ملاحظات حيوية في المسألة السورية

ملاحظات حيوية في المسألة السورية

المحامي د. محمود عطور

أولا : وضع المعارضة

- مما لا شك فيه أن حركة الشعب السوري في الشارع فاقت بشجاعتها وسلميتها وقدرتها على الإستمرار كل التوقعات وسبقت كل قوى المعارضة ، كما أن أغلب المشاركين في الثورة هم من الجيل الذي ولد ونشأ وتربى في ظل حكم الحزب الواحد فأغلبية الشباب المشاركين هم في أعمار تتراوح بين العشرين والخامسة والثلاثين عام والذي عمد النظام إلى تنشئتهم على تربية الحزب القائد من طلائع البعث إلى شبيبة الثورة فالفتوة إلى المعسكرات الجامعية والتجنيد الإلزامي (بغسيل دماغ كامل على نهج حزب واحد قائد للدولة والمجتمع) ، إلا أنه يسجل عليه فشله في هذه التربية فنشأ جيل محب ومضحي في سبيل الحرية والكرامة مقاوم للإستبداد والفساد أسقط حاجز الخوف وتوجه الشعب بقيادة هؤلاء الشباب لمجابهة الظلم والقهر بحركة سلمية إحتجاجية بطولية أفقدت النظام توازنه وأظهرته على حقيقته ، فإستخدم السلاح الذي دفع ثمنه الشعب كما تسجل الميزانية الرسمية السورية بنسبة 60% منها يخصص لأغراض الدفاع بحجة تحقيق التوازن الإستراتيجي مع إسرائيل لإستعادة الأرض المحتلة ، فلم يستعد شبر من هذه الأرض ووجه السلاح نحو الشعب الأعزل ، فتحية إكبار وإجلال للشعب السوري الأبي .

- ما زال يوجد بعض القصور في جمع أطياف المعارضة ضمن فريق عمل واحد أو على الأقل أكثرها ومن هنا فإن الإقتراح بإيجاد جبهة وطنية تستطيع ضم أطياف المعارضة تحت جناحها وتبرز الأهمية على ما يلي :

1. إن أطياف المعارضة المنطوية تحت مظلة الجبهة الوطنية السورية (المقترحة) يجب أن تكون متفقة على ضرورة تغيير هذا النظام بكافة أركانه ورموزه ونهجه.

2. إن توحد قوى المعارضة أو على الأقل غالبيتها سيكون سببا لرفع مستوى إهتمام العالم بالمسألة السورية وتوفير الدعم الملائم لها

3. إيجاد ممثليات لقوى المعارضة السورية الموحدة (الجبهة المقترحة) للتواصل الدائم مع أصحاب القرار في مختلف دول العالم

4. قد تختلف أطياف المعارضة على آلية تغيير النظام ومن هنا تبرز أهمية الإستجابة لمطالب الشعب الآنية في :

- العمل على وقف آلة القتل أولا وبكل الوسائل

- توفير الحماية اللازمة للمدنيين

- معالجة الجرحى

- العمل على إطلاق سراح المعتقلين

- إغاثة المنكوبين وتأمين الملاذ الآمن للمشردين

- دعم مناطق الأقليات خصوصا التي تخرج بمظاهرات مناوئة للنظام

جميع الوسائل المتاحة مقبولة وكل من يرفض هذه التوجهات من أطياف المعارضة يكون محل مساءلة من قبل الشعب وبذلك تظهر الصورة الحقيقية لكل طيف من أطياف المعارضة .

ثانيا : الوضع العربي – الإسلامي

- لقد أظهر مؤتمر تونس إضافة لغياب قوى دولية مؤثرة (روسيا ، الصين من القوى العظمى في العالم إيران من القوى المؤثرة إقليميا) وإنسحاب وزير خارجية المملكة العربية السورية إحتجاجا على عدم فعالية المؤتمر ، ولأن العالم مهتم قبل كل شيء بمصالحه وأزماته وإقتصاده وحملات قادته الإنتخابية ، فإن المسألة السورية تأتي في مرحلة غير متقدمة لهذا العالم وكل مناشدة أو تصريح أو بيان إنما يكون من باب المجاملة وتحقيق مطالب ذاتية ، ومن هنا فإن التواصل مع منظمات المجتمع المدني والأحزاب في مختلف دول العالم لتبني مطالب المعارضة والشعب السوري لتكون عامل تأثير فعال وإيجاد رأي عام ضاغط لخدمة قضيتنا لدى مختلف حكومات العالم والمنظمات الدولية والإقليمية .

- إن موقف المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي وكذلك تركيا هي مواقف متقدمة للمسألة السورية على الرغم من تعقيدها ومن الضروري إستثمار هذه المواقف وتفعيلها وتصعيدها على أساس قاعدة أن تداعيات المسألة السورية في ظل المخطط الإقليمي لن تكون مقتصرة على سوريا وشعبها وإنما ستؤثر على مختلف دول المنطقة خصوصا الخليجيةمنها على ضوء سعي إيران في أن يكون لها الدور الفعال الرئيس وصاحبة الهيمنة في الجوار الإقليمي والتي تحاول أسر المنطقة ودولها وتسخيرها خدمة لأهدافها ومصالحها ، لقد نجحت إيران في بسط نفوذها على العراق وتريد أن تصل إلى شواطئ المتوسط عبر سوريا مرورا بطريقها الآمن في العراق ، مما سيمكن لها نفوذا على الخليج العربي وشواطئه ، كما أقامت إيران علاقات متوازنة مع أفغانستان وتحسن علاقاتها مع دول وسط آسيا وتمتد في إقامة مصالح إقتصادية مع دول في أمريكا اللاتينية مما يجعل لها ثقلا قويا مؤثرا ، إن عدم نجاح الثورة السورية يخدم المخطط الإقليمي المذكور ونجاحها نجاح لباقي دول المنطقة ، ومن المهم إيصال القناعة أن الشعب السوري في مطالبته بتغيير النظام إنما يسعى لتحقيق حريته وأيضا لإفشال هذا المخطط وهذا ما يعود بالنفع عليه وعلى دول المنطقة وبذلك فإن المعركة واحدة والمصير واحد مما يوجب الحصول على دعم وتأييد ومباركة هذه الدول خدمة لمصالحها الإستراتيجية .

- وعليه فإن إستراتيجة المرحلة القادمة يوجب أن يكون في الإعتماد على رأس حربة تتمثل في هذه الدول (الخليج وتركيا) لإجراء التغيير المنشود في سوريا وإن كل تدخل إنما يكون من خلال المظلة العربية-الإسلامية وهذا يستدعي :

1. تفعيل دور جامعة الدول العربية بتبنيها قرارا لتشكيل قوة تدخل عربية (مثل قوات الردع العربية ، قوات درع الجزيرة في البحرين ، وغيرها من قوات إفريقية في الصومال ...)

2. تفعيل دور منظمة التعاون الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي والإتحاد العالمي لعلماء المسلمين وأي جهد إسلامي بهذا الخصوص لتهيئة الرأي العام وضغطه في القبول والمناداة بضرورة التدخل العربي-الإسلامي لحقن دماء الشعب السوري وحصوله على حقوقه المشروعة في الكرامة والحرية .

3. تكثيف الإتصال مع باقي الدول الإسلامية (ماليزيا ، اندونيسيا ، الباكستان ، دول أسيا الوسطى ... ) للحصول على موقف واضح بإدانة جرائم النظام ومحاصرة إيران في موقفها الداعم للنظام لمحاولة الحد من فاعليته وتخفيف آثاره وتبني هذه الدول موقفا صريحا في الوقوف إلى جانب الشعب السوري في مطالبه المشروعة وتأييد المعارضة في مشاريعها لإسقاط النظام وتغييره .

ثالثا : الوضع الإقليمي 

- لا شك أن سوريا تحتل مكانة مميزة في منطقة المشرق ولها ثقلها وتأثيرها ، لقد شاركت سوريا رمزيا في التحالف المناوئ لحكم الرئيس الراحل صدام حسين لإخراجه من الكويت ، ووقفت موقفا متفرجا وإن كان متعاطفا من التدخل الأمريكي لإسقاط النظام في بغداد ، ثم دعمت بعض قوى المعارضة العراقية بهدف زعزعة إستقرار العراق مما مكن لإيران بسط نفوذها وهذا يفسر إلى حد ما تغير لهجة خطاب حكومة العراق تجاه سوريا التي كانت محل إتهام في تمرير الرجال والسلاح إلى أرض العراق لتحل محلها لهجة الوقوف إلى جانب النظام السوري في تصديه للثورة السورية ووجوب الحل على أساس من الحوار مع النظام حتى لا تخضع البلاد للمؤامرة الخارجية كما يظهر الموقف الرسمي العراقي .

- لعبت سوريا دورا مؤثرا في دعم حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية سياسيا وإعلاميا وأمنت لقياداتها الملاذ الآمن والدعم اللوجستي ، بالمقابل فإن لسوريا تأثيرا إقتصاديا كبيرا على الأردن كما تعتبر مسيطرة على جزء أساسي ومهم من المياه المتدفقة إليه ، إن كانت قوات النظام السوري خرجت من لبنان الذي تم الإعتراف به كدولة مستقلة وتم إفتتاح سفارة سورية لأول مرة في بيروت فإن النظام ما يزال يحظى بدعم وتأييد بعض القوى اللبنانية المؤثرة على الساحة الداخلية اللبنانية خصوصا حزب الله ومليشيات الحزب العربي في طرابلس وبعض الفعاليات الأخرى مما جعل الحكومة اللبنانية تنأى بنفسها عن الأحداث السورية وتتخذ موقفا رافضا لأي إدانة توجه للنظام السوري .

- إرتبطت سوريا بإتفاقات مصالح مع تركيا وعلاقة صداقة في السنوات الأخيرة غير أن الموقف التركي الرسمي والشعبي يبدو الأكثر وضوحا وتأييدا للشعب السوري في مطالبه بالتغيير السلمي .

- أما إسرائيل فلا شك أنها ليس فقط لا تريد تغيير النظام بل مما لا شك فيه أنها تبذل مساعيها للإبقاء عليه لأنه يحفظ أمنها ويوفر لها إستمرار إحتلال هضبة الجولان التي تمد إسرائيل بما يقارب 37% من المياه من مختلف المنابع مما يجعل تغييره بنظام سياسي غير محدد المعالم خطرا على أمنها وربما هذا ما يفسر عدم المبالاة العالمية لمجريات الأحداث في سوريا والتعامل معها على إستحياء وعدم إتخاذ موقف واضح وصريح ومدعوم لتغيير النظام ، ومن هنا نجد المفارقة أن دعم النظام السوري إقليميا يأتي من طرفين (إيران وإسرائيل).

- هذا الوضع المعقد يعيدنا ثانية إلى وجوب التداخل العربي-الإسلامي لإيجاد مخرج يحقق للشعب السوري طموحه بالتغيير الديمقراطي الذي يصبو إليه ، إن القوى العالمية لن تتحرك بفاعلية ما لم تكن مصالحها مهددة وخير دليل على ذلك المهل العديدة والطويلة التي تم منحها للنظام السوري ، بطء الحركة الدولية وقصورها على الشجب والتنديد وعدم فاعليتها على الأرض فكل يوم يسقط من الشعب السوري المئات بين قتيل وجريح ومشرد ، والنظام ما زال مستمرا في غيه وقتله ، والحل يكمن في إقناع الدول العربية الإسلامية بخطورة المخطط الإقليمي على أمنها ومصالحها ومستقبلها ومستقبل الأجيال القادمة وإيجاد آلية التحرك السريعة لوقف آلة القتل وتحقيق التغيير المنشود .

رابعا : الوضع القانوني

- أجرى النظام السوري في ظل حالة من عدم الإستقرار الأمني وتواصل قتل المواطنين ومهاجمة المدن ، إستفتاء على مشروع دستور جديد ، هذا الدستور الذي يقع في 157 مادة خصص منها 34 مادة للسلطة التنفيذية ممثلة برئيس الجمهورية (من المادة 83-117) إضافة لمواد أخرى وردت في سياق الدستور تتحدث عن صلاحيات رئيس الجمهورية تتمثل في 12 مادة ليكون مجموع المواد التي تتحدث عن رئيس الجمهورية وصلاحياته 46 مادة .

- رئيس الجمهورية هو رئيس السلطة التنفيذية الذي يسمي رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء (دون تحديد من أغلبية برلمانية أو حزبية أم من غيرها) وهو الذي يضع السياسة العامة للدولة بمشاركة مجلس الوزراء كما أن للرئيس أن يحيل رئيس المجلس الوزراء وأي من الوزراء للمحاكمة وللرئيس إعلان حالة الطوارئ وإنهائها كما له إعتماد رؤساء البعثات الدبلوماسية وهو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة وهو الذي يعين الموظفين المدنيين والعسكريين وينهي خدماتهم وللرئيس إبرام المعاهدات والإتفاقيات الدولية وله حل مجلس الشعب وله أن يتولى سلطة التشريع في حالة الضرورة وخارج فترات إنعقاد مجلس الشعب وله إستفتاء الشعب في المسائل التي يرى أنها تتعلق بمصالحه العليا ورئيس الجمهورية هو رئيس مجلس القضاء الأعلى وهو الذي يسمي قضاة المحكمة الدستورية الذين لا يملكون النظر في دستورية القوانين والمراسيم التي يصدرها رئيس الجمهورية إذا نالت رضا الشعب في إستفتاء يجريه الرئيس .

- يشترط فيمن يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية توافر شروط حددها مشروع الدستور منها أن يكون مواطنا سوريا بالولادة من أبوين سوريين بالولادة متما الأربعين من عمره وأن لا يكون متزوجا من غير سورية وأن يكون مقيما بشكل متصل في سوريا منذ ما لا يقل عن عشر سنوات ... وقد أجازت المادة 155 من هذا المشروع لرئيس الجمهورية القائم تجديد إنتخابه لمنصب رئيس الجمهورية لمدة أربعة عشر عام قادمة (ولايتين) إعتبارا من تاريخ إنتهاء ولايته الحالية أي إعتبارا من عام 2014 ، وبذلك فإن مشروع الدستور المقترح إنما فصل على مقاس السلطة القائمة ليس إلا ، مع ملاحظة أنه لم يرد في مشروع هذا الدستور الذي طرح للإستفتاء الشعبي أية إشارة حول إلغاء أو تجميد الدستور القائم لعام 1973 الذي فصل أيضا في حينه على مقاس السلطة القائمة حينئذ .

- فيما يتعلق بالوضع القانوني الدولي فإنه وفي ظل تمسك روسيا والصين بموقفهما من إستخدام حق النقض (الفيتو) لإجهاض أي مشروع قرار يخص سوريا حتى وإن كان إنسانيا ، فإن للجمعية العامة للأمم المتحدة ممارسة صلاحيات مجلس الأمن نظرا لعدم إمكانية قيام مجلس الأمن بدوره المتعلق بحفظ الأمن والسلم الدوليين وتهديدهما نتيجة حالة عدم إستقرار السلم الأهلي في سوريا مما يؤدي إلى زعزعة الإستقرار الإقليمي وبالنتيجة تهديد السلم والأمن الدوليين .

- إحالة ملف سوريا لمحكمة الجنايات الدولية إنما يتم بإحدى آليتين من خلال توافر معلومات لمدعي عام المحكمة بإرتكاب جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب أو من خلال تحويل الملف إلى المحكمة من قبل مجلس الأمن متصرفا بموجب الفصل السابع من الميثاق ، لقد جرى تعطيل مجلس الأمن بإستخدام حق النقض الفيتو من قبل روسيا والصين وهنا يبرز دور مجلس حقوق الإنسان الذي يتوجب التواصل معه لإعداد ملف موثق وتقديمه للجمعية العامة التي تقوم بدورها في إحالته لمحكمة الجزاء الدولية لمباشرة عملها ، هذا الموضوع وإن كان طويلا ومعقدا لكن لابد من البدء به على وجه الإستعجال ليكون وسيلة ضغط فعال لوقف آلة القتل والقمع .

- ما نريده أن يكون للمعارضة مشروع دستور وحزمة من القوانين الناظمة للحريات العامة وآليات ممارستها تشترك في إعداده لجنة تدعى لها مختلف التيارات السياسية الراغبة يلبي طموحات الشعب ، وتهيئة للبنية التحتية القانونية للدولة المدنية الحديثة دولة التعددية السياسية والديمقراطية دولة المؤسسات والقانون دولة المواطنة والعدالة والمساواة دولة الحرية والكرامة .