لن تتوقف آلة القتل
لن تتوقف آلة القتل
ياسر الزعاترة
ليس ثمة عاقل كان يتوقع أن يوقف بشار الأسد آلة القتل الدموية؛ التي تمعن قتلا في الشعب السوري على خلفية الاستجابة المعلنة لخطة المبعوث العربي والدولي (كوفي أنان)، وهي الاستجابة التي تأتي نتاج قناعة النظام بقدرته على المناورة وكسب الوقت خوفا من خسارة الحلفاء الدوليين الذين يحرجهم تعنته واستمراره في برنامج الحل الأمني.
ثمة جانب بالغ الأهمية في مبادرة كوفي أنان يؤكد أن النظام لن يستجيب لها بأي حال. إنه ذلك المتعلق بإخراج الجيش من المدن والسماح بالاحتجاج السلمي، وهو جانب لو طبقه النظام لتدفق الملايين إلى الشوارع وتدحرجت الأوضاع نحو نهايته الحتمية.
يدرك النظام أن ما تروجه أبواقه حول الأقلية المعارضة والأكثرية المؤيدة، وحول الطبقة المتوسطة في دمشق وحلب ما هو إلا هراء في هراء، وأن ما يحول بين الناس وبين النزول إلى الشوارع بالملايين ليس سوى الخوف من الموت، وقبله الاعتقال الذي يبدو في ذاكرة السوريين أسوأ بكثير من الموت، وإلا فأين سكان حماة الذين خرجوا عن بكرة أبيهم قبل شهور، ولماذا لم ينزلوا بذات الزخم بعد ذلك، بينما كان شبابهم الثائر يكتفي بمسيرات محدودة، وإن تكن كثيرة العدد نهارا وليلا (يوم أمس خرج مئات الآلاف في مسيرات متفرقة رغم بقاء الجيش في الشوارع)؟!
لقد عوَّل النظام منذ البداية على عسكرة الانتفاضة الشعبية، الأمر الذي يسمح له بمواصلة القتل اليومي الذي يحول بين الناس وبين المشاركة الجماهيرية الواسعة في الثورة، مع ركون إلى قوته وقدرته الأمنية التي تمنحها إيران بخبرائها وأسلحتها ومالها مزيدا من القوة.
وفي سياق المبادرة والتعاطي معها كان النظام ولا يزال يعول على استمرار الأعمال العسكرية من طرف المجموعات المسلحة، الأمر الذي يبرر مضيه في برنامج القتل، وهي فكرة لم تكن مجدية بعد أن أعلن الجيش السوري الحر التزامه بوقف النار، فيما كان المشهد مختلفا في الجانب الآخر الذي واصل آلة القتل، بما في ذلك يوم أمس الجمعة، مع قناعة الجميع بأن من العبث مقارنة مجموعات مسلحة بأدوات بسيطة مع جيش يقصف المدن بالمدافع الثقيلة والدبابات، والمشاهد التي تبث في الإنترنت تشير إلى حرب حقيقية لا تبررها المواجهة مع شبان يحملون الأسلحة الخفيفة، لاسيما أن كل الكلام الذي قيل عن التسليح لا زال حبرا على ورق، إذ لم يحصل الجيش السوري الحر على أسلحة قادرة على صنع مواجهة تنطوي على قدر ولو محدود من التوازن. ولا خلاف على أن النظام السوري باختراقاته القوية في قوى المعارضة، بما فيها المسلحة، يدرك أن هناك مجموعاتٍ ليست تابعة للجيش السوري الحر ولا تأتمر بأمره، يمكن استغلال وجودها في ترويج مقولة المواجهة مع مجموعات إرهابية وليس انتفاضة شعبية.
اليوم يتأكد العالم أجمع أن القتل هو من صنع النظام، وأن الجزء الأكبر من الثورة لا زال سلميا، ولا يعرف إن كان فشل مهمة كوفي أنان سيؤثر في خريطة المواقف الدولية، أم ستبقى على حالها، لاسيما الدعم الروسي والصيني للنظام، مع رفض غربي لتسليح المعارضة، الأمر الذي يؤثر بدوره على الموقفين العربي والتركي.
لا حل أمام هذه المعضلة سوى استمرار التعويل على الذات، مع ما يتيسر من دعم خارجي، الأمر الذي ينبغي أن يترجم في فعاليات شعبية أكثر قوة في الداخل، مع استهداف بنية النظام الأمنية (إذا لم يتوقف القتل) في معركة استنزاف ستؤدي إلى انهياره مهما طال أمدها. وهنا نتوقع أن يبادر السوريون إلى مظاهرات حاشدة مع تراجع حدة القتل خوف ردود الفعل الدولية، الأمر الذي بدأ أمس الجمعة، ويمكن أن يستمر بعد ذلك لإثبات رفض النظام للخطة وعدم التزامه ببنودها.
لن يقبل السوريون بعد كل هذه التضحيات بحكم بشار الأسد وبنيته الأمنية والطائفية، ومن يعتقد ذلك واهم إلى حد كبير، وهذه الجحافل من الشبان الذين يخرجون بوجوههم المكشوفة لم يعد أمامهم غير استمرار القتال حتى الشهادة أو الانتصار.