فلم يعد ثمة أزمة، بل ثورة عارمة ضد نظام قمعي دموي لن تتوقف قبل سقوطه بشكل كامل.
بعد هذه التطورات التي عصفت بالساحة السورية يخرج علينا وزير خارجية إيران ليعرض إمكانية التوسط من قبل بلاده بين الحكومة السورية (لاحظوا أنه لم يقل النظام السوري) وبين المعارضة، من أجل التوصل إلى حل ينهي الصراع.
ليس من المستبعد بالطبع أن تبادر إيران إلى دعوة عدد من المعارضين السوريين لزيارتها من أجل التباحث في كيفية الحل، وهي من دون شك تتواصل في بيروت مع عدد منهم من أمثال هيثم مناع وسواه ممن يدخلون ويخرجون إلى سوريا دون مساءلة، رغم كونهم «معارضين»، فضلا عن الادعاء بأنهم يمثلون معارضة الداخل، في إشارة إلى أن الآخرين يمثلون معارضة الخارج المدعومة من قبل قوىً تريد تدمير سوريا!!
هو لون من الكذب الذي لم يعد ينطلي على أحد، لأن الجيش السوري الحر لا ينتمي إلى معارضة الخارج، حتى لو تواجد بعض ضباطه في تركيا، كما أن الثوار الذين تزدحم بهم السجون ويحتجون في الشوارع يوميا لا يعتبرون رموز «معارضة الداخل» ممثلين لهم وينطقون باسمهم.
والحال أن اختفاء أمثال هؤلاء عن صدارة المشهد مؤخرا، وتواضعهم في إطلاق التصريحات لا يعود إلى مؤامرة «الإعلام « عليهم، لأن وسائل الإعلام الدولية، فضلا عن تلك القريبة من دوائر دمشق وطهران لا تعتم عليهم أيضا، لكنهم يجدون أنفسهم معزولين عن سياق الأحداث، وهم يخشون إن تفوهوا بما يشي بإمكانية التحاور مع النظام أن تزيد عزلتهم أكثر فأكثر.
أيا يكن الأمر، فما يعنينا هنا ليس القول بأن إيران لا تبدو جادة حين تتحدث عن حوار بين الحكومة والمعارضة، حتى لو اعتقدت بأن بوسع من زاروا موسكو أن يزوروها هي الأخرى تبعا لكونها أكثر تأثيرا في سياق الحدث الداخلي، بقدر ما يعنينا التوقف عند دلالات الدعوة الإيرانية.
من المؤكد أن طهران قد أخذت تستشعر عمق الأزمة التي تعيشها بسبب موقفها من الثورة السورية، وهي من دون شك تشعر بعزلتها غير المسبوقة عن المحيط العربي والإسلامي، وتبعا لذلك حجم الحشد المذهبي المخيف الذي يتصاعد في المنطقة، ولعلها تريد بدعوتها تلك التخفيف من ذلك كله، الأمر الذي لا يبدو منطقيا، لأن من يشارك في قتل الناس مباشرة على الأرض بالتخطيط والتكنولوجيا والتسليح لا يمكن أن يكون وسيطا بحال، بل لا يمكن أن يكون جادا إذ يتحدث عن الوساطة.
الأهم من ذلك هو أن الدعوة لم تأت إلا بعد شعور إيران بأن قدرتها على إسناد النظام على نحو يتيح له البقاء لم تعد ممكنة خارج سياق إطالة أمد النزاع على نحو لا يفيد غير العدو الصهيوني، الذي يريد بذلك تدمير البلد وإشغاله بنفسه لعقود، حتى لو سقطت الدولة بيد المعارضين، فضلا عن إمكانية بقاء النظام مع رحيل عائلة الأسد ضمن حل سياسي.
نتذكر ها هنا أن طهران لم تكفَّ عن التبشير بإصلاحات الأسد، ومعها حزب الله وسائر المنظومة التابعة لها، لكنها اليوم لا تشير لتلك الإصلاحات عندما تتحدث عن الوساطة، بل حتى قبل ذلك في سياق محادثاتها مع المبعوث الدولي كوفي عنان. كما نتذكر عروضا قدمت من قبلها عبر وسطاء لقوىً في المعارضة السورية (الإخوان تحديدا) عنوانها بقاء الأسد وإجراء أية إصلاحات فيما دون ذلك، ثم محاولات تالية للقاء مسؤولين في الجماعة من قبل سفيرها في تركيا، الأمر الذي قوبل بالرفض، وهو ما تكرر مع معارضين مستقلين من أمثال هيثم المالح كما صرح هو بذلك، ما يعني أنه لم يبق لهم غير مجموعة هيثم مناع التي لن تكون قادرة على منحهم أي شيء حتى لو منحوها الحكومة برمتها، وليس مجرد المشاركة فيها بالتعاون مع رموز في النظام، كما تنص خطة عنان للمرحلة الانتقالية.
إيران في صلب المشهد الداخلي السوري، وهي أكثر من يلمس معالم ترنح النظام، وتبعا لذلك عدم قدرتها على الحفاظ عليه إلى ما لا نهاية في مواجهة إصرار الثوار على تحقيق الانتصار، وهي لذلك تأمل في أية صيغة للحل تحافظ على بعض مصالحها، ولا أظنها اليوم تضع «فيتو» على رحيل الأسد، مقابل بقاء النظام، الأمر الذي ينطبق على روسيا من دون شك.
ما ينبغي أن يقال لإيران هو أن اللعبة قد انتهت أو تكاد، فالنظام ساقط لا محالة، وهي إذ تواصل دعمها له دون هوادة، فإنما تغامر بتصعيد أكثر حدة في حالة العداء بينها وبين المحيط العربي والإسلامي بدل أن تعود إلى رشدها وتغير الموقف على أمل تنفيس الاحتقان بعض الشيء. ويبقى القول إن طهران ستكشف عما قريب أنها بقرار دعم نظام الأسد والتصدي للثورة السورية قد ارتكبت أكبر خطأ في تاريخها منذ اندلاع ثورتها عام 79.