لا يمكن أن تعاكس شعبا كسر الخوف والحيطة والحذر
لا يمكن أن تعاكس شعبا
كسر الخوف والحيطة والحذر
د. سماح هدايا
يحاربون الثورة بسلاح المعارضة، حتى اصبحت المعارضة حصان طروادة وقميص عثمان للانقضاض على مشروعية الثورة. ولأنّ المعارضة ترفض استيعاب بعضها ومصابة بمشكلة في الأداء، وأحيانا بضعف في الإخلاص الوطني وفي النظرة الديمقراطيّة، ولديها إشكاليّة إعادة نسخ الفكر الاستبدادي تحت مفهوم العصمة والنخبة والعصبية الحزبية؛ اتسعت الفجوة بين المعارضة والشعب، وصار رائجا اتهامها باللاوطنية والعمالة لدول عربية أو غربية. كما صار رائجا على لسان بعض أطياف المعارضة اتهام الثورة بالطائفية والعنف واستجلاب الغريب.
وعلى الرّغم من أن المعارضة السورية لايمكن ان تتوحد واقعيّاً؛ لأنها تنطلق من متناقضات متناحرة، فإنها تتحمّل جزءا كبيرا من حملة التشهير بها؛ فهناك الرجعي والمرواغ والذاتي والمغرور، وهناك من يخشى سقوط النظام، وهناك من يعمل مع خطة إصلاح النظام في برنامج النظام.
المعارضون أصواتهم مرتفعة؛ لكنهم لايحملون عصا غليظة، تخيف العدو المستبد؛ فهم شتى وقلوبهم متفرّقة. وكل فريق يهاجم الآخر. ويسعى إلى ضمه تحت ظله؛ كأن الأمر شبيه بزعامات في مسلسل يحمل مرجعيّة باب الحارة. وواقعيا؛ فإن خدمتهم للثورة قاصرة، وأحيانا معرقلة؛ فليس هناك مشاريع عمل ميدانية ظاهرة أو حاضرة. لا في المخيمات ولا في الأماكن المتضررة، ولا في ساحات الثورة، ولا على الصعيد الدولي السياسي. كلّه جهد فردي مثالي متحمّس، أو جماعي عشوائي، يفتقر للاستدامة والثبات والتنظيم، أو مزاجي انتقائي مجزوء، متعلق بانتماءات العائلة والعشيرة والقرية والحي، أو غير مستقل. فالذين ينشغلون بالتنظير أو بحساب مكتساباتهم الشخصية غير قادرين على إنجاز عمل له قيمة الدماء والتضحيات والبطولات.
عندما نكون أقوياء على الأرض، ملتصقين بروح مايحدث، تنقلب مواقفنا؛ فالمعارض الذي في الخارج، أو الذي في الداخل صامتا وحياديا يتفرّج، غير الذي يقاتل ويكافح من أجل يومه وحياته وحريته وسلامته ولقمة عيشه. الذين في داخل الصراع لايحسون بإحباط؛ فليس لديهم فراغ ليخافوا ويتأملوا، على عكس الذين في الخارج يراقبون، أو في الداخل ولا يشاركون؛ إذ تلعب بهم الأفكار والظنون والإشاعات والمخاوف والمصالح..
نظام الأسد الإرهابي يحاول تنفيس الثورة؛ لذلك لايعطي مجالا للاستراحة أو بعض الهدنة، ويعمل على دعم مكونات المعارضة المخترعة أو التي لاتعارض بقاء نظامه، وتدعم أوهام الإصلاح. لكنه يخطىء جدا حساباته؛ فاستفزازه المتواصل غذّى الثورة وألهبها. واستمرّت التظاهرات واسعة، ولم يفلح في تخفيف جذوة الثورة، بل منحها طاقة هائلة بالتحدي. ومن يراهن على التفاوض والإصلاح أو الانقلاب؛ فقد فات الأوان. النظام ذبح الناس ولا أمل في التنسيق معه لوقف القتل؛ فكيف بالحوار على الحريات والحقوق؟
الثورة ستستمر، وكان على المجلس الوطني وهو أحد وأهم مكونات المعارضة أن يقود الثورة، وأن يستفيد من شرعيته المعطاة له؛ فيسعى إلى تحقيق مصداقية بالعمل الجدي المنظّم، ويتحول من إطار تجميعي إلى مؤسسات عمل لخدمة الثورة السورية وإغاثة الشعب، وأن ينتقل فعليا وبمساحة واسعة إلى العمل الميداني، في الجانب التنسيقي لدعم الثورة ميدانيا. والعسكري والتمويلي والإمدادي لإسقاط النظام. وفي الإغاثي في إدارة المخيمات وإسعاف الأماكن المتضرّرة، مستفيدا من اللعبة الدولية؛ لكنّه، توارى بعيدا، وفقد قيمة أسهمه في الشارع السوري، بسبب ضغف أدائه وحضوره الميداني، وبسبب شراسة الحرب الإعلامية الموجهة ضده داخليّا وخارجيا، فحاولت قوى معارضة أخرى مدعومة عربيّاً أن تسحب البساط من تحت قدميه وتغتصب من الشعب بعض الشرعيّة.
النظام يحارب بعنف وخبث، لكن إلى أين سيصل؟ مجرد إطالة وقت وزيادة دمار، حتى وإن أوهم العالم بتحقيق بعض الانتصارات المؤقتة الجزئية. هو يراهن على أن تتعب الناس وتيأس ويخيب أملها في الثورة والمعارضة. لكنّ هذا سيزيد الشعب السوري ثورة وثائرين، وسيزيد حالة التطرف في النضال وفي رفض التعاطي مع النظام، ولذلك علينا أن نكون واعين شجعانا في تحديد مطالبنا الواقعيّة وتنفيذها، متخطين حالة الارتباك واللاجدوى والإحباط. الثوار ينسجمون مع مطالبهم وعلى من يمثل الثورة والمعارضة أن ينسجم مع الثورة ومطالبها التحررية، وأن يظهر إخلاصه لها، وإلا سارت الثورة في طريق والمعارضة في طريق آخر.
قطعا، لايمكن أن تعاكس الشعب الذي فقد كل شيء يخاف عليه؛ فكسر الخوف والحذر والحيطة، ولم يعد معه إلا التحدي، إذ تصبح اللاعودة هي الحتمية لمسير الثورة. والثورة السورية مشروع تحرّري، ستطيح بمفهوم عصمة الأشخاص والأسماء والتجارب والحركات والأحزاب. فلاعودة لزمن الببغاوات التي تقلّد ولاتقول قولها. ولا لزمن القردة الأذلاء التي تتذلل تتسوّل لشيء من فتات. الشعب السوري ينهض ويثور، وتتفجر براكين ذاته الداخليه؛ وفي ثورته حتميّة ترسيخ فكر جديد وثقافة جدبدة؛ فلنقم بالعمل ونضع خطط عمل ميداني مشترك، ننفذها وتتقارب الرؤى، ويجتمع تحت مظلة خدمة الوطن المختلفون.