الشعب السوري بين المجازر والنفاق الدولي
الشعب السوري بين المجازر والنفاق الدولي
ياسر الزعاترة
في تفسيره للمجازر التي تحدث في سوريا، يرى كبير الشبيحة الإعلاميين شريف شحادة (كوفئ على جهوده بعضوية مجلس الشعب التي لن يهنأ بها طويلا)، يرى أنها تحدث دائما عشية جلسات مجلس الأمن، وهذا يعني أن الجماعات الإرهابية تبادر «طلبا لرضا الله!» إلى ارتكاب مجزرة بحق الأبرياء من أجل استجلاب التدخل الدولي.
لا يدري شريف شحادة، وربما لا يريد أن يدري، أن من يمكن ضمهم إلى مسمى الجماعات الإرهابية، أعني بعض المقاتلين القادمين من الخارج لنصرة الشعب السوري لا يتابعون أخبار مجلس الأمن ولا يعنيهم أبداً اجتمع أم لم يجتمع، ولا يعولون على قراراته، ولو كانوا معنيين بذلك كله لظلوا في بلادهم وشاركوا في مسيرات أو نشاطات على الشبكة العنكبوتية كما يفعل كثيرون.
لا قيمة بالطبع لهذا الهراء الذي يبثه شحادة ومن هم على شاكلته، لكن الكلام يجر بعضه بعضا. ولن تصل السفاهة بالطبع حد القول إن قادة الجيش السوري الحر وعناصره سيتواطؤون على ارتكاب المجزرة بحق أهلهم من أجل استجلاب التدخل الدولي. هذا بفرض أن مجزرة ستفعل ذلك، الأمر الذي لا يبدو صحيحا بالطبع، بدليل أن خريطة المواقف لا تزال على حالها منذ شهور طويلة، وقبل ارتكاب أية مجزرة من العيار الثقيل الذي صرنا نتابعه منذ شهور قليلة.
والحال أن مسلسل المجازر لا يحتاج إلى كثير من الشطارة لتفسيره، إذ إن توالي الانشقاقات داخل الجيش لم يترك فيه من العناصر العاملة ضد الثورة سوى جحافل من الطائفيين الحاقدين، إلى جانب مجموعات من الحثالة الذين يسمون شبيحة، وهؤلاء لا يُستغرب منهم في ظل التعبئة التي يتعرضون لها. لا يُستغرب منهم ارتكاب أية مجزرة ضد الناس العزل المتهمين بالمشاركة في الثورة أو تأييدها وتوفير حاضنة شعبية لها.
معلوم قبل ذلك أن الكتائب التي تتصدى للثورة بشكل مباشر، وتقتحم المدن والقرى والبلدات قد تم انتقاؤها من العناصر الطائفية كي لا تتردد في ارتكاب أشد أنواع العنف ضد الأبرياء وضد الثوار في آن، وهو ما تم كما تقول مصادر عديدة بمقترح إيراني بعد الشهور الأولى للثورة، والكتائب المذكورة يشرف عليها ماهر الأسد شخصيا.
نعود إلى القول إن المجازر المتوالية لم تغير كثيرا في خريطة المواقف الدولية. وحين يجري تخصيص الجمعة الأخيرة لإسقاط كوفي عنان، «عميل روسيا وإيران» كما يقول الشعار الذي رفعه الناشطون، فهو تعبير عن اليأس من التحرك الدولي لوقف الحرب التي يشنها بشار الأسد ضد شعبه.
ولو توخينا الدقة، فإن الشعار المذكور لا يعكس الحقيقة كاملة، وإن عبر عن مشاعر السوريين وعموم العرب، إذ إن من الصعب القول إن كوفي عنان يعبر عن مواقف شخصية، أو ينحاز لمواقف روسيا وإيران على وجه التحديد، بقدر ما هو عنوان لحالة دولية وعربية (هو للتذكير المبعوث الدولي والعربي)؛ حالة لا تريد الوصول بسوريا إلى مربع الحسم الثوري، وهي تعمل كل ما في وسعها من أجل تجنب ذلك الحسم.
هم جميعا، ربما باستثناء تركيا، متفقون على إيجاد حل سياسي في سوريا، ليس خشية استمرار نزيف الدم السوري كما يزعمون، بل خشية سقوط النظام بين يدي مجموعات تصعب السيطرة عليها، وهو كما يعلم الجميع الهاجس الإسرائيلي التقليدي الذي يميل لرحيل الأسد والإبقاء على النظام، بخاصة مؤسسته الأمنية والعسكري التي تعامل معها طوال عقود ويعرفها وتعرفه وفق نظرية «شيطان تعرفه خير من آخر لا تعرفه». مع الإشارة إلى مطلب إطالة أمد الحرب من أجل تدمير البلد وإشغاله بنفسه لعقود.
من هنا يمكن القول إن الحل الوحيد المتاح أمام الشعب السوري وقواه المعارضة (المعارضة الحقيقية وليس تلك التي تمارس المناكفة مع الآخرين أكثر من مواجهة النظام والعمل على إسقاطه)، الحل الوحيد هو تصعيد العمل الشعبي وزيادة الضغط العسكري الذي يدفع المزيد من العناصر العسكرية للانشقاق، وقد يشجع سياسيين على فعل ذلك كما حصل مع نواف الفارس، سفير النظام في العراق.
ملامح الانتصار كثيرة، أهمها اتساع الرقعة الجغرافية التي فقد النظام سيطرته عليها، وزيادة الانشقاقات، إلى جانب إصرار الشعب السوري وعزيمته التي لا تلين، وحين يصعِّد النظام من آلة العنف والمجازر وسياسة الأرض المحروقة كما فعل بقصفه لمناطق زراعية قريبة من العاصمة يوم الخميس الماضي، حين يفعل ذلك فهو إنما يعبر عن يأسه وشعوره بقرب الهزيمة، وهي قريبة بإذن الله.