خطّة «أنان»... والطّرح البديل
د. محمد عناد سليمان
إنَّ المتتبّع لقراءة الموقف الدّولي من الأزمة السّورية يعلم أن لا جديّة حقيقيّة لاحت في الأفق الغابر لحلٍّ سياسيّ لهذه الأزمة، وما خطّة كوفي «أنان» المزمعة بنقاطها السّتّة إلا محاولة من الأطراف المتحكّمة في لعبة المتغيّرات الدّوليّة لخلق واقع جديد في الخارطة السّياسيّة للمنطقة الإقليميّة بشكل عام مدارها الحالة السّوريّة.
وبعد مضي أربعة أشهر على عمر خطة «كوفي أنان» صار من البديهيّ للمجتمع الدّولي أن يقرّ بفشلها، فليس لعاقل أن يحكم عليها بالنّجاح، أو على الأقل وصفها بالسّير البطيء؛ لعدم تحقيق بند واحد من بنودها؛ وهاهي مهلتها المتّفق عليها دوليّا شارفت على الانتهاء في العشرين من الشّهر الجاري، ولن يكون بمقدور المجتمع الدّوليّ الذي صوّت عليها في مجلس الأمن الدّوليّ إلا أن يقول: وداعا أيّتها المبادرة الخارجة من قبرها أصلا بسند الكفالة.
ومن هنا لابد لهذا المجتمع أن يبحث عن بديل أو طرح جديد يتناسب مع واقع المرحلة الرّاهنة، وما وصلت إليه الأمور في السّاحة السّوريّة، وما قد تؤول إليه في المنطقة الإقليميّة؛ لأنّه لا يخفى على أحد أنّ هناك لاعبًا صامتًا لم يحرّك ساكنا؛ ألا وهو «إسرائيل» وهو لاعب محوريّ ومؤثّر في هذه العمليّة، والخارطة السّياسيّة والطرّح البديل، وإن لم يضع بصمتَه في هذه اللّعبة حتى هذه اللّحظة على الأقلّ.
ومن خلال استقراء التّغييرات الدّاخليّة والخارجيّة أصبحت معالم الطّرح البديل شبه واضحة، والطّريق إليها ميسّرة وممهّدة في ظلّ تصاعد العمليّات القمعيّة للنّظام السّوري من جهة، وفي ظلّ العجز الدّولي المقتصر على المؤتمرات من جهة أخرى.
إلا أنّ اللاّفت في هذه المؤتمرات ما يمكن تسميتُه الهامش الإيجابيّ والمناوشات اللاعلنيّة، منها تسريبات من هامش مؤتمر «جنيف الذي أوصى بوضع خطّة بديلة عن خطة «أنان» طرحها بنفسه، وهو القادر عليها فعليّا بعد مناوشاته مع الأطراف المعنيّة للأزمة السّوريّة، على رأسها هرم النّظام، وليس على جدوله المعارضة المتمثّلة بـ«المجلس الوطني».
هذه الخطّة تشبه المشهد المصري في كثير من جوانبها، بحيث يتمّ تشكيل مجلس عسكري أعلى يترأسه ضابط يلقى قبولا لدى الشّعب السّوريّ عامّة، ولدى المجالس العسكريّة التي تمثّل الجيش الحرّ خاصّة، بعد أن ثبت لدى المجتمع الدّوليّ قوّة هذا الجيش، وامتلاكه حبل اللّعبة في السّاحة السّوريّة.
هذا الضّابط وقبل المجلس العسكريّ يجب البحث عنه ضمن مواصفات معيّنة، وضوابط محدّدة لعلّ من أهمها إضافة إلى ما سبق ذكره، أنه ممن لم تتلطّخ يداه بالدّماء السّوريّة، وله دور في العمليّة السّياسيّة، وصاحب جاه ووجاهة لدى النّظام القائم برموزه كافّة، ومن الدّائرة الضّيّقة في المنظومة العسكريّة السّوريّة.
وبالنّظر إلى ما سمعناه من بعض المسؤولين السّياسييّن العاملين في دائرة حلّ الأزمة السّوريّة من بحثهم المتكرّر عن ضابط مسؤول ممكن أن يتحكّم في قيادة الأمور، ومع ما حدث من انشقاقات نوعيّة في المرحلة المتأخرة نعلم حقيقة الطّرح الجديد، والخطّة البديلة.
ففي الفترة الأخيرة صرّحت وزيرة الخارجيّة الأمريكية عن قرب حدوث انشقاقات نوعيّة في الجيش السّوريّ؛ وما عقبها من وصول عدد من الجنرالات المنشقّين إلى «تركيا»، حيث بلغ عددهم خمسة عشر ضابطا؛ وتشكيلهم مجلس القيادة المشتركة للجيش الحرّ؛ وانشقاق متميّز أثار ضجّة إعلامية وسياسيّة كبيرة، وقلب لموازين القوى، وإن كان مرتّبًا سابقًا، وهو انشقاق العميد «مناف طلاس»، ووصوله الفوريّ إلى «فرنسا» تزامنًا مع عقد مؤتمر أصدقاء سوريّة فيها، وما رافقه من تصريحات لوزيرة الخارجية الأمريكيّة، ووزير الخارجيّة الفرنسيّة.
كل هذه المؤشرات لا تترك مجالا للشّكّ في قرب الحلّ والطّرح البديل القائم على تشكيل مجلس عسكري يمسك زمام الأمور في سورية في مرحلته الانتقالية، في مشهد مماثل جدّا للمشهد «المصري» القريب بعد استبعاد المشهد «اليمني» لحلّ الأزمة السّوريّة.
ويبقى السّؤال المطروح في مثل هذا الحلّ: هل يمكن أن يكون العميد «مناف طلاس» الشّخصيّة القياديّة المؤهّلة لقيادة هذه المرحلة؟ هل تتوفّر فيه الشّروط التي تمّ ذكرها قبل قليل؟ وإذا ما أضفنا إليها أنه ابن حمص عاصمة الثّورة السّوريّة؛ ووالده وزير الدّفاع الأسبق الذي يؤهّله لأن يحظى بقبول جميع غفير من الضّباط ذوي الأهمية العالية في المنظومة العسكريّة؛ وأنه قريب القائد البطل «عبد الرّزاق طلاس» قائد كتيبة الفاروق التي أنهكت قوة النّظام وبددتها؛ وأنه أيضا من الحرس الجمهوري في دائرة القصر وحمايته، إضافة إلى الاهتمام الدّوليّ بانشقاقه وقد سبقه في ذلك من هو أعلى رتبة منه.
ومن وجهة نظري إنّ ما جعل المجتمع الدّوليّ يلجأ إلى مثل هذا الطّرح إن صحّ وصدق، عدد من الأمور يأتي في مقدمتها: عجز المعارضة السّوريّة بأطيافها كافّة عن إيجاد، وطرح خطّة طريق تتناسب مع الواقع الدّاخلي والواقع الإقليميّ لحلّ الأزمة في سوريا، وظلّت تدور في فلك البحث عن خارطة طريق لسورية المستقبليّة، في قفزة منها على الواقع الحقيقيّ الذي يعيشه الشّعب السّوريّ، وقد ظهر ذلك واضحًا في مؤتمر «القاهرة» حيث أوشكت على التوحّد لكن في مرحلة ما بعد «الأسد»، وليس التوحّد على آلية وكيفية إسقاط «الأسد».
ومنها الخشية المتكرّرة لدى المجتمع الدّوليّ من وصول الأمور إلى حرب أهليّة أو طائفيّة في لحظة سقوط الأسد، فكان لابدّ من الحفاظ على المؤسّسة العسكريّة بمؤسساتها الأمنية الحاليّة؛ لتقوم بدور المحافظ على استقرار الأمور ،وعدم انفلاتها من خلال طرح مثل هذا الحلّ البديل.
وفوق ذلك كله سؤال آخر محوريّ يتعلّق بالمشكلة والحلّ البديل، وهو طرف طالما تم تهميشه في وضع خارطة الطّريق: هل سيرضى الشَّعب السّوري بمثل هذه الحلول؟