أيها القابضون على أعناقنا بعجزكم
رشدا لكم...
زهير سالم*
أعلم أن صدر بشار الأسد لا يحس بثقل فاتورة الدم. أنا على يقين أن وقع العدد على صدره حين يقال له ولأنصاره في الداخل والخارج: عشرة قتلى.. مائة قتيل.. ألف قتيل.. عشرة آلاف قتيل؛ واحد..
وأنه لن يزيد وقع الأمر ثقلا على تلك الصدور أن يقال أن بين أولئك القتلى – والعذر من لفظ الشهداء ومقام الشهادة – أطفال ونساء وأن هناك أعراضا تنتهك وبيوتا تهدم و..و..
هذا هو بعض الواقع الذي نعيش ، وقد يتهمني البعض بالمبالغة فيه، ولكنه إن صح تصوره بالنسبة لبشار الأسد فهل يصح إجرائه على من يزعمون أنهم معارضوه؟ هل يصح بالنسبة إليّ شخصيا مثلا أن أتلقى الخبر عن سقوط شهيد جديد من بني وطني دون أن أتوقف عن رفع اللقمة في طريقها إلى فمي ، وأمسح دمعتي، وأتوقف: لأتساءل وأنا الفرد الوحيد بلا حول ولا طول: ماذا يمكن أن أفعل؟!
كيف يصح لي أن أدعي المعارضة إن لم يتفوق إحساسي بالمسئولية الأخلاقية والسياسية والوطنية عما يجري على إحساس بشار الأسد..
كيف يصح لي أن أزعم أنني أتحسس آلام مواطني إن لم أستقبل جثمان كل شهيد في قلبي وروحي على أنه ولدي، وإن لم أحتضن جسد كل طفل على أنه حفيدي، أو كيف إن لم أمسح دمعة كل صبية سورية أصابها الضر على أنها ابنتي..؟! كيف لي أن أخلد إلى العجز إزاء كل ما يجري، وأن أكتفي بضرب الكف على الكف، وأدفّأ على وقود دماء أبناء وطني..
قالوا لنا يوما: لا أحد فوق أن يستعين ولا أحد دون أن يعين، ولكن ما لي أراهم يؤكدون أنهم فوق أن... وأن كل من عداهم دون أن... سمعت كثيرا من الطغاة إذا قيل له أرفدك بدعوة صالحة: قال وفر دعوتك لنفسك فأنا أقرب إلى الله منك...
يرسل إليّ المسكين من بني وطني أريد أن أكون شريكا في جلب نفع أو دفع ضُر ولا يدري أني في مقامه في الوحدة والعجز؟! يكتب إليّ باعتراف مثل اعترافي :أدرك أن جهدي جهد مقل، وأن قدراتي محدودة، وأن طاقتي لا ترتقي إلى طاقة أصحاب المقام ولكنني أشعر بأن الله خلقني لأفعل شيئا لوطني في سياق ما هو فيه ، فيأتيني وإياه الجواب: اصمتا ونحن نكفيكم...
أنا اليوم أتذكر أنهم قالوا لنا منذ خمسين سنة عندما أقنعونا بضرورة العمل الجماعي وأنه ( فريضة شرعية وضرورة بشرية) وقالوا لنا يومها إن الجهد الفردي لا يغني، ولا بد أن تتضافر الجهود ليتقدم المركب ...وأراهم اليوم ينقضون كل ما علموا وقالوا. يقولون إن جهدهم كفاية وزيادة، وأن المهمة التي نراها ضخمة صغيرة بالنسبة لطاقة واحدهم. والقبطان القدير لا يحتاج إلى سواعد النوتية، ويزعجه أن يسمع غناءهم. ولو هتفوا: يا ريس..
شمشون من قبل كان يظن:
أنه الأول والآخر..
أنه العليم فلا يحتاج إلى مشير..
وأنه القدير فلا يحتاج إلى معين..
وأنه السميع فلا يحتاج إلى متحدث..
وأنه البصير فلا يحتاج إلى مرآة أو منظار
قالوا: له في مجلس الشعب .. أنت يجب أن تقود العالم يا سيادة الرئيس.. فقلنا لهم تبا لكم..
وحين يحاصرونا بالدعوى مع العجز لا نملك إلا أن نقول: رشدا لكم نعم رشدا ثم رشدا..
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية