ما الذي يحتاجه أسرانا البواسل في سجون الاحتلال الصهيوني؟
ما الذي يحتاجه أسرانا البواسل
في سجون الاحتلال الصهيوني؟
فراس حج محمد /فلسطين
تكثر المزايدات في عالم السياسة، وتتعدد الخطابات الحماسية الفارغة بطبيعة الحال من كل جديد أو مفيد، وتوظف مناسباتنا المتكاثرة من أجل عرض العضلات الإنشائية في تصفيف الكلام الذي أثبت الزمن أنه لا يسمن ولا يغني من جوع، ولا همّ لأحد من هؤلاء إلا الحضور الإعلامي عبر الفضائيات والتقاط الصور للجرائد والمجلات، أما أن يكون الأمر موظفا من أجل مصلحة عامة حقيقية فإني أشك في ذلك غاية الشك.
تمر كل تلك المناسبات المبتدعة من أجل اقتناص فرصة من أجل أن تكون مناسبة لتعطيل الحياة، فالكل مع تلك المناسبات فقط لأنها تعني أنهم سيتحررون من الدوام، فقد تبين أن من يشارك في هذه المناسبات من الموظفين الحكوميين هم نسبة قليلة جدا، لا تكاد تذكر، وأكثر الفئات فرحا بتلك العطل هم طلبة المدارس الذين وجدوها فرصة لينتشروا على جوانب الطرق متسكعين شبه ضائعين، لا يهمهم من تلك المناسبات إلا أن يخرجوا خارج أسوار المدرسة، لا يلوون على شيء ولا يهمهم أي شيء سوى ذلك.
يحدث هذا في كل مناسبة، فقد عاينت الموقف نفسه مرارا وتكرارا، وترى لهفة الطلبة على تلك العطل التي لم يكونوا يحسبون لها حسابا، فيسألون ويستفسرون ويتشوقون، معبرين عن عظيم فرحتهم تلك في هذا الذي يحدث، فليس الأمر أكثر من ذلك، فليسوا معنيين بأسرى أو وطن أو قضايا كبرى، لأنهم باختصار فقدوا الانتماء الحقيقي لهذه القيم، ولم يسع التعليم عبر استراتيجيات واضحة في تنمية تلك القيم الإنسانية الخالدة في نفوس الطلبة وتحول التعليم إلى حشو معلومات مجردة، تفرغ شحنتها عند أول امتحان، وبعدها يعود الطالب سفر اليدين عقيم التفكير، لا يشعر بانتماءاته العقدية، وإفاداته العلمية.
وحتى من حضر تلك المناسبات، فإنه لم ير أن الأمر يستحق كل ذلك، فما هي الفعاليات الحقيقية التي أفادت الأسرى مثلا، وساهمت في تعجيل ولو يوم واحد في تحريرهم من أيدي السجانين، فما هي إلا وقفات احتجاجية لحظية، ومسيرات رفع عتب، سرعان ما ينتهي أمرها، ويظل الأسير قابعا ورازحا في قيوده ومحاصرته، فهل هذا ما يحتاجه الأسير الفلسطيني في يوم التضامن معه؟ ولماذا لا يكون هناك برنامج دائم وفعلي وحقيقي للخروج من نفق الظلام والتحرر من جحر الأفعى؟؟
إن ما قام به بعض الأسرى البواسل من قرارات شخصية في اتخاذ قرار الإضراب عن الطعام لهو أكثر تأثيرا من كل الخطابات الجوفاء المنمقة ببهرج الاستعارات الخاوية من الدلالات الواقعية، فقد أحرجوا بقراراتهم الشخصية تلك القريب قبل البعيد، وأجبروا المتغطرس الصهيوني على أن يفكر مليا بما يقترف من حماقات، فهل يعقل أن يكون شخص واحد أقوى من شعب كامل وحكومة بوزراء ومكاتب وفرامانات تلقى هنا وهناك، وجلها لا يساوي الحبر الذي كتبت فيه، ولا الأوراق التي أهدرت لتحمل تلك القوانين العابثة التي أهدرتها الحياة السياسية بعبث مريع جر آلاما على أمة بكاملها؟
لعل من نافلة القول أن نقول: إن أسرارنا البواسل في سجون الظلم والقهر والإذلال لا يحتاجون لتلك الخطابات، ولا يسرهم تعطيل الحياة، والسير في مسيرات لا تنتهي إلا بتعب الأجساد والأرواح، ولكنهم يحتاجون لوقفات عز شامخة من الأمة التي يجب أن تنظر إليهم على أنهم أبطال قدموا بصمودهم وكفاحهم ما لم يقدمه حكام العرب قاطبة عن بكرة أبيهم هم ووزراؤهم وجيوشهم المفصدة في ثكنات عسكرية لحماية أمن الحاكم وأمن دولة الاحتلال.
فهل تلك المعابثات تجعل دامي العينين والكفين مؤمنا بزوال الليل، وبأن غرفة التحقيق وزرد السلاسل إلى تحطيم، إن المشاهد على أرض الواقع أن عدد أسرانا البواسل في ازدياد، وظلمة الليل في اشتداد، والمحتل المجرم يتمادى صلفا وتكبرا وعنادا، فإلى متى سنظل نحلم بأن الفجر قريب، ما دام الحكام هم الحكام، وما أن يقرب الفجر بالبزوغ حتى يتجدد الليل أشد حلكة وأظلم ساعة.
لا أدعو إلى التيئيس، ولكن أمراضنا كثرت واستفحل أمرها، وتبلد الإحساس وغفل الضمير، فلا بد من أن نخزه لعله يصحو قبل أن يموت، وساعتئذ لا ينفع الندم، ويكون العلاج الشافي الذي لم يعد ممكنا غيره هو البتر أو الكي، فقد قالوا: آخر الدواء الكي.
تحية لكل أسرى الأمة في سجون الظلمة في طول البلاد وعرضها، في فلسطين المحتلة، وبلاد العرب أوطاني، والعالم، فلننتبه لهؤلاء أيضا فهم منا ونحن منهم، ولنفكر بما ينفعهم ويفيدهم بعيدا عن كل ما هو زائف ومزيف للوعي والحقيقة.