المثقف المنسلخ والمتدين الفارغ (في المجتمع السعودي)

المثقف المنسلخ والمتدين الفارغ

(في المجتمع السعودي)

جعفر عبد الله الوردي

[email protected]

ثائر عنيف ومنقلب عنيد يكسر حواجز الصمت والكبت عما يحيطه مما يراه دنسا وإثما.

هي رحلة المثقف السعودي إذا ما انفلت من طوق مجتمعه لينهال عليه نقدا لاذعا وتهكما ساحقا.!

ولعل قبل كل كلام يطرح أو حالة تشخص يحاصرنا سؤال لا بد منه، ألا وهو أين تكمن المشكلة ؟ ومن المعطوب فعلا ؟ 

ذلك المجتمع الذي ثار عليه المثقف ، أو هذا المثقف الذي انسلخ عن مجتمعه ؟ 

حتى وكأن أحدهما لم يكن يعرف الآخر من قبل..!

تتعد أداء المثقفين السعوديين في ثورتهم على مجتمعهم بألوان مختلفة ، فمن درامة تمثيلية ، إلى كتابة أدبية ونقدية ، وصولا إلى محطات فضائية.

لقد برع أصحاب الدرامة السعودية الناقدة الساخرة من ذكر الثلمات الكثيرة في مجتمعهم وتصدرت درامة (طاش ما طاش) هذا النقد اللاذع على كافة المستويات والأشخاص ما خلا السياسية منها.

فمن مايزيد عن عشرة سنين وهذه الدرامة تؤتي أكلها بأنواع جديدة تطرحها على الساحة بمواضيع ونقاشات كثيرة كلها تصب في ساقية الثورة على المجتمع بما فيه من عادات وتقاليد وطباع سيئة.

وهنا يراودني سؤال غريب، وهو: أحقا أن تلك السنوات لم تف تلك الدرامة ولم تشبعها، بل ولا تزال عطشى لمزيد من الأعمال ؟!

أم أن العطب والعور من هذا النقد الممنهج لهذه الدرامة على ذلك المجتمع ؟!

لا شك أنه لا يخلو مجتمع من السلبيات، لكن ليس إلى ذلك الحد الذي يوغل فيه أولئك المثقفون.!

وبعيدا عن ذلك نرى ثمة أقلاما ما فتأ حبرها طريا في نقد المجتمع وسلخه.

حيث أكاد أن أقول إنه لا يخلو مثقف سعودي بز قلمه أو تفتق ذهنه إلا وأرخى سياطه على مجتمعه..!

ليست تلك الحالة عيبا أو نشازا بقدر ما إذا كانت من طرف إظهار السواد وذمه والشكوى منه وعدم إيجاد خلاص منه عيبا أكبرا.

حتى كأن سمة الثقافة والنبوغ في المثقف السعودي هي أن يصب جام غضبه وهم قلبه على مجتمعه..!

سأسلم أن ثمة بلاء عام في هذا المجتمع -وإن كان هذا لايتأتى بتاتا- لكن ما الحل والخلاص لذلك..!

وما الطرق والسبل لإنقاذه ؟!

على أن بعض المثقفين يجهد نفسه في إظهار فضل الآخرين من غير مجتمعه ويبين عور مجتمعه وشينه ثم لا نجده يقدم حلا كافيا يسعف به ذلك المقتنع بهذا البلاء الذي ينخر عظم المجتمع..!

كان أولى بالمثقف السعودي من أن يشتم تلك الطلائع السوداء التي عاشها والتخلف الذي نقمه -حسبما يعتقد- أولى به أن يدير عربته إلى إنقاذ مجتمعه مما يعتقده من البراثن، وأن يبدي الدواء قبل إظهار المرض ولعنه والتحسب عليه..

أعرف أن هناك تصرفات خاطئة ممنهجة في المجتمع هذا، لكن ألا خلاصا تظهروه للناس يستنيرون فيه ويستغنون عن الرؤوس الفارغة التي تزن تخلفا وترشد سوء في المجتمع..!

ثم ألا يصح منك أيها المثقف السعودي أن لا تنسلخ عن إسلامك وتحسب أن لا ثقافة إلا بتوسيع رقعة الحلال والحرام.. على عكس فاشلي المجتمع الذين يعتقدون أن لا إسلام إلا باتهام المسلمين وإرباك الآيات والأحاديث بضلال فهمهم وعور تفكيرهم..

فما أفلح أولئك ولا أجر هؤلاء.. 

وما جنى الصفان -صف المثقف المنفتح وصف المتدين الفارغ- إلا شرخا ثقافيا واجتماعيا في المجتمع.. وقع كثير من الشباب في شراك العداء للدين والمجتمع بسبب ذلك..

إن كان يحسب ذلك المتدين الفارغ أن يتعطف على الإسلام بلي أعناق الحياة ليلمع صورة الإسلام -حسب ظنه- أمام المجتمع وليروج له الزبائن والمعجبين، فإن الله غني عنه وعن عبادته وتمليحه، فالإسلام لا يحتاج عاطفتك بقدر ما يحتاج أن تكف شر فهمك له.

كان حري بك أن تشفق على فهمك له ومعرفتك بأصوله، عن أن تشفق عليه بصورة عامة..

فمن ذلك المثقف الثائر إلى هذا المتدين الفارغ، ومن رشق الإتهامات لبعض، وتهجمهم على بعض، ضاع المجتمع، وتشوهت صورة الإسلام..!