نواقص في الثورة السورية
نواقص في الثورة السورية
وفيق السامرائي
خلال أسابيع قليلة ارتفع عدد ضحايا الثورة السورية من عشرة آلاف إلى خمسة عشر ألف قتيل. ومقارنة بأيام القتال (العادية) للحرب العراقية – الإيرانية، فإن العدد اليومي للقتلى السوريين يفوق كثيرا معدل قتلى العراقيين على جبهة ألف كيلومتر. ومن يقاتل بإرادته إنما يدرك المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها حياته، فالحرب هي الحرب. وهذا ينطبق على معارك بابا عمرو وغيرها. أما مذبحة الحولة، فإنها جريمة تاريخية تفوق كل ما قيل عن حالات أخرى، لا سيما أنها موثقة بلا رتوش، وقد تحولت أرواح الأطفال الذين قضوا إلى صقور للثورة، صغر أمامهم بعض المعارضين الحالمين بكراسي الحكم، وصغر أمامهم جنرالات، يفترض أن يكون بينهم من يسمع النداء كما سمع المعتصم.
وبينما كانت الأجهزة السورية قادرة على رصد ذبابة تطير في كل المدن والأرياف، كما كان الوصف سائدا، ورغم أن السلاح غير متاح للناس، ومع الاستعدادات المسبقة لمجابهة الربيع العربي ومراقبة الحدود، حيث أتيحت للنظام فترة إنذار واستعداد، انتشرت الثورة بطريقة تدل على فعل يقع خارج المتوقعات، ففي بداية الأحداث تحدثت الدولة السورية عن تهريب بنادق صيد عبر الحدود التركية، وعن كميات بسيطة من البنادق الخفيفة مهربة عبر الحدود مع العراق، وبعد أسابيع قليلة امتدت الاشتباكات المسلحة إلى قلب دمشق، وإلى مقربة من أكثر المواقع الرئاسية والأمنية أهمية، فما هذا الدرس المثير؟ إن أسلحة المعارضة لم تنزل بمظلات من السماء، ولا بغواصات سحرية، ولا بسفن أسطول المسقوف (الروس) سبب ولادة العنف باحتلال أفغانستان، الذين نجوا حتى الآن من مقاطعة اقتصادية ودبلوماسية عربية يستحقونها.
استمرار المظاهرات، وإرادة التحدي، وانتشار السلاح، وتشكيل كتائب الثورة، والتعاطف العالمي، كانت ولا تزال عوامل مثيرة للانتباه. كان على القيادة السورية التوقف عندها، ودراستها عن كثب، تمهيدا للقبول بالمبادرات العربية والأممية. وكانت الفرصة مواتية لتطبيق النموذج اليمني على الوضع السوري. لأنه لا أحد من العرب يحمل ضغينة إلى الرئيس بشار ونظامه لولا ما يجري، رغم خلافات استراتيجية بقيت وراء الستار، بحكم علاقات إيجابية مع دول الخليج ومواقف سياسية متميزة.
وحتى الآن، فإن المواقف العامة تبدو محيرة، فمن يطلع على مقابلات نبيل العربي يتلمس جوانب مضطربة متضادة من أمين عام الجامعة العربية، كأن ما يجري في سوريا لعبة من لعب العجز الدبلوماسي، وليس مذابح فاقت فظائعها كل ما جرى في ثورات الربيع العربي، فالخلط واضح في تداخل العبارات بين الرغبة والاستعداد والقدرة، وغابت عنه قراءة احتمالات المستقبل، مثلما غابت عبارات الاحتجاج القوي، وهكذا حرم الشعب السوري من موقف جاد أو وساطة مصحوبة بتلويح، وما يصل إليه يبقى خفيا ولا يمكن تقييمه.
الغربيون أخذوا يلوحون بخيارات خارج مجلس الأمن، لكنهم منشغلون بمعضلات حقيقية، خصوصا الأزمات المالية، ومحددون بما يمكن التوصل إليه في مجلس الأمن من قرارات عجز، واختلاف المعارضين السوريين أصبح ذريعة للمتقاعسين ولذوي الغرض المبطن، ومع الإشارة إلى أن عددا منهم يقوم بأدوار إعلامية مميزة، فإن معظمهم في واد والشعب السوري في ساحة أخرى، والكتائب المسلحة تبدو عليها علامات عدم ربط النهايات وإحكام التنسيق الميداني!
إن المعارضين والثوار ينقصهم الإعلام النفسي الموجه، فالناس في حاجة ملحة لمعرفة ما يدور في ميادين الصراع، مما يقتضي ربط القيادات المركزية بمنظومة قيادة وسيطرة يفترض أنها قدمت من قبل طرف آخر، وعقد مؤتمرات صحافية عسكرية يومية تبين سير العمليات العدوانية التي يشنها النظام ضد الشعب وقواه المعارضة، فتعريف العالم بما يحدث يتطلب مواقف تفصيلية تتخطى البيانات الورقية والإعلامية، وعندما يتكلم المختصون يصغي الآخرون بانتباه أكثر، ومن المفيد وجود فضائية مختصة، أو أن يخصص توقيت محدد من قناة عاملة مهمة، والتركيز على دعوة (الجنود) إلى الانتقال الفردي والجماعي إلى جانب الشعب، بدل الاختلاف على بيان أو موقف عابر.
قد لا يمكن إنكار وجود مجموعات عنف تدخل تحت باب الإرهاب، إلا أن أسوأ أشكال الإرهاب هو إرهاب الدولة، لأنه يجمع بين عناصر القوة وادعاء شرعية زائفة لم تستمد من إرادة شعبية حرة، ومع أن الحل السياسي كان ميئوسا منه من البداية، فإن جريمة الحولة ربما دفنت المبادرات المطروحة مع ضحاياها.