الجيش السوري من الجولان إلى دمشق!!
ياسر الزعاترة
يوم الثلاثاء الماضي، وقف رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) الجنرال أفيف كوخافي أمام لجنة برلمانية في الكنيست الإسرائيلي ليكشف عن “نقل بشار الأسد كثيرا من القوات التي كانت في مرتفعات الجولان إلى مناطق الصراع”، قائلا إن الأسد “ليس خائفا من إسرائيل في هذه المرحلة بل يريد أساسا تعزيز قواته حول دمشق”.
لا ننقل هذه المعلومة التي نقلتها وكالة “رويترز” كي نشير إلى تناقضات النظام السوري، ولا إلى أولويات الصراع في عقول رموزه، فتلك حكاية أخرى يتحدث عنها كثيرون كل يوم، لكنا ننقلها كي نشير إلى تطور مهم بات محور المتابعة السياسية خلال الأيام الأخيرة، ويتمثل في انتقال الاشتباكات من الأطراف إلى قلب العاصمة دمشق، مع أن المعارك في المناطق المحيطة بالعاصمة مما يعرف بريف دمشق، والذي يُعد عمليا من العاصمة بعد تمددها، لم تبدأ قبل أيام، وإنما منذ أسابيع طويلة.
والحال أن الهدوء النسبي في قلب المدينتين الكبيرتين (حلب ودمشق) لا يعود إلى رضا السكان عن نظام الأسد، ولا إلى انحيازهم ضد الثورة، بل يعود بدرجة أساسية إلى الحضور الأمني الكثيف فيهما، والذي يعني إطلاق النار على أي تجمع حتى لو بلغ أربعة أشخاص كما ذهب العميد المنشق مناف طلاس، من دون أن يكون بوسعنا تجاهل التأييد الذي يحظى به النظام من قبل الأقلية العلوية، وبدرجة أقل المسيحية والدرزية، وجميعها لها حضور في المدينتين.
يشعر المرء بالمرارة وهو يتحدث عن معركة تحرير دمشق كما لو كانت محتلة، وهو وضع اضطر إليه السوريون اضطرارا بعد أن باتوا بالفعل أسرى بيد نظام يرفض منحهم حريتهم التي سرقها منذ عقود.
إنه نظام لم يرقب فيهم إلا ولا ذمة، وعندما خرجوا يطلبون الحرية كما فعل إخوة لهم في عواصم أخرى واجههم بالرصاص على نحو أسوأ من المحتلين الصهاينة. ونعتذر للتشبيه، لأن الصهاينة لم يقتلوا خلال الانتفاضتين ما قتله النظام السوري خلال عام ونصف.
حمل السوريون السلاح تحت وطأة الاضطرار؛ هم الذين خرجوا إلى الشوارع يهتفون “سلمية .. سلمية”، كما هتفوا للوحدة الوطنية “واحد واحد واحد .. الشعب السوري واحد”، وكان طبيعيا أن يتطور نضالهم يوما إثر آخر وصولا إلى يحشر النظام في الزاوية الضيقة.
لا حاجة لاستعادة ملامح ترنح النظام التي تحصيها وسائل الإعلام كل يوم، فما نحن بصدده الآن يؤكد أن الحرية قد بدأت تدق أبواب دمشق، وأن بشار الأسد يسمع بأذنيه من شرفات قصره أزيز الرصاص وأصوات التكبير التي يطلقها الثوار.
في هذا السياق تشير المعلومات الإسرائيلية التي تراقب الوضع جيدا إلى أن الروس يستعدون لإجلاء رعاياهم من سوريا خلال الأسابيع القريبة، الأمر الذي يؤكد أنهم باتوا على قناعة بسقوط النظام، ولا ندري ما إذا كانت هذه المعلومات سابقة على معارك الأيام الماضية في دمشق أم قبلها، لاسيما أن الأخيرة قد زادت المخاوف الإسرائيلية من سقوطه بشكل أسرع.
هنا ينهض البعد السياسي الذي بدأ يتحرك سريعا من أجل إنقاذ الوضع على الطريقة الإسرائيلية (إخراج عائلة الأسد كما ذهب وزير الحرب الإسرائيلي إيهود باراك)، والإبقاء على النظام، وهو ذاته السيناريو اليمني، أو خطة الحكومة الانتقالية التي يروجها كوفي عنان. ويبدو أن زيارة الأخير لروسيا والصين، ولقائه في الأولى مع بوتين وليس لافروف إنما يشير إلى شعور الجميع بضرورة التحرك لإنقاذ الوضع، وهنا تحديدا يلتقي بوتين مع الغرب وأمريكا التي لا تأخذ قرارا في الملف الشرق أوسطي دون التشاور مع تل أبيب.
ما يأمله المخلصون أن يتمكن الثوار من حسم المعركة في دمشق قبل تمكن الدبلوماسية الدولية من إحكام خطتها للمرحلة الانتقالية التي تحدث عنها مناف طلاس أيضا، الأمر الذي عزز بعض التكهنات حول خروجه المبرمج من أجل لعب دور في المرحلة المذكورة.
مساعي سرقة انتصار الشعب السوري وفق الطريقة اليمنية، دون استبعاد تدخل ما في اللحظة الأخيرة يقيد خيارات السوريين، كل ذلك ينبغي التصدي له من قبل قوى المعارضة، فالنصر صبر ساعة، وساعات الأسد تقترب من نهايتها كما تؤكد أكثر الشواهد. ولا شك أن تصعيد العمل الشعبي وصولا إلى العصيان المدني سيسرع الانتصار ويقلل الخسائر.