على هامش الانتخابات الرئاسية في مصر
على هامش الانتخابات الرئاسية في مصر
بين الدولة الإسلامية والدولة الدينية
جميل السلحوت
فوز الدكتور محمد مرسي في انتخابات الرئاسة المصرية، سيضع جماعة الاخوان المسلمين على المحكّ ليس في مصر وحدها، بل في العالم العربي جميعه بشكل خاص، والعالم الاسلامي بشكل عام، فقد ترك حكم حركة طالبان لأفغانستان أثارا سيئة تخطت حدود ذلك البلد الذي دمرته الحروب الأهلية والاحتلالات الأجنبية، وشكل ذلك الحكم صورة سوداوية في نفوس المسلمين، ودعاية مغرضة ضدّ الاسلام كدين، استغلها الاعلام الغربي الامبريالي في عدائه للعرب وللمسلمين، خصوصا عندما قاموا بتدمير تراث ذلك البلد مثل تدمير التماثيل البوذية، وتناسى العرب والمسلمون فترة الدولة العربية الاسلامية التي سادت العالم في مرحلة تاريخية، واعتبروا حركة طالبان نموذجا للحكم الاسلامي.
وشكّل انقلاب حركة حماس ذراع جماعة الاخوان المسلمين في فلسطين عام 2006 عن الشرعية الفلسطينية، صدمة للشعب الفلسطيني، ومعيقا لنضاله وسعيه للخلاص من الاحتلال، عدا عن معاناة مليون ونصف مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة للحصار الذي لا يزال مفروضا على قطاع غزة، واستغلت اسرائيل وأنصارها هذا الانقلاب كذريعة للهروب من متطلبات السلام العادل والدائم في المنطقة، مع أنها ليست بحاجة الى ذرائع.
أما وقد وصل الدكتور محمد مرسي مرشح الاخوان المسلمين بانتخابات ديموقراطية الى رئاسة مصر كبرى الدول العربية، واحدى الدول ذات التأثير الاستراتيجي الكبير الذي يتعدى حدود الشرق الأوسط بكثير، فان الرهان الآن على كيفية الحكم الذي سيمارسه الرئيس الجديد، الذي سيتلقى تعليماته وتوجيهاته من مرشد الحركة، ومن مجلسها الاستشاري، وكيفية تعامله مع المشاكل التي تواجهها مصر، وأهمها بناء الاقتصاد الذي دمره ونهبه رجالات النظام السابق، وأيضا طريقة عمله في اعادة النظام الى البلد الذي أفزعه "البلطجية"، كما ستكون الأنظار موجهة اليه في كيفية التغلب على الطائفية التي ترعرعت زمن النظام البائد....إضافة الى العديد من المشاكل .وبالتأكيد فان الرئيس الجديد لن ينجو من المؤامرات الداخلية والخارجية التي ستحاول إفشاله.
لكن في جميع الأحوال فان الشعب المصري لن يتنازل عن حقه في الحصول على الحريات العامة، بما فيها حرية الصحافة، وحرية تشكيل الأحزاب، وحرية المعتقد، واستقلالية القضاء، والحريات الشخصية النابعة من ثقافته...فهل سيضمنها لهم الرئيس الجديد؟ وهل سيحافظ على دستور البلاد ويلتزم بالعملية الديموقراطية، واجراء الانتخابات والايمان بتبادلية السلطة حسب صناديق الاقتراع وفي مواعيدها؟ أم أن انتخابه سيكون آخر عملية انتخاب؟ وهل سيبني دولة اسلامية أم دولة دينية؟
وقد لا يرى البعض -بمن فيهم مثقفون- فروقا بين الدولة الدينية والدولة الاسلامية، وللتذكير فقط فان غالبية دول أوروبا الغربية تحكمها"أحزاب ديموقراطية، وهي تمارس الحكم بطريقة ترضي شعوبها، وان كانت تتبع سياسات خارجية تحكمه مصالحها وعلاقاتها الدولية. وللتذكير أيضا فان دولة الخلافة العربية الاسلامية التي سادت العالم قرونا، كانت دولة اسلامية وليست دينية.
وسأعطي مثالا مبسطا للدولة الاسلامية، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما فُتحت مصر في عهده، حافظ هو وتابعوه من بعده على تراث البلد الفرعوني، بما في ذلك تماثيل الفراعنة، مع أن الدين الاسلامي يحرم صنع التماثيل، وأعطى للأقباط حقوق المواطنة الكاملة بما فيها حق العبادة وبناء الكنائس وغيرها، ولم يطبق عليهم تعاليم الشريعة الاسلامية، وقصة ابن قائد الجيوش عمرو بن العاص عندما لطم قبطيا لأنه تقدم عليه في سباق للخيول، مشهورة جدا، حيث أتى الخليفة بابن عمرو بن العاص وبالقبطي عندما بلغه الأمر، وقال للقبطي"ألطم ابن الأكرمين كما لطمك". واحترم هو ولاحقوه قوانين الكنيسة في الزواج والميراث وغيرها...وهذا ما فعله في القدس عندما دخلها فاتحا أيضا.
وللتذكير فقط فان الدين الاسلامي يحرم الخمور على المسلمين فقط، ولا شأن لأتباع الديانات الأخرى بذلك.
واذا ما انتبه الرئيس الجديد الذي هو عضو في جماعة الاخوان المسلمين الى تسامح الاسلام، وانتبهت جماعة الاخوان المسلمين الى أن دورها في ممارسة الحكم، يختلف عن دورها في المعارضة، وعن دورها عندما كانت حزبا محظورا، وتلمست مشاكل ومعاناة شعبها، واستطاعت التعامل مع السياسات الدولية، وطورت البلاد علميا واقتصاديا وفي كافة المجالات، ولم تضطهد خصومها السياسيين، وابتعدت عن الانغلاق الثقافي، فانها ستشكل رافعة لها في مصر وفي بقية الدول العربية، وان لم تفعل ذلك فانها ستصل الى نهاية دورها.