الثبات على الحق أو الانهيار
د.عدنان علي رضا النحوي
[email protected]
من المفاجِئات المؤلمة التي طلعت علينا في المدة الأخيرة . كثرة
التنازلات عن بعض أحكام الإسلام الثابتة في نصوص الكتاب والسنة ، وكذلك صمت
الكثيرين من المنتسبين إلى الإسلام عن هذه التنازلات ، وكأنهم يرضونها ويريدونها .
والعجيب في الأمر أن هذه التنازلات لم تتمّ في موقع واحد ، ولكنها تمت في عدد من
أقطار العالم الإسلامي بصور متشابهة ، وكأنها كلها خارجة من مصدر واحد يوحي بها ويفرضها في العالم الإسلامي . والذين قبلوها ونادوا
بها دعاة مسلمون يدّعون أنهم يحملون رسالة الله إلى الناس يبلغونهم إياها
ويتعهدونهم عليها . فالمفاجأة كبيرة والصدمة أكبر وأعنف . ومن أوجه الانحراف المناداة بدولة
مدنيّة حديثة ديمقراطية ، لا ذكر للإسلام فيها ، والمناداة بالمواطنة وأن جميع
المواطنين سواسية في الحقوق بغض النظر عن اختلاف دياناتهم ، وليتهم نادوا بأن جميع
المواطنين ينالون كامل حقوقهم ويؤدون كامل واجباتهم كما شرعها الله سبحانه وتعالى
في كتابه الكريم وسنة نبيّه الخاتم محمد
r ،
وأنهم ينادون بدولة ديمقراطية حديثة ، وكذلك مساواة المرأة بالرجل ، إلى غير ذلك من
مظاهر الانحراف والخروج عن دين الله . ولو رجعنا إلى ما تعلنه أمريكا وما
يعلنه الغرب العلماني الديمقراطي النصراني الصهيوني ، كما هو واضح في بيان مؤسسة
راند الأمريكية ، وفي كتابات نيكسون ، لوجدنا التشابه الكبير بين ما تدعو إليه هذه
المؤسسة وبين ما ينحرف إليه بعض الدعاة المنتسبين إلى الإسلام . ويزيد الأمر دهشة
في النفوس أن هذه الانحرافات ينادي بها دعاة منتسبون إلى الإسلام في هذا القطر وذاك
وذاك وذاك ، انحراف واحد ودعوة واحدة ، فيا للعجب كيف تسنى لهؤلاء المنتسبين إلى
الإسلام في أقطار متعددة إن ينادوا جميعهم بهذه الانحرافات التي عبَّر عنها بيان
مؤسسة راند الأمريكية ، والذي رددنا عليه بكتابنا : " إسلام ربّاني لا إسلام
ديمقراطي ". ! وقد تأثر بهذه الانحرافات عدد غير
فليل من الشباب المسلمين الذين أخذوا ينأدون بها ويدعون إليها ويتأملون الخير منها
. لقد غاب عن بال هؤلاء جميعاً أمر الله الثابت الجليِّ بعدم جواز التنازل عن شيء
من أحكام الإسلام . ولنستمع إلى الله سبحانه وتعالى يخاطب نبيّه المصطفى محمداً
r
. ( وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ
عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ
ۖ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا . وَلَوْلَا أَنْ
ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا . إِذًا
لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ
عَلَيْنَا نَصِيرًا . وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ
لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا
ۖ وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا .
سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا
ۖ وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا
) [ الإسراء : 73ـ77] وكذلك قوله سبحانه وتعالى : ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ
وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) [ الحجر :94] وكذلك : ( اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ
مِنْ رَبِّكَ
ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ
ۖ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ
) [ الأنعام :106] ثم خاطب الله سبحانه وتعالى لعباده
المؤمنين : ( اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ
إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ
ۗ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ
) [ الأعراف :3] ثم يوجه سبحانه وتعالى كيف يكون
الموقف من أهل الكتاب وكيف يخاطبهم : ( الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا
تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ . فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ
الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا
وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ
اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) [ آل عمران : 60ـ61] وكذلك : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ
تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا
اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا
مِنْ دُونِ اللَّهِ
ۚ فَإِنْ
تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ
) [ آل عمران :64] وكذلك قوله سبحانه وتعالى : ( وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنْكَ
الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ
ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ
ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي
جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ
ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ
) [ البقرة :120] وتتوالـى الآيات الكريمة في كتاب الله
تُحَذِّر وتُنْذِر من ينحرف عن سبيل الله ، وعما أَنزل في كتابه الكريم . ويبيّن الله سبحانه وتعالى لرسوله
ونبيه كيف يخاطب أهل الكتاب ، وكيف يخاطب الكافرين والمنافقين ، وخلاصة ذلك كله أن
اثبتْ على الحق الذي جاءك من عند الله ولا تنحرف عنه : ( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ
ۖ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ
ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ
بِهِمْ سُرَادِقُهَا
ۚ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ
يَشْوِي الْوُجُوهَ
ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا . إِنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ
أَحْسَنَ عَمَلًا . أُولَٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ
الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ
ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى
الْأَرَائِكِ
ۚ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا
) [ الكهف :29ـ31] ويخاطب الله سبحانه وتعالى المؤمنين
على مدى الدهر كي يثبتوا على الحق ولا يركنوا إلى الذين ظلموا ، كما يخاطب رسوله
محمداً r
: ( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ
وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا
ۚ إِنَّهُ
بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ . وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا
فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ
لَا تُنْصَرُونَ ) [ هود :112ـ113] نعم ! هذا هو القول الحق من رب
العالمين : " وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ
وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ " . وهذا قوله سبحانه وتعالى حاسماً
فاصلاً بيّناً : ( لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ
عَشِيرَتَهُمْ
ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ
وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ
ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ
ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ
ۚ أَلَا
إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )
[ المجادلة :22] وكذلك قوله سبحانه وتعالى يؤكد هذا
الأمر تفصيلاً وتثبيتاً : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ
بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ
الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ
ۙ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي
ۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا
أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ
ۚ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ
السَّبِيلِ . إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا
إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ
) [ الممتحنة :1،2] وظل المؤمن الصادق قلبه معلّق بالدار
الآخرة يرجو رحمة ربه ، يؤثر الدار الآخرة على الدنيا ، ويبتغي فيما آتاه الله من
نعيم في الدنيا الدار الآخرة : ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ
الدَّارَ الْآخِرَةَ
ۖ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا
ۖ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ
ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ
ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ
) [ القصص :77] فالله سبحانه وتعالى يعطي بفضله من
نعيم الدنيا وزخرفها لهؤلاء وهؤلاء ، للمؤمنين وللكافرين ، ابتلاء منه سبحانه
وتعالى وتمحيصاً لهم : ( كُلًّا نُمِدُّ هَٰؤُلَاءِ
وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ
ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا
) [الإسراء :20] ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ
نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا
ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
) [ القصص :83] وتدبَّر أيها المسلم هذه الآية من
كتاب الله لتدرك الفرق بين متاع الحياة الدنيا والآخرة : ( وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ
أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ
سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ . وَلِبُيُوتِهِمْ
أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ . وَزُخْرُفًا
ۚ وَإِنْ كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا
ۚ وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ
) [ الزخرف :33ـ35] هكذا يبين الله لنا منزلة الحياة
الدنيا ومنزلة الدار الآخرة . ويؤكد هذه المنزلة قوله سبحانه وتعالى : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ
نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا
ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ . مَنْ جَاءَ
بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا
ۖ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ
عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
) [ القصص :83ـ84] إن الحياة الدنيا وزخرفها تُضِلُّ
الذين لا يتمسّكون بحقيقة الإيمان وبالكتاب والسنة ، وتجعلهم يتنازلون عن أسس في
الدين ونصوص في الكتاب والسنة وممارسة طويلة في عصر النبوة والخلفاء الراشدين . إن التنازل عن أي شيء في الكتاب
والسنة هلاك وضياع وفتنة . والنجاة النجاة هي في الثبات على الحق والصبر على
الابتلاء والمضيّ على صراط مستقيم بذلاً وجهاداً ودعوة والتزاماً ، وصبراً على طاعة
صادقة لله ، يبنيها الإيمان الصادق والعلم الصادق بالكتاب والسنة واللغة العربية ،
كما أمر الله سبحانه وتعالى أن يصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل : ( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو
الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ
ۚ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ
يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ
ۚ بَلَاغٌ
ۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ
) [ الأحقاق :35] هذا هو الحق ، فإما الثبات الصادق على
الحق كما أُنْزِل من عند الله وإِما الانهيار والهلاك ! إن أعداء الله وشياطين الإنس والجنّ
يعملون في حياة المسلمين فتنة وفساداً منذ بعث محمد
r
بالحق المبين . وقد ردّ الله كيدهم وأمدَّ رسوله
r
بالكتاب المبين ، ليكون هذا مدداً للمؤمنين أبد الدهر ليثبتوا على الحق دون تنازل
ولا انحراف . ولكن لحكمة يعلمها الله ، وكل شيء هو
بقضاء لله نافذ وقدر غالب وحكمة بالغة ، استطاع الغرب العلماني الديمقراطي النصراني
الصهيوني أن يخترق العالم الإسلامي بتخطيط طويل هادئ ، ومكر بالغ ، وكيد عميق ، وأن
يسقط الخلافة الإسلامية وسط صمت قاتل من العالم الإسلامي ، وأن يمزّق العالم
الإسلاميّ أقطاراً صفّق لها أهلوها ، وجعلوا لها الأناشيد ، ونشر الجهل الكبير بين
المسلمين بالكتاب والسنة واللغة العربية ، واختراق العقول والقلوب وغرس فيها شعارات
غير الشعارات ، ومبادئ غير المبادئ . ولو رجعنا إلى النصف الثاني من القرن التاسع
عشر لوجدنا المجتمعات الإسلامية طابعها الإسلام ، ولو قارنا ذلك بواقعنا اليوم
لهالنا الاختلاف الكبير . لقد أصبح اليوم من أبناء الإسلام من ينادي بفصل الدين عن
الدولة ، وبطرح مصطلحات مضللة مثل الحكومة المدنية ، وأصبح اليوم من أبناء الإسلام
من ينادي بتساوي المواطنين في الحقوق بغض النظر عن الدين ، ومهما خالف ذلك النصوص
ثابتة في الكتاب والسنة ، وفي تطبيق الرسول
r
والخلفاء الراشدين والصحابة رضي الله عنهم ، وأصبح هنالك من ينادي بمساواة المرأة
بالرجل ، حتى نسيت المرأة المنتسبة للإسلام أهم واجباتها التي أمرها الله بها ،
وأصبح هنالك من ينادي بشعارات أخرى مخالفة للإسلام ، كل ذلك وسط ضجيج هائل وإعلام
يغذي ذلك كله . لقد أصبح خروج المرأة المنتسبة إلى الإسلام دون حجاب ، كاشفة صدرها
وذراعها ، مع لباس يكشف مفاتنها بما يخالف أمر الله ورسوله ، وأخذ هذا كله يتم وسط
صمت مطبق ممن يُظنّ أنهم دعاة مسلمون . لا شك أن المكر الغربي الديمقراطي
العلماني النصراني الصهيوني كان يتسلل بدهاء كبير ، ونفس طويل ، وسط غفوة طويلة من
المسلمين ، ووسط انشغال المسلمين بالدنيا وما فتح لهم منها ، متخلفين بذلك عن واجب
الدعوة والبلاغ ، عن واجب تبليغ رسالة الله إلى الناس كافّة كما أنزلت على محمد
r
، تبليغاً منهجيّاً ، وتعهدهم تعهّداً منهجياً حتى تكون كلمة الله هي العليا . وإنا لنعجب أشد العجب حين نرى أنه مضى
على بعض الدعوات والحركات الإسلامية عشرات السنين أو مئات السنين ، فما غيرت
المجتمع إلى صورته الربانيّة ، ولا منعت التحلل والتفلّت الذي كان يمضي بخطى ثابتة
في مختلف أنحاء العالم الإسلامي . نعم ! قد يكون بعضهم قد أصاب شيئاً من زهرة
الدنيا وزخرفها ، مع التخلّي الواسع عن بعض أسس الإسلام . نقول هذه الكلمة تذكيراً ونذيراً ،
فإن النصر من عند الله ، والله ينزل نصره على عباده الذين ينصرونه ويعلون كلمة دينه
ويجاهدون حق الجهاد في سبيل ذلك ، ثابتين على الحق المنزّل من عند الله . إنه الثبات على الحق لنصرة دين الله ،
أو الانهيار ، إن الذين يتصورون أنهم بإعلانهم التخلّي عن بعض مبادئ الإسلام ،
مسايرة لأعداء الله ، حتى يتمكنوا من السلطة والنفوذ ، فينصرون دين الله آنذاك . إن
هؤلاء يحلمون ويتوهمون أوهاماً زينها الشيطان . ونعيد القول ونؤكده بأن النصر من
عند الله وحده ، وأن الله ينزل نصره على من ينصره ، ويُثْبتُ على الحق صابراً
محتسباً ماضياً على نور ونهج جليّ وخطة واعية محكمة ، ترفض الارتجال والأهواء
والانحراف والتنازل . والحمد لله ربِّ العالمين