الإشكالية الدولية في الحالة السورية

الإشكالية الدولية في الحالة السورية

المحامي د. محمود عطور

ضمن مقاصد هيئة الأمم المتحدة جاء في الفقرة الأولى من المادة الأولى من ميثاق الهيئة لعام 1945 "حفظ السلم والأمن الدولي، وتحقيقا لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها، وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، وتتذرع بالوسائل السلمية، وفقا لمبادئ العدل والقانون الدولي، لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم أو لتسويتها".

من الناحية النظرية أقر الميثاق وجود الأركان اللازمة لتحقيق الأمن الجماعي للمنظومة الدولية ضمن قواعد أهمها وجوب الإمتناع عن اللجوء الى إستخدام القوة بين الدول ومن باب أولى داخل الدول ، وحث الميثاق على حل المنازعات سلميا وإحترام المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان ، ويأتي حفظ السلم الأهلي وحماية المدنيين في مقدمة الأولويات لتحقيق الأمن الجماعي ، أما في حال إستمرار إنتهاك قواعد القانون الدولي خلافا لمقاصد الأمم المتحدة ومبادئ حقوق الإنسان فإن هذا يستدعي تدخل دولي إنساني بإجراءات إصطلح على تسميتها عمليات حفظ السلام .

لم يرد مفهوم واضح لعمليات حفظ السلام في ميثاق الأمم المتحدة ، هذا الغياب أدى إلى طرح سؤال قانوني جوهري حول مدى إمكانية القيام بمثل هذه العمليات التي يكون الغاية فيها حفظ الأمن والسلم على المستوى الدولي أو المحلي تحت غطاء الأمم المتحدة تستطيع معه المنظمة الدولية تأمين القيام بعمليات حفظ السلام وإجازتها قانونيا وعمليا عندما تنشأ نزاعات مسلحة أو تقوم حالات يستخدم فيها السلاح أو أعمال العنف والتخويف التي يجري معها إنتهاك جسيم لحقوق الإنسان بشكل يهدد حياة المدنيين ، كما هو الوضع في الحالة السورية .

إحتلت الحالة السورية مكانا ضمن إهتمام الأسرة الدولية نتيجة مواجهة النظام القائم في دمشق للمطالب الشعبية المنادية بالحرية والكرامة بالقمع والتنكيل وإنتهاك القانون الدولي الإنساني ومبادئ حقوق الإنسان ضمن خطة ممنهجة باستخدام القوة المفرطة والأسلحة الثقيلة إتبعها النظام ضد المدنيين بشكل متكرر وعلى نطاق واسع في مختلف المحافظات السورية ، لم يستطع مجلس الأمن التحرك السريع الفعال بحجة إستخدام الفيتو الروسي الصيني ، فتم اللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بناء على طلب المملكة العربية السعودية فأصدرت الجمعية قرارا بتاريخ 16/2/2012 بموافقة أغلبية دول العالم (137) دولة تدين فيه السلطات السورية لإنتهاكها حقوق الإنسان ويطلب القرار الوقف الفوري لأعمال العنف المسلح وحماية السكان ، الإفراج عن المعتقلين ، سحب جميع القوات المسلحة وعودتها إلى ثكناتها ، ضمان حربة التظاهر السلمي ، السماح لوسائل الإعلام والهيئات المعنية بالوصول إلى أماكن الحدث .

لم يستجب النظام السوري للقرار الأممي الذي تم إتباعه بتعيين موفد خاص لتحقيق حفظ السلام قام بدوره بوضع خطة يحتل فيها وقف العنف مكان الصدارة هذه الخطة في بنودها لا تختلف عما ورد في قرار الجمعية العامة ومن قبلها جامعة الدول العربية ، كما تدخل مجلس الأمن ببيانين رئاسيين حتى الآن ومن هنا يثور التساؤل لماذا سمحت روسيا بإصدار بيانين رئاسيين عن مجلس الأمن بالتوافق بين جميع الأعضاء في حين إستخدمت الفيتو لإجهاض كل مشروع قرار للمجلس ، على ضوء البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن بتاريخ 5/4/2012 بشأن الحالة في سوريا فإن هذا البيان قد حدد ثلاثة أهداف رئيسية ضمن إطار الخطة التي إقترحها المبعوث المشترك الأممي العربي السيد عنان تتمثل بوقف إستخدام الأسلحة الثقيلة في المدن ومحيطها وسحب الحشود العسكرية منها ، التسوية السياسية للأزمة السورية للوصول إلى نظام ديمقراطي ، تفعيل مبادئ المساعدة الإنسانية وتسهيل وصولها ، وبكل الأحوال فإن هذا البيان وما سبقه لا يتناسب مع حجم التضحيات التي يقدمها الشعب السوري ولا يلبي طموحاته بالتغيير السياسي المنشود بل يبقي الأزمة قائمة .

للإجابة على التساؤل فمما لا شك فيه أن روسيا تتعامل مع الحالة في سوريا بمنظار مصالحها الخاصة فهي لا تدافع عن قيم ومبادئ تريد ترسيخها بقدر ما تريد تحقيق مكاسب والحفاظ على موقعها كقوة عظمى في العالم ، فبعد خسارة هيمنتها على أوروربا الشرقية وأمام خطط الغرب نصب الدرع الصاروخي على مقربة من حدودها وتعاملها مع الملف الإيراني وتزويدها إيران بمعدات المفاعل النووي تريد أن يكون لها موطئ قدم في منطقة الشرق الأوسط بتحالفات إقليمية معروفة ، إن توجه الدول العربية نحو الجمعية العامة قد يؤدي إلى تقليل التأثير الروسي بالقرار الأممي فمن هنا جاء التحرك الروسي للتأييد المقنن في تعيين المبعوث الأممي العربي المشترك وتأييد خطته الفضفاضة التي أعطت النظام السوري مهل جديدة للقتل والتنكيل ، وحتى المهلة المحددة في العاشر من نيسان لوقف العنف وسحب القوات المسلحة إنما جاءت بتصريح السلطات السورية وإعلانها عن هذا التاريخ إستجابة على حد قولها للقرار الأممي وخطة المبعوث الدولي ، على الرغم من أن العالم لا يثق بالوعود التي أطلقها النظام السوري فإن هذه المهلة لا تعني إستمرار القتل وهو ما نشاهده يوميا والعالم ما زال يتفرج ، فأصبح وضع الشعب السوري على المستوى الدولي ضحية طرفين ، طرف غير مبال بالقدر الكافي يتحرك ببطء وإستحياء وطرف يبحث عن مصالحه لا يقيم وزنا للمبادئ والحياة الإنسانية ، التوجه الروسي يريد أن يبقي الملف السوري تحت تصرف مجلس الأمن لتتحكم به روسيا على ضوء ما تفرضه مصالحها ، والشعب السوري البطل هو من يدفع الثمن بدمائه وأرواح أبنائه ، فأي مصالح تبرر إستمرار القتل خلافا لكل القيم الإنسانية والأعراف الدولية على روسيا وحلفاء النظام السوري الإجابة على ذلك .