هل ثمة حرب أهلية في سوريا؟

ياسر الزعاترة

كثر الحديث عن الحرب الأهلية في سوريا خلال الأسابيع الماضية، إلى درجة بات المصطلح هو الأكثر شيوعا على ألسنة الناطقين والمتحدثين باسم الدول والهيئات في طول العالم وعرضه في معرض وصف ما يجري في ذلك البلد المنكوب بقيادته أكثر من أي شيء آخر.

والحق أننا إزاء مصطلح ينطوي على قدر من التضليل لأنه يهرب من التوصيف الأكثر دقة للأحداث في سوريا، والتي يمكن تلخيصها بكل بساطة بأنها ثورة شعبية تطالب بالحرية والتعددية، ولا تستهدف طائفة بعينها.

لم يخرج السوريون على بشار الأسد لأنه علوي، بل خرجوا عليه لأنه دكتاتور، تماما كما خرج التوانسة على بن علي، وكما خرج المصريون على حسني مبارك واليمنيون على علي عبد الله صالح.

كما أن حكم الأسد لم يعد في سنواته الأخيرة يمثل طائفة، بقدر ما يمثل أسرة بعينها، ومعها عددا من المحاسيب الذين يدورون في فلكها، وكثير منهم من السنّة. صحيح أن المؤسسة الأمنية والعسكرية كانت ذات صبغة طائفية في الأعم الأغلب (قلة قليلة من السنة مثلا هم من كانوا يتجاوزن رتبة عميد في تلك المؤسسة كي تظل أكثر ولاءً للنظام)، لكن ذلك لم يكن هو سبب الثورة التي جاءت جزءً من الربيع العربي وليست ثورة طائفية.

من المؤكد أن البعد الطائفي كان حاضرا في وعي كثير من الناس، والثائرين منهم على وجه الخصوص، لكن ذلك لا يغير في طبيعة الثورة ولا أهدافها، ولا السياق السياسي العربي الذي جاءت على خلفيته.

الحرب الأهلية وفق ما هو معروف هي حرب بين طائفتين، أو عدد من الطوائف والأعراق بسبب نزاع حول السلطة والثروة، أي أنها تستبطن منذ الأساس هذا البعد، وبالتالي فهي تمارس في الغالب التطهير الطائفي والعرقي أثناء فعلها اليومي.

اليوم هل يمكن القول فعلا إن ما يجري هو حرب أهلية بين طائفة السنة التي تشكل أكثر من ثلاثة أرباع السكان، وبين الطائفة العلوية، أو بين الأولى وبين العلويين ومن يساندهم من الأقليات الأخرى؟!.

كلا بالتأكيد، فالثوار لم يخرجوا في سياق طائفي، وهم لا يمارسون التطهير الطائفي، وما وقع إلى الآن على هذا الصعيد لا يعدو أن يكون ردود فعل جانبية جراء استفزاز الطرف الآخر الذي وضع نفسه في مربع النظام ومارس أبناؤه القتل في صفوفه، أكانوا جزءً من الجيش والأجهزة الأمنية، أم عملوا ضمن جحافل الشبيحة الذين يعلم الجميع أن أكثرهم ينتمون إلى الطائفة العلوية.

بل إن النظام نفسه لا يفرق في التعاطي مع المعارضين على أساس طائفي، ولو عارضه علويون لما تردد في قمعهم، وفي تاريخه القريب والبعيد عدد من المعارضين العلويين والمسيحيين الذين جرى التنكيل بهم دون رحمة.

المشكلة أن الأقليات الأخرى من غير العلويين لم تساند الثورة بشكل واضح، بل مال أكثرها إلى النظام بدعوى الخوف من البديل، وهو ما أدى عمليا إلى أن يكون القتل مركزا في الجانب السني، الأمر الذي استفز المشاعر الطائفية، وبالتالي الخطاب الطائفي في الداخل السوري، وقبل ذلك وبعده في السياق العربي بعد انحياز المنظومة الإيرانية وحلفائها للنظام على أساس مذهبي واضح.

ما نريد التأكيد عليه هو أن ما يجري ليس حربا أهلية، بل ثورة شعبية يخوض فيها الناس معركة ضد نظام مجرم لم يتردد في قتل الناس وارتكاب المجازر بلا هوادة، ومن يقولون بنظرية الحرب الأهلية إنما يساوون بين الضحية والجلاد، وبين القاتل والمقتول، وهذا ظلم كبير في واقع الحال.

أيا يكن الأمر، فقد ثبت اليوم بما لا يدع مجالا للشك أن النظام ساقط لا محالة، وأن إرادة السوريين ليست في وارد التراجع أمام سطوة بطشه وجبروته، ولعل ذلك تحديدا هو ما دفع ويدفع كثيرين إلى الحديث عن السيناريو اليمني؛ ليس رغبة في إنقاذ السوريين من القتل، وإنما خوفا من انتصار مؤزر للثورة، لا يؤكد استمرار مسيرة الربيع العربي فقط، بل يشكل من جهة أخرى تهديدا للكيان الصهيوني، لاسيما إذا تحقق الانتصار من خلال فعل عسكري تقوده جبهات وكتائب لا سيطرة لأحد عليها. وما الحديث اليومي عن الأسلحة الكيماوية واحتمال سقوطها بيد الثوار سوى دليل على ذلك.

في المشهد السوري ثمة جلاد وضحية، وثمة ثوار ونظام مجرم، وليس ثمة حرب أهلية وفق التوصيف المتعارف عليه. لكن النتيجة واحدة وهي أن إرادة غالبية الشعب ستنتصر على الجلاد، وعلى من يصطفون إلى جانبه في آن.