انتظرنا رسائل التطمين طويلا

انتظرنا رسائل التطمين طويلا ..

فوصلتنا مخطوطة بنجيع أطفالنا

زهير سالم*

[email protected]

باختصار شديد ومكثف نعيد السؤال على المتخوفين على بناء الدولة : على أي شيء تريدوننا أن نخاف ؟!

وإذا كان البعض قد بقي له ما يخاف عليه في كنف هذا النظام فإن ما وقع على الشعب السوري خلال عام انصرم من ترويع واعتقال وقتل وانتهاك للحرمات وتجاوز للحدود ، وما توج به في بابا عمرو وكرم الزيتون والحولة والقبير والحفة من ذبح للأطفال ، وانتهاك للحرمات ؛ جعل هذا الشعب يعتقد أنه لم يبق لديه ما يخاف عليه ، ولا ما يرتبط به ، ولا ما ينتمي إليه ..

ومهما يكن اختلافنا على أسباب الصراع ، ومسوغاته ومنطلقاته وآفاقه ؛ فإن مما لا يجوز أن نختلف عليه بحال هو تقويم أخلاق المحاربين ، القابضين منهم على ناصية سلطة يخصها البعض بحقها باستخدام العنف الوازع ، والاستبداد بأدوات القتل المنظم ..

ومهما كانت تجاوزات الأفراد والجماعات والأحزاب فهي لا تسوغ بحال جريمة المتذرع بمتراس الشرعية القانونية ، المتجلبب بجلبابها ، وجرائم كل الذين يتحركون باسمه ، أو يضربون بسيفه ، أو يلهجون بتأليهه وأمر الناس بالسجود له. إن اعتبار كل الفظائع التي يرتكبها حاملو سيف السلطة أو المتجلببون بعباءتها من ضرب الأخطاء الفردية التي لا يأبه بها من يدعي الشرعية ، ولم يجرؤ حتى اليوم على إعلان نتائج التحقيق في جريمة قتل طفل مثل حمزة الخطيب .

ثم إن الاختباء وراء رد التهمة على الآخر أو مواجهة الواقع بحالة الإنكار . واتهام العالم أجمع بالتواطؤ والمؤامرة بما فيها المنظمات الحقوقية والإنسانية تنبي عن قلوب قدت من صخر ونفوس تسفلت فبلغت أسفل سافلين . إن التقارير الحقوقية عما يواجهه أطفال سورية بين أيدي الجزارين رسالة واضحة إلى كل صاحب ضمير في صفوف المتواطئين والصامتين إن كان قد بقي في صفوف هؤلاء صاحب ضمير . وما نصنع لهؤلاء إن كان الله قد نزع منهم إنسانيتهم وجعلهم في رتبة أدنى من الذين قال فيهم (( وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ )) وأكثرُ المفسرين على أن المسخ في العقول والقلوب والنفوس أشد نكالا وأبعد في العقوبة من المسخ في الأجساد .

حين يخلو سجان بسجين حيث تغيب عين الرقيب ولائحة الممنوعات يبقى فقط الخلق النفسي الذي جبل عليه من يفترض فيه أنه إنسان . الرسائل التي ترويها المنظمات الحقوقية – وليس نحن – تقتضي جوابا من كل من يريد أن يبرأ من البهيمية المتسربلة في إهاب بشري رجيم. والمشاهد التي تثقل كاهل عدسات التصوير أصبحت ذات دلالة لا يمكن لإنسان أن يتجاهل دلالاتها.

حين تنفلت مجموعة من البشر المردودين إلى أسفل السافلين المتمتعين بكل أدوات القهر والقتل في حي من الأحياء السكنية فهم في ذلك الحال يجسدون أهليتهم الآدمية ، و تطورهم الأنثربولوجي ، وحقيقة ارتقائهم عن مراتع الوحوش إلى مرابع الهمج من الناس أو ارتدادهم إليها . والإنسان المتسفل أشد همجية من الوحش في غابته كل علماء الأنثربولوجيا يؤكدون أن أخلاق الهمج في تسفلهم هي أكثر انحدارا من سلوك وحوش الغابات فسلوك تلك منضبط بضوابط الغريزة التي تنظم قوانين الصراع بما يحفظ البقاء . ..

من بين كل الرسائل التي وصلت وما تزال تصل من بين أشلاء الأطفال المبعثرة سواء في الأحياء والبلدات أو في زنازين السلطة حيث يتسيد غيلان الأسد ..

مرت أشهر طوال ونحن نعيش الفجيعة ما نخرج من غماء إلا وندخل في أخرى ، وليست فجيعتنا بما يقع على أهلنا فقط ، وإنما فجيعتنا الحقيقة بمن ينبغي أن يكونوا نظراء في الخلق ، أو شركاء في الوطن ، أو إخوة في الانتماء . لقد انتظرنا طويلا أن نسمع كلاما يخفف من وطأة الصور الرهيبة على الحس والضمير فحاصرنا دائما صمت الرضا يؤكده قول العقلاء : والصمت في معرض البيان بيان . وفي طوفان الدم هذا بين أهرامات الأشلاء يرتدي أحدهم حذاء مطاطيا يخوض به في دماء أطفالنا لحد الركبتين ليحدثنا عن جذور الشجرة الخبيثة وفروعها: كيف نحافظ عليه ؟!

نعم لقد وصلت رسائل التطمين الوطنية يراعها أصابع أطفالنا ، ومدادها نجيع دماؤهم !!!!

ويحكم إذا كنتم واثقين من النصر بما لا يستدعي الدفاع في الوطن عن شراكتكم ، فلا أقل أن تدفعوا الطفرات المنتكسة في التاريخ البيولوجي عن آدميتكم..

لا ننتظر تطمينا عن شراكة وطنية قد عايناها لخمسين سنة كالحات عجاف ؛ وإنما عن أهلية البعض الآدمية ننتظر التطمين ..

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية