وقفة مع الربيع العربي
وقفة مع الربيع العربي
د.عدنان علي رضا النحوي
انتشر مصطلح " الربيع العربي " في الآونة الأخيرة انتشاراً كبيراً ، وحمله الإعلام إلى جميع أصقاع الأرض . وكان الناس في العالم العربي بين مؤيّد يرى الأحداث التي عمت العالم العربي خيراً وربيعاً ، وبين مخالف يرى الأحداث خريفاً وتدميراً وخسراناً .
المشكلة تقع في الدرجة الأولى في " الميزان " الذي توزن به الأمور . فهل كان لدى هذا الفريق أو ذاك ميزان يحدّد له الرؤية ويبيّن له منزلتها ؟!
إن الواقع يكاد يكشف لنا أنه لم يكن هناك ميزان حقٌّ لدى هذا الفريق أو ذاك ، وأن الهوى والمصالح الذاتية الدنيوية هي الميزان .
ونودُّ أن ننظر إلى الأحداث ومصطلح الربيع العربيّ من خلال ميزان ثابت حق هو الإسلام ، وهو الكتاب والسنّة ، هو المنهاج الرباني قرآناً وسنّة ولغة عربيّة ، هو ميزان المؤمن !
ابتدأت الأحداث من تونس وامتدّت إلى سائر أَقطاع العالم العربي ، وربما يتسع نشاطها . ولكنها بهذه البداية والامتداد كشفت لنا حقيقة هامة ، ألا وهي أنه بالرغم من تشابه الشعارات إلا أنَّ العالم الإسلامي ممزّق كلّ التمزّق ، عقاباً من الله أو ابتلاءً منه ، وأنّ هذا التمزّق كشف أنه لا توجد الأمة المسلمة الواحدة الخاضعة لشرع الله ، الخاضعة كلها لدين الله إيماناً وممارسة وشعارات ، تربطها أُخوة في الله صادقة ، كما أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم .
إن هذا التمزّق الواضح يزيل مصطلح " الربيع " ، وزاد الأمر فتنة أن الربيع كما أَسموه أهلهُ ربيع عربيّ . فالهمّ الإسلامي بهت أو خفّ أو اختفى . وغلب مصطلح العرب والعروبة والعربي على مصطلح الإسلام والمسلمين والإسلامي . ولا يمنع هذا من ظهور مصطلح الإسلام ومشتقاته بين حين وآخر مع انحراف واضح عن الكتاب والسنة . حتى كاد يصبح الإسلام شعاراً دون محتوى على أفواه بعض المنادين . ولم يغلب مصطلح العروبة فحسب ، وإنما غلب كذلك مصطلح "الديمقراطية " وأمثالها .
ومصطلح الديمقراطية ، وقد أصبح على لسان كثير من دعاة الإسلام ، هو مصطلح دفعهُ الغرب إلى ساحة العالم الإسلامي مع ما استطاعوا أن يلصقوا به من زخارف باطلة وزينة خادعة . ومع ذلك فقد عمّ وطغى . وأصبح الغرب بقيادة أمريكا أكثر جرأة في محاربة الإسلام ، كما يكشف لنا ذلك تقرير مؤسسة راند الأمريكية ، التقرير الذي رددنا عليه بكتابنا : " إسلام ربّاني لا إسلام ديمقراطي " ! وما ورد في تقرير مؤسسة راند من هجوم على الإسلام من خلال شعارها الديمقراطية هو نفس ما كتبه نيكسون في مهاجمته للإسلام في كتابه الأخير خاصة " ما وراء السلام " . وكذلك " زعيم حزب الحرّية الهولندي خيرت فليدز " الذي يدعو إلى جمع شمل القوى المناوئة للإسلام في جبهة واحدة . وهناك حركات كثيرة أخرى ومنظمات وضعت جهدها الرئيس في محاربة الإسلام . ويحتضن هذه الحركات كلها العالم الغربيُّ العلماني النصراني الصهيوني الديمقراطي ، ويغدق عليها الأموال ، ويمهّد لها السبل ، ويمدّها بكل أنواع الدعم .
إن الحرب على الإسلام مازالت ممتدّة حتى اليوم وستظل ممتدة إلى ما شاء الله ، منذ أن ابتدأت أيام الرسول صلى الله عليه وسلم . وأكبر نصر حقّقته هذه الحرب هو إسقاط الخلافة الإسلامية ، ثم تمزيق العالم الإسلامي . واليوم بدأوا كما يبدو بمرحلة جديدة من حربهم على الإسلام ، مرحلة تتمثل في خطوتين رئيسيتين : الخطوة الأولى إبقاء العالم الإسلامي متخلفاً لا يملك من القوة ما يدفع عن نفسه أذاهم وخطرهم ومؤامراتهم . والخطوة الثانية تجريد الإسلام من محتواه الحقيقي في أذهان الكثيرين وإبقاؤه شعاراً يُخفي حقيقة الحرب والمؤامرة . ومن خلال ذلك يمكن أن يمتدَّ تمزيق العالم الإسلامي إلى أكثر مما مزقوه . ومن خلال هاتين الخطوتين يمكن المضيّ في إبقاء العالم الإسلامي متخلّفاً ضعيفاً ، ممزَّقاً ، يبتعد عن إِسلامه الحقيقي من خلال أي محاولات للتقدم والتطور ، وكأنهم يريدون أن يجعلوا التطور والتقدم في العالم الإسلامي مرتبطاً بالتخلّي عن جوهر الإسلام وحقيقته ، والاكتفاء بالشعار الفضفاض .
ونود أن نؤكد القاعدة التالية التي ذكرناها في أكثر من كتاب ، وهي أنه " إذا التقى فريقان فريق له نهجه وخطته وأهدافه وفريق ليس له إلا الشعار ، فإن الفريق الأول يستطيع أن يحول جهود الفريق الثاني لصالحه هو " .
إن الغرب العلماني النصراني الديمقراطي الصهيوني لا يقف متفرّجاً على أحداث ما أسموه بالربيع العربي ، ففي كل بلد إِسلامي له مصالح تدفعها قوّة غاشمة له ، قوة من التقدم الصناعي والعلمي والعسكري مما لا يتوافر لدى أقطار العالم الإسلامي ، ومحور هذه المصالح هو نهب ثروات تلك البلاد من بترول وخلافه ، وتسويق منتجاتهم وجعل العالم الإسلامي سوقاً لبضائعهم . إنها معركة مستمرة لم تتوقف إلا من جانب المسلمين الذين غفوا أو ناموا .
ومن أخطر مظاهر هذه الحرب الممتدة الغزو الفكري الذي تسلّل إلى جميع أقطار العالم الإسلامي ، وتكوّن له أتباع وجنود من أبنائنا يحملون رسالة هذا الغزو الفكريّ ليفسدوا أبناء المسلمين ، ويخرجوا من استطاعوا إخراجه من دينهم وعقيدتهم الإسلام . فأبعدوهم عن لغتهم العربية ، وانتشرت اللغة العامية أو لغات الغزاة المجرمين . وبذلك ابتعد هؤلاء عن الكتاب والسنة ، فكَثُرَ الجهل بين المسلمين بدينهم ، حتى عمَّ الجهل قطاعاً كبيراً من الأُمة ، وتسللت الفتنة في نواح كثيرة : نساء يجاهرن بخلع الحجاب ، وإبداء الزينة ، وخلاف ذلك من أشكال التهتك ، ترك الصلاة كلية لدى بعضهم ، وترك سائر الشعائر جهاراً نهاراً بجرأة ، ومحاربة الإسلام علانية بين حين وآخر ، وتسلل نظام الحياة الغربية إلى معظم ميادين المجتمعات الإسلامية ، ابتداءً من اللباس حتى القضاء والقانون والحكم .
من هذا الواقع المتهالك في العالم الإسلامي انطلقت الثورات ابتداء من تونس فمِصْر ، فليبيا ، فاليمن ، فسوريا ... الخ فهل وجدنا أن هذه الثورات قامت لتنصر دين الله ، وتنصر الله ، هل قامت بنهج وتخطيط نابع من دين الله ؟! وبأهداف ربانيّة واضحة تنصر رسالة الإسلام وتحملها لتنشرها . إذا كان زين العابدين بن علي قد أباح السفور والبكيني فالذين جاؤوا بعده أقرّوا ذلك وأباحوه تحت شعار الإسلام ، وقس على ذلك سائر المواقع حيث لا تجد من الإسلام إلا أحزاباً متصارعة وشعارات خاوية ، وإقبالاً على الانتخابات والبرلمانات ليؤكدوا شعار الإسلام دون محتواه الكامل .
ومن أهم آثار هذه الثورات ، ثورات الربيع العربي ، أن معظم بلاد العالم العربي التي قامت فيها ثورات الربيع ، لم تجن حتى الآن من الثورة إلا أن هُدّمت الديار بأيدي أبنائها وغير أبنائها ، إلا أن العامل المهدّم الرئيس هو أبناء البلد أنفسهم حيث تعطلت معظم مظاهر الحياة فيها لأشهر عديدة : فهُدّم الاقتصاد ، وتَعطَّل التعليم ، والتجارة ، والسياحة ، واضطرب الأمن وعمت الفوضى ، والنهبُ والاعتداء ، وتعطل وهدم كثير من نواحي الحياة ، ومازال التهديم مستمراً ، وانحسار الإسلام الحق كما جاء من عند الله مازال مستمرّاً مع بقاء الشعار أحياناً .
لقد أصبح عدد من كبار الدعاة المنتسبين إلى الإسلام ينادون بالدولة المدنية ، وبأن النصراني يمكن أن يرأس الدولة الإسلامية ، أو أن ترأسها امرأة صالحة ، وأن تستمتع المرأة المتكشفة الخالعة لحجابها بالبكيني على شواطئ البحار ، وأن من يشرب الخمر لا بأس عليه ، إلى غير ذلك من الآراء والفتاوى الضالة المضلّة .
ويزعم هؤلاء أن هذه مرحلة يجب فيها التنازل عن بعض الإسلام أو عنه كله حتى تقوى شوكة الموهومين ، فيقيموا الإِسلام حسب زعمهم . ولقد رددنا على هؤلاء أينما كانوا بكتابنا :
" الثبات على الحق بين الابتلاء والصبر "
هذا هو أمر الله لرسوله ولعباده المؤمنين مع أول رسالة مع نوح عليه السلام إلى أخر رسالة مع النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم ، ومع صحابته الأبرار ، والمؤمنين المتقين العاملين الصادقين مدى الدهر ، بنصوص ثابتة بيّنة في منهاج الله قرآناً وسنة ، وفي ممارسة صادقة من المتّقين الصادقين .
من خلال هذا التفلّت والتهاون والانحراف يزداد تسلل قوى المجرمين في ما أسموه ربيع العالم العربي تسلّلاً ظاهراً مكشوفاً ، أو تسلّلا خفيّاً ، يزداد ضعف المسلمين وهوانهم بين عمائر مهدمة ، وقتلى متناثرة ، وصراخ يدوّي ، واستنجاد بالغرب ... الخ .
ولكنّ الثورات لم تنته في أي قطر من أقطار الربيع العربي ، فما زالت تحاول أن تلملم جراحها ، وان تخفي هوانها وذلها ، ولا بد من الانتظار حتى نرى النتائج الكلية .
ومن هذا العرض السريع لما أسموه الربيع العربي ، نعتقد أن ما تمّ هو تخطيط من الغرب بقيادة أمريكا لتغيير جميع أنظمة الحكم في البلاد التي نجحوا فيها علماً أن هؤلاء الحكام الظالمين المفسدين الذين سقطوا قد أتى بهم أولئك المجرمون في العالم الغربي العلماني النصراني الصهيوني . قد أتوا بهم وثبّتوهم على كراسي الحكم ، حتى إذا انتهى دورهم ، وانتهت مصلحتهم معهم انقلبوا عليهم وأسقطوهم وطاردوهم .
إن هؤلاء المجرمين لا عهد لهم ولا ذمة ، ولكن لهم مصالح تتغير وتتبدل ، فتتغيّر مواقفهم وتتبدل ، والتاريخ أصدق شاهد على ذلك .
هنالك أسئلة يجب الوقوف عندها والبحث عن إجابة لها ! فهل يعقل أن تتحرَّك شعوب تونس ومصر وليبيا وسوريا والجزائر والصومال واليمن ، كلها في وقت واحد ، وبشعارات واحدة ، واستنجاد واحد بالغرب كما حدث في ليبيا ؟! هل يُعقل أن يكون الغرب العلماني الذي أشرنا إليه بعيداً كل البعد عن هذه الأحداث ، ليس له موقف إلا أن يتطلّع كأنه لا يعنيه من الأمر شيء ، أو كأنه ليس له مصالح يتابعها سرّاً وعلانية .
أمريكا أتت بشاه إيران وأمريكا أزاحته وشرّدته وأذلته . أمريكا أتت بحسني الزعيم في سوريا وحرضته على عمل انقلاب على شكري القوتلي ، وأمريكا ذاتها انقلبت عليه ودبّرت قتله . أمريكا أتت بحسني مبارك وهي التي على الأقل تخلّت عنه .
اكتشفت مصر خلال الأسبوع الماضي شبكات أمريكية غير قانونية في القاهرة تنشط وتنفق الأموال ، وأُعلن ذلك في جميع وسائل الإعلام ، واعتقلت الحكومة أعضاءها وضجت أمريكا وهددت ، وجاء مسؤول كبير يتفاوض مع رئيس المجلس العسكري الطنطاوي . ثم أفرج عن الأمريكان وغادروا إلى بلادهم .
وسابقاً صرح عبد السلام ضعيف سفير طالبان في باكستان بأن سبب هزيمة طالبان أن الصف الأمامي المقاتل اشترته أمريكا وباع نفسه لها . ولما تحرّك صدام حسين قبل سقوطه إلى شمال العراق ، صرّحت بعض الصحف أن أمريكا استطاعت أن تنقذ عشرين ألف عائلة عراقية من عملائها هناك ، خلاف الذين اعتقلهم صدام .
الدول الغربية مدت أيديها وأرجلها وأنفها في شؤون العالم الإسلامي ، وسهّل ذلك ضعف العالم الإسلامي من حيث القوة العسكرية ، ومن حيث التمسك بالإسلام ، وسائر أَسباب الضعف .
وفي كتاب " بوش محارباً " يشرح المؤلف كيف استطاعت أمريكا من شراء نفوس بعض القبائل التابعة لطالبان ، والقبائل التي كانت تابعة لأحمد شاه مسعود .
سَهُل على الغرب العلماني النصراني الصهيوني الديمقراطي شراء ضمائر كثير من المنتسبين إلى الإسلام ، بعد أن أصبحوا غثاء كغثاء السيل ، كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :
فعن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة على قصعتها . فقال قائل : ومن قلةٍ نحن يومئذ ؟! قال : بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل . ولينزعنّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفنّ الله في قلوبكم الوهن " فقال قائل : يا رسول الله ! وما الوهن ؟! قال : " حبُّ الدنيا وكراهية الموت " . [ رواه أبو داود وأحمد وغيرهما]([1])
إن هذا الحديث الشريف يصوّر واقع المسلمين اليوم أصدق تصوير وأدقه .
ولم يقف الأمر عند نكوص كثير من المنتسبين إلى الإسلام عن دينهم ، ولكن امتدت المأساة إلى أن اتبع هؤلاء مذاهب الغرب العلماني النصراني الصهيوني ، وأصبحوا من دعاتها الملتزمين بها . وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينبئ من وراء الغيب عن هذه الحالة كما أنبأ من وراء الغيب كما ورد في الحديث السابق .
فعن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لتتبِعُنّ سُنَنَ الذين من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع ، حتى لو سلكوا جحر ضبٍّ لسكتموه " قالوا : اليهود والنصارى ؟! قال : " فمن ؟! " [ أخرجه أحمد والشيخان وابن ماجه والحاكم] ([2])
وفي رواية أخرى : " لتركبنّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع ، حتى لو أن أحدهم دخل جُحر ضبٍّ لدخلتم ، وحتى لو أن أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه "
[ أخرجه الحاكم عن ابن عباس ، والبزار والدولاني وصحيح الجامع الصغير وزيادته (رقم :5067)
والله سبحانه وتعالى يأمرنا ويقول :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) [ المائدة :57]
ولكن واقع المسلمين اليوم يكشف لنا أن كثيراً من المسلمين اتخذوا أولياء من أهل الكتاب ومن الكفار ، يستنجدون بهم ، ويطلبون حمايتهم ، ويعطونهم ولاءهم ، على صورة زادت من تمزّق المسلمين وتفرّقهم مع تفرّق الولاء والموالاة ، وزادت من عقاب الله سبحانه وتعالى .
وجاءت أحداث الربيع العربي في سوريا لتكشف لنا صوراً من هذا الولاء المنحرف ، وصوراً من تمزق الأمة ، وصوراً من مصالح الدول الكبرى المختلفة المتضاربة ، وجاءت هذه الأحداث لتكشف الوهن والخلل الذي أصاب المسلمين ، والضَّياع الذي يمزقهم ، وغياب التصورات الربّانية الإيمانية عن الشعارات والنداءات والصراخ والدويّ .
أصبح الشعار الرئيس الذي تنادي به الشعوب هو " الديمقراطية " ، التي نادى بها الغرب ، وأمريكا بصورة خاصة ، والتي نادت بها مؤسسة راند الأمريكية ونادى بها نيكسون في عدد من كتبه ، والتي أصبحت رسالة الغرب المزيفة إلى العالم ليديروا من خلالها فواجع الحروب في الأرض كلها . وأما بالنسبة للعالم الإسلامي فإنهم يريدون إحلال هذه الديمقراطية المزيفة مكان الإسلام ، من خلال دعوتهم إلى " إسلام ديمقراطي " ! ورددت الشعوب المسلمة هذا الشعار يظنون أن فيه النجاة ! ولكن ما هي النجاة ؟! إنها فتنة وبلاء وهوان في الدنيا ، وعذاب شديد في الآخرة بين يدي الله سبحانه وتعالى .
وإذا كان الحديثان الشريفان السابقان يتحدّثان عن واقع في عصرنا الحالي ، فهناك حديث آخر يصور قضية من قضايا الوهن والانحراف بين المسلمين :
فعن أبي أمامة عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " لتنقضَنَّ عُرى الإسلام عروة عروة ، فكلما نُقِضَتْ عروة تشبّث الناس بالتي تليها فأولهن نقضاً الحكم وآخرهن الصلاة "
[ أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم]([3])
وتأتي هذه الأحاديث الشريفة ، كما نعتقد ، لتنذر المسلمين ولتُحذرهم من خطر مقبل ، يأتي بقضاء الله الحق وقدره ، ويُرْفَع بقضاء الحق وقدره ، إذا نهض المسلمون إلى حقيقة عهدهم مع الله ، وإلى الوفاء بمسؤولياتهم وتكاليفهم الربانية . فالنصر من عند الله وحده ، ينزل إذ أوفى المؤمنون بعهدهم مع الله !
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) [ محمد :7]
(1) سنن أبي داود ، كتاب الملاحم (31) /5/4297 . أحمد :5/278. صحيح الجامع الصغير وزيادته (رقم :8035) . سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني (رقم :958) . وذكر الألباني أنه أخرجه كذلك : ابن عساكر ، وابن أبي الدنيا ، والبزار ، وأبو نعيم في الحلية .
(2) صحيح الجامع الصغير وزيادته (رقم :5063) .
(3) صحيح الجامع الصغير وزيادته (5075) .