ديمقراطية الإخوة الأعداء
ديمقراطية الإخوة الأعداء
كاظم فنجان الحمامي
لا أحد يعرف حتى الآن كيف نجتاز الأزمة الراهنة, التي باتت تهدد وجود الدولة العراقية, ولا احد يدري متى نضع أقدامنا على طريق المستقبل في ظل هذا التنافر الحاد بين الإخوة الأعداء. .
لقد خاض الشعب العراقي في العقود الماضية معترك الأزمات الخانقة, وتجاوز أصعب التجارب, في متواليات المصائب المأساوية, التي تجرع فيها السم الزعاف على جرعات قاتلة, جرَّب فيها نكبات الحروب الطويلة, وجرَّب تداعيات الأنظمة الملكية والجمهورية والانتقالية, وجرَّب ويلات الثورات والانقلابات والانتفاضات, وجرَّب خناجر الحصار الاقتصادي, وجرَّب شظايا القرارات الدولية التعسفية, وجرَّب كوارث الغزو والاحتلال, لكنه لم يواجه في تاريخه أية تجربة تهدد مصير الدولة العراقية مثل هذه التجربة, التي وصلنا إليها بمعاول الإخوة الأعداء, عندما قادونا إلى بوابات مغلقة بكتل خراسانية لا نعرف كيف نزيحها, والسبب الأساسي إنهم عجزوا عن فهم الأدوار المنوطة بهم, ولم يدركوا حتى الآن إن التغيرات الديمقراطية المطلوبة ينبغي أن تكون في الحقائق, وليس في المواقع, بمعنى إن الدولة وبنيانها ومؤسساتها هي التي ينبغي أن تتغير نحو الأفضل, وليس مجرد إعادة توزيع السلطات بموجب الحصص المقررة في الدهاليز المظلمة, ولم يعلموا بعد إن الدولة نفسها هي القضية المحورية في التغيير الأكبر, وليس المناصب والمواقع السلطوية الزائلة, ولم يدركوا بعد إن تمجيد الأشخاص وتأليههم لا علاقة له بمنطق العمل الديمقراطي المتحضر. .
بات من المسلم به إن بريق الكراسي العليا, والسباق المحموم نحوها هو الذي هيمن على عقول معظم الكيانات المتناحرة, وهو الذي قادها إلى منزلقات الضياع تحت تأثير مغريات السلطة وغواية الاستحواذ عليها, وهو الذي بعث فيهم أحلام جلجامش في البحث عن سر العظمة, وهكذا وجد الإخوة الأعداء أنفسهم في خضم الماراثون المصيري للفوز بالسلطة, ولم يدركوا إن أهدافهم الوطنية ينبغي أن تتلاحم وتتعاظم في تفعيل مشاريع بناء العراق, والانتقال به من حال إلى حال.
لقد تصور الإخوة الأعداء إن الديمقراطية تعني التقافز فوق كراسي الحكم من سلطة إلى سلطة, وليس من دولة إلى دولة, فانحرفت مسارات مفاهيمهم الخاطئة نحو مستنقعات التخبط بين مفهوم السعي لإعادة بناء الدولة, ومفهوم السعي للحصول على الفرص المتاحة في أجواء المحاصصة السلطوية, وهذا هو سوء الفهم الذي وقع فيه الإخوة الأعداء بسبب تهافتهم على السلطة, فشحذوا هممهم للفوز بالجولة, وأهملوا الدولة, وفرطوا بمستقبلها. .
وبواقع الأمور فان تصرف الإخوة الأعداء جاء من داخل صناديق الاقتراع, أي بمنطق الانتخابات (الدستورية), التي جرى التصويت فيها في أجواء ملبدة بسحب الحماسة الطائفية والعشائرية والعرقية, من دون أن يسألوا أنفسهم عن خطوات الانتقال من (ماذا ؟) إلى (ماذا ؟), ومن اجل (ماذا ؟), ولماذا ؟؟؟. واكتشفنا بعد انتهاء الانتخابات إن ما جرى هو مجرد إعادة توزيع للحقائب الوزارية, فتوسعت دائرة شكوكنا بها, لأنها اقتصرت على تأثيث المراكز القيادية بالكراسي البديلة, من هنا لابد لنا من البحث عن القواعد السياسية المبنية على الأسس الصحيحة لضبط التوازنات في الممارسات الديمقراطية, وصيانتها من الانحرافات المزاجية المتوقعة, التي قد تخلقها ظروف الصراع العقيم بين الإخوة الأعداء, أو قد تولدها تداعيات الشد والجذب والعناد المتفجر في مناخات تتحكم فيها العقد الطائفية, فالفتن التي تتخفى اليوم وراء قناع الدين صارت هي التجارة التخريبية الرائجة في هذا الزمن الهجين . .
والله يستر من الجايات