أشقاءَنا في لبنانَ، و العراق: كُفُّوا عنَّا سفهاءَكم
أشقاءَنا في لبنانَ، والعراق:
كُفُّوا عنَّا سفهاءَكم
محمد عبد الرازق
ليس مِنَّة أن نقول: عندما قامت حرب تموز في عام ( 2006م) فتحَ السوريون بيوتهم لإخوانهم اللبنانيين، و أصبحتَ ترى سياراتهم تجوب طول سورية و عرضها، و أخرج السوريون على ما فيهم من عُسرٍ و ضيق ما ادَّخروه من متاع الدنيا، و ألقوه في أحضان إخوانهم المكلومين بسبب بطش آلة العدوان الهمجية. و ما زلتُ أذكر عندما جاءني أحد أبناء منطقتنا، و ألقى إليَّ بصرة كان فيها من ( الفكَّة ) أكثر ممَّا فيها من المئات و مضاعفاتها من الليرات السورية، و ألحَّ عليَّ أن أوصلها إلى القائمين على اللجنة المكلفة بإيصال المساعدات للأشقاء اللبنانيين، و لمَّا طلبتُ منه أن يحتفظ بها لعياله المساكين، قال بنبرة حزينة: ( يا أستاذ هذا كل ما خبئته للأيام الجاية، الله يوفقك لا تخجلني ).
أرأيت أخي القارئ نُبْل أهل سورية، و طيب أخلاقهم، و كريم أصلهم؟
و طبعًا لن أفيض في بيان ما كانت عليه الحال عندما وقع جيراننا في العراق تحت نير الاحتلال الأمريكي، و كيف غصَّت ( حلب، و دمشق )، و باقي المدن السورية بما يقرب من مليوني مهاجر منه، لا شك أنه قد ظهرت حالات من الانتهازية من بعض ضعاف النفوس الذين وجدوا في ذلك فرصة سانحة للكسب المادي من خلال محنة هؤلاء؛ إلاَّ أن عموم أبناء المجتمع السوري أظهروا من الخصال الحميدة ما فاجأ القاصي و الداني، لقد أسكنوهم في بيوتهم المعدَّة للإيجار بمبالغ رمزية، و أصبح أصحاب البقالات، و الدكاكين يبيعونهم ( دَيْنًا ) كما لو أنهم يعرفونهم من سنوات طويلة، و ما زلت أذكر قصة كانت لأحد أقاربي، جرت مع أحد هؤلاء الضيوف: و ذلك بينما كان في طريقه إلى بيته وقف ليتبضَّع ما يصنع منه طعامه، فوجد شخصًا بجواره، و عرف من خلال لهجته أنه من العراق، فسلم عليه، و أصرَّ على أن يصطحبه ليتغدّى معه، فكان ذلك.
و الطريف في الأمر أنه أبقاه عنده عدة أيام و هو لا يعرف عنه إلاَّ أنه ( أبو ثامر )، و لمَّا عاتبناه على فعلته هذه: ( كيف يأتي برجل، و يدخله بيته، و لا يعرف أصله و فصله). قال: يكفي أنه من العراق، و العراق أفديه بدمي، و مالي.
هذه هي أخلاق الشعب السوري، و هكذا هي طباعهم، لا يضنون بما في أيديهم من أجل الغريب، و لا سيما عندما يعرفون أنه من أهل المصائب، و النكبات.
و لكن تعالَوْا بنا لنرى ما حلَّ بهذا الشعب بعدما طالب بحريته؛ لقد نكأ منهم النظامُ الجراحَ، و هجَّرهم من مدنهم و قراهم، و زجَّ بفلذَّات أكبادهم في السجون و المعتقلات، و ألحقَ بهم من المصائب و الرَزايا ما جعل زعماء دولة إسرائيل ينظرون إليهم بعين الشفقة، و الحسرة ( و هُمْ مَنْ تعرف البشرية لؤمهم )، و كان من نكد الأيام عليهم أن يجدوا من قاسموهم لقمة عيشهم قد تلفَّع بدثار الطائفية المقيتة في ( لبنان، و العراق )، و سخَّر ما ملكَ من ذرابة اللسان، و حبر الأقلام، لا بل حتى السلاح، لمؤازرة نظام الأسد في وجه هذا الشعب المنتفض الذي لا يطلب شيئًا سوى حريته، و صون كرامته؛ لذلك عتبنا على إخوتنا في هاتين الدولتين أن يكفُّوا عن هذا الشعب سفهاءهم، فما عندنا يكفينا، و الله لن يترهم عملهم هذا.