عودة إلى الرشد

عودة إلى الرشد

معاذ السراج

عهد و ميثاق جديد .. لا ندري كم من العهود و المواثيق يجب أن يتقدم بها الإخوان المسلمون السوريون كي يحظوا بمباركة الجهات التي يعنونها بهذا العهد و الميثاق ..

إذا كان هذا الميثاق موجهاً إلى الدول الكبرى .. غربية أو شرقية .. عربية أو أجنبية .. فليعلم من صاغه أن هؤلاء غير معنيين بالمبادئ و لا بالأفكار و لا بالقيم التي جاء بها ميثاقه و لا يختلف معه عليها أحد .. و ما يدور في كواليس تلك الدول لا يخرج عن مصالح ذاتية و رؤىً تتعلق بكل دولة على حدة .. و من منظورها المحلي و الإقليمي ..

و إذا كان هذا الميثاق موجهاً إلى المعارضة السورية داخلية كانت أو خارجية .. فيعلم أصحاب الميثاق أن المعارضة لا تختلف معهم لا على تداولية و لا على مواطنة و لا على ديمقراطية و لا على ........ ما إلى ذلك من هذه المصطلحات التي تزخر بها دساتير العالم و قوانين المنظمات الدولية و على رأسها الأمم المتحدة و التي ما فتئ الإخوان المسلمون السوريين يعيدونها و يكررونها  لسنوات طوال .. و يعلمون كذلك أن الخلاف الأساسي إنما هو فيما يجري على الأرض و كيف ينظر إليه كل منا ..

و إذا كان هذا الميثاق موجهاً إلى الشعب السوري .. فليعلم الإخوان أن ميثاقهم هذا لن يصل إلى آذان الشعب السوري اليوم .. فقد حال دونه أزيز الرصاص و أنات الجرحى و صرخات الثكالى و الأطفال .. أو خوف و تردد يحتاج تبديده إلى معارضة يقودها رجال ماضون في طريقهم و جاهزون للتضحية و دفع التكاليف مهما بلغت لتحقيق مبتغاتهم ..

و إذا كان هذا الميثاق موجهاً لعصابات النظام و من يقف معها من داخل سوريا و من خارجها .. فليعلم الجميع أن هؤلاء غير معنيين لا بعهود و لا مواثيق .. و لا مبادئ و لا قيم و لا أخلاق .. و سياسيتهم الهمجية على الأرض خير دليل ..

يذكرنا هذا الميثاق بمواثيق شبيهة و عهود مكررة كميثاق الشرف الوطني منذ ما يزيد على عشر سنوات .. و ما احتواه المشروع السياسي لسوريا المستقبل من أفكار و عبارات و مصطلحات أضعاف أضعاف ما ورد في هذا الميثاق ..

و يذكرنا هذا الميثاق بما قدمته المعارضة السورية و بالذات الإخوان المسلمين من تنازلات سياسية و مدنية تتعلق حتى بأبسط الحقوق لحافظ أسد الأب و لوريثه غير الشرعي من بعده .. طي صفحة الماضي بآلامه و شجونه .. تناسي عشرات الآلاف من الشهداء و الثكالى في حماة و حلب و غيرها .. سجناء تدمر و غيرها من السجون سيئة الصيت و مجزرتهم المستمرة لعقدي الثمانينيات و التسعينيات .. حقوق المهجرين قسراً و طوعاً و الذين تجاوزت أعدادهم الملايين و ملأت الآفاق .. و قبل هذا كله و بعده .. الكرامة الإنسانية التي استلبت من المواطن السوري و حل محلها الذل و الهوان و الخوف و الجوع ... حتى ظهرت هذه الثورة العظيمة .. التي أحيت النفوس و أعادت الكرامة و الحرية للملايين من أبناء شعبنا الأبي ..

صحيح أن التاريخ يعيد نفسه .. لكن للشعوب الحرة رأي آخر .. الشعب السوري بثقافته و دينه و سلوكه و حضارته الممتدة في أعماق التاريخ ليس بحاجة لأن يعطي الضمانات لكائن من كان و هو العريق في الحضارة و التمدن .. و في الثقافة و السلوك .. قبل أن تدرج شعوب على قدميها ..

و حضارتنا الإسلامية التي يبزغ فجرها من جديد .. ليست بحاجة لشهادات حسن سلوك في المدنية و الحضارة و حقوق الإنسان و المرأة و الأقليات من أحد .. و قد طبق تاريخها الناصع الآفاق .. و زخرت مكتبات العالم بآلاف المجلدات التي تشهد على ذلك ..

العهد و الميثاق كان ينبغي أن يعقد مع الله أولاً ثم مع الشعب السوري ثانياً .. العهد و الميثاق كان ينبغي أن يوجه إلى أرواح الشهداء و أفواج اليتامى و الثكالى .. بأن المعارضة و على رأسها الإخوان المسلمون لن يهدأ لها بال و لن تقر لها عين و لن يسوغ لها شراب حتى تعيد الحقوق إلى نصابها .. و تطهر الأرض من رجس الفاجرين الطغاة .. و تقتص لكل قطرة دم .. و لكل عرض حرة .. و لكل أنة طفل يتيم ..

دعوة إلى الرشد .. حقيقية .. صادقة .. نسوقها و نقدمها لكل من كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد .. دعوة إلى العودة إلى أحضان الشعب السوري .. إلى أحضان الثورة المباركة .. إلى صفوف المتظاهرين السلميين .. المجاهدين بصدورهم العارية و رؤوسهم المرفوعة و حناجرهم الصادحة بهتاف المجد .. و من يحميهم من أبطال الجيش الحر الطاهر النقي .. هذا هو العهد .. و هذا هو الميثاق ..