مسرح السياسيين

هديل عبد الله بن شملان

المثالية هي أعلى درجات الكمال التي تهفو إليها الروح المنغمسة في إشباع الذات ونسيمها يدغدغ الجسد الذي أمعن في التجمل المصطنع. نصبو كلنا إلى تحقيق الكمال في حياتنا حتى في ابتسامتنا نشدو المثالية كي نتملك محيطنا شعوريا تلبية لدوافع ناقصة في ذاتنا الإنسانية ، وما الكمال إلا لله.

إن مسرح المثالية في اليمن قد شيده الساسة الكرام وبكل خبث وإتقان وأجبر الشعب على الفرجة ودفع حياة أبنائه كتذاكر للدخول وتحمل معاناة المشاهدة وألم الضحك اللامبالي. سألت صديقاً ذات يوم " لقد أبهرني الناشط والسياسي الفلاني ، ورسمت له في خيالي صورة تطابق تماماً صورة الحقوقي الأمريكي من أصل أفريقي لوثر كنج!- وحاشا لله أن يكون نفسه كاملاً- لكن صدمت عندما قرأت عن نقطة سوداء في تاريخه الماضي . فأجابني صديقي قائلاً " لقد رسمتي تلك الصورة لأنك ساذجة ، ولا تفقهين في السياسة شيئاً" . ثم استطرد قائلاً " يا عزيزتي إن السياسة هي فن الواقع" جلست أفكر ملياً فيما قاله ، وأدركت أن في حديثة شي من الحقيقة وتذكرت عبارة أخرى موازية لسابقتها ، فحواها أن السياسة هي فن النفاق. ومن منا لم يفرض عليه ذكاؤه الاجتماعي إخفاء بعض عيوبه أو دفن قناعاته التي لا تتقبلها ثقافة المجتمع .

هل نستطيع أن نلوم ساستنا الأفاضل للذي وصلوا إليه من حرفية في التمثيل والتسويق لنجوميتهم بين شرائح المجتمع المختلفة ، حتى إنهم غزوا شوارعنا بصورهم وشعاراتهم المنمقة والمشوهة لجمالية أجوائنا.

لا يمكننا أن نلومهم وحدهم فالجمهور الذي يتفرج عليهم ويفسح لهم المجال ليدخلوا بيوتنا بدون استئذان ويسيطروا على عقولنا لننقاد طواعية لحشو المقاعد أمام مسارحهم ومنابرهم ليستعرضوا عضلاتهم وينهشوا أرواحنا بشكل يومي هم في ذلك أشبة بظاهرة المغنيات اللواتي يستعرضن أجسادهن دون حناجر تصدح بترانيم تحترم أسماعنا وعلى الرغم من ذلك لهن شعبية بحجة ( الجمهور عاوز كده على قول إخواننا المصريين) . كان ليرتقي مستوى أداء السياسيين في بلادنا لو كنا سمونا نحن الجمهور بعقولنا وأذواقنا حتى نوقف حالة الخزي الذي نعيش فيه .

أيها السياسي اليمني المحترم هذا هو مسرح الوطن ... امض في تمثيلك لكن لا تذهب بعيدا في الشيطنة... رفع الستار     

   * كاتبة من وادي حضرموت