من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار (تهور)

جعفر عبد الله الوردي

جعفر عبد الله الوردي

[email protected]

كتبت محمد بن علي المحمود مقاله في جريدة الرياض يوم الخميس 29 يونيو 2012، وقد ندد بمقدّسي التاريخ "والصنميين" وأتباع رفات الأصنام البائدة، واستنزف قاموسه اللغوي في الألفاظ التي تعني التحجر والتصلب "والتتييس" للتاريخ دون روية..

كانت فكرته العامة صحيحة بمقْدَمه عليها، باطلة منكرة في فحواها ومحتواها، حيث أنكر على أولئك المنحرفين الذي ينزلون من قيمة شخص (عدنان إبراهيم) وأهدى له أسمى آيات الألفاظ الرائقة.. وبالمقابل لَكَم شخصيات تاريخية (معاوية ابن أبي سفيان) بأفحش العبارات الأدبية والألفاظ الحجرية .. ولم يألُ جهدا أن ينتزع من مؤيدي (معاوية) كل صفاتهم ويهديها لمؤيدي (عدنان) .. فظهر أعرجا بمقاله غير منصف ولا متفهم ..

إن إنكار المحمود على أولائك الذي قدسوا ظلم التاريخ وتحفظوا على أخطائه، صحيح لا شك فيه ولا ريب، فالخطأ خطأ رغم من يأبى وإن كان من كان، والله لا يرضى عن الباطل حتى لو صدر ممن كان، وهذا معلوم في الفهم بالضرورة ..!

لكن علاج الباطل بباطل ومهاجمة النار بالنار، أمر غاية في السذاجة وسطحية العقل والتفكير.. كان من المفترض على المحمود أن يأتي بفضل (عدنان) دون أن ينتقص من (معاوية)، وأن يذكر أخطاء (معاوية) دون أن يقدس بسببها (عدنان).. حتى تُرى صدق دعواه، وتُعلم الحقيقة..

فلم يضف على مقاله إلا أن أعطى صورة جلية مطابقة على من أنكر عليهم، فهو خرج من مقعد السينما إلى المسرح وألقى بالحضور محاضرة تذمهم وتشتم تضيع وقتهم وخسارة عاقبتهم وسوء أفعالهم، ثم عاد وجلس بكرسيه في السينما ..!

لا يشك كائنا مَن كان أن بعض الصحابة وقعوا في أخطاء وقتْل، ومنهم من وقع في الكبائر كالزنا وشرب الخمر والسرقة، وقد حصل في عصر وجود الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم..

وقد وقع بين الصحابة أيضا والخلفاء الراشدين خلافا شديدا وصل في بعضها إلى قتل النفس التي حرم الله، وتحارب الأطراف وتنازعهم، والقتل كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب ولا نخلع عنه صفة الكبر؛ لأن صحابيا وقع منه هذا الفعل..!

ثم إن هناك من مؤرخي الإسلام من ذكر كثيرا من أخطاء معاوية ابن أبي سفيان وأنه أسس نظام الحكم الوراثي ولم يكن قبلُ، وأنه فعل ما فعل.. وثبت ذلك تاريخا وصحةً، ولا يصح إنكاره ولا رده، بل من الحماقة بمكان أن نغطي عين الشمس بقطعة قماش..

لكن المسألة أن إثبات ذلك أو نفيه، أو التحدث عن دكتاتورية معاوية أو قداسته وحكمته، ليس بذي فائدة ترجى ولا حكمة تتحصل..

بل علينا احترام معاوية ليس لشخصه التاريخي والقيادي، بل لأنه صحابي ارتبط باحترام النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، وإن احترامنا له لا يمنع أن نذكر حقيقة ما صدر منه من أخطاء أو ظلم أو ما شابه ذلك..

ولعمري ما فائدة أن تحاكم رجالا في غابر التاريخ وتتباسل في ذمهم وإثبات سوئهم ..! هل إلى ذلك من رحمة ترجى أو عذاب يدفع ..؟! أم أين تلك الفائدة العظيمة في تقديس أشخاص التاريخ وتلميع أخطائهم وبلورتها على أنها عين الحكمة والنجابة ..؟!

ليس علينا إلا احترام معاوية لأجل النبي الأكرم، وخطؤه خطئ، وصوابه صواب.. ولا زيادة في ذلك ولا نقصان ..

وعلى كل من يتباسل في تلميع شخص أن لا يدنس الآخر كي يتفاوتا في أيهما أشد دناسة من الآخر لا أيهما أشد لمعانا .. وهذا ما سعى إليه جاهدا المحمود وحاول أن يبيض صورة عدنان بتدنيس معاوية ..

ولا ينكر لعدنان إبراهيم سعيه وفضله لكن ليس على حساب أطراف ورجال، ولا فائدة أصلا من استثارة تاريخ معاوية ومعالجته وفضحه، فالكل يعرف الخطأ ويعرف أن بعض الصحابة وقعت منهم أخطاء، وما إثارة ذلك إلا رشفا من السذاجة أو شهرة يريد الشخص اعتلاءها ..!