سوريا إلى أين؟

د. محمّد عناد سليمان

د. محمّد عناد سليمان

 لقد أوشكت الثَّورة السّوريّة الأبيّة...ثورة الحريّة والكرامة أن تدخل النّصف الثّاني من عامها الثّاني...وأثار صمود الثّوار ذهولَ العالم من أقصاه إلى أقصاه...وقوّة هذا الصّمود نبع من الوحدة الوطنيّة الحقيقيّة التي تفيض بها جوارحنا..هذه الوحدة التي حاول النّظام أن يتغنّى بها عقودًا من جهة...ويمارس قوّته ونفاقه لنسفها من أنفسنا من جهة أخرى.

وحدة صارت لازمة لكلّ حرّ من أحرار سوريا الشّرفاء، اعتمدت في أساساها وبنيانها على مرتكزات وأركان وطيدة، من أهمها: رفضُ هذا النّظام الأسديّ القائم بكلّ أشكاله، والعمل دون توقّف لإزالته، حفاظًا على شرف الأمّة وكرامتها، ووفاء لدماء الشّهداء، وحصانة لشرف الحرائر العفيفات.

ومنها الوعي الكامل لدى الأحرار أنّ كلّ واحد منهم لدية القدرة الفعليّة والعمليّة في القيام بدوره الإيجابيّ في رسم معالم سورية المستقبليّة، سوريا الخالية من الاسم الأسديّ الذي ظلّ يشوّه صورتها عقودًا، إيمانًا منهم بأنّ هذا الاسم لم يعد صالحًا للحكم في ظلّ الممارسات الوحشيّة بحقّ أهلنا السّلميّين، خاصّة بعد فقدانه للشّرعيّة التي حكمت عليه بالفناء، وحتميّة حرمانه من حقّ الوجود. 

ومما لا شكّ فيه أنّ الثّورة السّوريّة غيَّرت موازين القوى في العالم عامّة، وفي المنطقة العربيّة خاصَّة، وكلٌّ من هذه القوى يحاول أن يشدَّ طرف الأزمة إلى جانبه، من أجل الوصول إلى أهداف سياسيّة، ومصالح شخصيّة لا علاقة لها في حال من الأحوال بإنهاء الأزمة، أو الخوف على مستقبل الشّعب السّوري الأعزل؛ لأنّه وبعد هذه الفترة الزّمنيّة من عمر الأزمة السّوريّة، لم تظهر بوادر جديّة، أو نوايا حقيقيّة من قبل المجتمع الدّولي من أجل وقف ما يجري على السّاحة السّوريّة.

فالقوّة «الرّوسيّة» التي أصبحت طرفًا في النّزاع من خلال موقفها المتشدّد والدّاعم للنّظام السّوريّ، لم يعد بمقدورها - بعد كلّ ما تورّطت فيه من أخطاء سياسيّة بقصد أو بغير قصد - أن تزيل الصّورة العدائيّة التي ارتسمت في أذهان الشّعوب العربيّة والإسلاميّة عامّة، والشّعب السّوريّ خاصّة؛ فهي تحاول من خلال هذه المواقف المخزية أن تحافظ على معقلها الوحيد في منطقة «الشرق الأوسط»، بعد سقوط سلطة «القذّافي» وغيره، فهي ليست معنيّة بسقوط نظام «الأسد» -وإن كانت داعمة له - لأنّها تظنّ أنّ استمراره هو استمرار لنفوذها في المنطقة،  وليست معنية بانتصار الشّعب السّوري وإن كانت كارهة له. وإنمّا المعني عندها الالتصاق المباشر بالقوّة الفاعلة التي تضمن لها مصالحها وأهدافها.

وكذلك الأمر بالنّسبة إلى القوّة «الأمريكيّة»، وإن خالجها بعض التّصريحات التي يُرى من ظاهرها دعم حقّ الشّعب السّوريّ في الدّفاع عن نفسه، والوصول إلى أهدافه في الحريّة والكرامة، لكنّها في الوقت ذاته تبحث عن مصلحة أعلى - من وجهة نظرها - من مصلحة انتصار الشّعب السّوري، ألا وهي مصلحة أمن وأمان «إسرائيل»، التي ما فتئت «الإدارة الأمريكيّة» أن تمدّ لها يد العون، ولا نبالغ إذا قلنا: إنّ «الإدارة الأمريكيّة» تقدِّم مصلحة «إسرائيل» على مصلحتها الشّخصيّة، خاصّة إذا ما علمنا الدّور الإقليميّ الذي تقوم به «إيران» من خلال تحرّكاتها الأخيرة والاستفزازيّة في منطقة الخليج العربي، وخطرها المزمن على المنطقة عامّة، وعلى «إسرائيل» خاصّة.

من هنا تظهر لنا المعادلة واضحة من موقف القوّتين «الرّوسيّة» و«الأمريكيّة» من الأزمة السّوريّة، ومدى استجابتهما الحقيقيّة لإنهائها، سواء أكان الحلّ سياسيًّا كما ترتجي «روسيا»، أم عسكريًّا كما تدّعي «أمريكا».

إذن صار لزامًا على الشّعب السّوريّ الأبيّ أن يقوم بإنهاء الأزمة في سوريا على طريقته، وكما تفرضه عليه الظّروف الدّاخليّة والخارجيّة، ولا ينتظر الحلول الجاهزة التي قد تأتيه من هنا ومن هناك؛ لأنّها في مجملها تمدُّ في عمر الأزمة، وتطيل من عمر «النّظام الأسديّ» الوحشيّ البائد، وما المبادرة الأخيرة لـ«كوفي أنان» إلا دراما جديدة في مسلسل زمنيٍّ تطول حلقاته، وتتغيّر مشاهده، إلا من مشهد واحد، ودور بطل أساسيّ، ألا وهو مشهد الدّماء التي تضرّج أرض الوطن من شماله إلى جنوبه، ببطل حرّ شريفٍ أبيّ.