تلوث أرض وسماء العراق وإشكالية دفع الثمن
حسام حسن البدري
من يحاول دراسة أوضاع العراق في السنوات الماضية التي عاشها الشعب تحت وطأة الاحتلال العسكري المباشر الأمريكي وحلفائه ومرتزقته أو الآن جراء اذرع الاحتلال من شركات امن ومنظمات استخباراتية تعمل تحت عناوين إنسانية وغيرها سيلاحظ الألم القسوة التي يعيش ظروفها المواطن العراقي بدرجة كبيرة يصعب تصورها ..
فأساليب حصاد أرواح المدنيين الأبرياء تنوعت من صواريخ طائرات الاحتلال وسفنه ودباباته الى مسلسل العنف والجريمة بأنواعها مرورا بالسيارات المفخخة والأحزمة أو العبوات الناسفة التي خطفت أرواح العراقيين وغيبت أمالهم في العيش بطمأنينة وسلام وحملت بمجموعها شبحا مخيفا بسط بظلال أجنحة الموت والعذاب على رؤوس أبناء العراق إضافة الى شبح الأمراض الخبيثة المستعصية التي أخذت تفتك بالناس وتفرق شملهم وتقض مضاجعهم ، وهذا ما أريد تسليط الضوء عليه ، خاصة وأن هذه أمراض تزامن انتشارها مع اجتياح قوات الاحتلال ومرتزقته أرض العراق ، فتراوحت بين أمراض جسدية ونفسية كل منها يضغط على أعصاب العراقيين ويؤرق حياتهم ويحولها إلى جحيم لا يطاق ..
العراق الذي تعرض لحرب شمل تأثيرها جميع المحافظات دون استثناء حيث استخدمت الأسلحة ذات النوع الفتاك والتأثير العشوائي وبكميات كبيرة جُرِبَ العديد منها في العراق لأول مرة تركت آثارا قاسية من تدمير متعمد لبيئة الشعب العراقي إضافة إلى مخلفات مئات الآلاف من الأطنان لمواد شديدة الانفجار مشبّعة بمختلف العناصر السامّة من المواد الكيمياوية التي ألقيت بحصص متساوية على كل بقعة من بقاع العراق لتشمل خارطة توزيع الموت البطيء كل مساحات العراق، فنشأ نتيجة لذلك جيل من الأطفال المشوهين وأمراض مستعصية لم يسبق لها مثيل وسيتوارثها العراقيون جيلا بعد جيل ..
وهذه الآثار لا يمكن محوها بسهولة لسنوات عديدة بسبب استخدام الأسلحة المحرمة دوليا التي منها ما يحتوي على اليورانيوم المنضب الذي يشكل احد مكونات قذائف الاحتلال الأمريكية الخارقة للدروع والتي استخدمت بكثافة ضد المناطق المدنية أثناء فترات المواجهة المسلحة فضلا عن استخدام أفراد الشركات الأمنية من المرتزقة لأسلحة محرمة دوليا مثل الرصاص المتفجر الذي يقتل المصاب بمجرد إصابة أي شظية لجسده لاحتوائه على عناصر شديدة السمية وهذا ما أكدته الكثير من التقارير بهذا الخصوص ..
وتلوث مياه الشرب والهواء وحالات مرضية عجيبة غريبة وظهور أمراض سرطانية لم تكن موجودة في العراق لكنها أصبحت مألوفة في زمن الاحتلال وارتفاع حالات الإجهاض لدى الحوامل إلى ثلاثة أضعاف وحالات الإصابة بالأمراض غير الوراثية التي طرأت بسبب نسبة التلوث الإشعاعي وازدياد حالات الإصابة باللوكيميا وتحويل ارض العراق إلى مقبرة للنفايات السامة والمخلفات العسكرية المشعة جراء طمر تلك النفايات من قبل الشركات الأجنبية المتعاقدة مع الاحتلال الأمريكي ..
هذا وغيره جعل العراقيين يذبحون بصمت ويوزع عليهم الموت البطيء الذي يقتحم كل مكان وسط صمت الجهات المعنية دون أن يطالب أي مسؤول حكومي أو أي طرف فاعل في صناعة المشاهد السياسية والاجتماعية بحقوق ملايين العراقيين التي سلبتها سياسات قوات الاحتلال القذرة وأفعالها الإجرامية ، إلا بعض الشرفاء من أبناء هذا الوطن العزيز حتى لا نظلم البعض ونبخس حقه لأن العراق فيه من الشرفاء على اختلاف مذاهبهم وقومياتهم من يعمل بكل إخلاص لمصلحة هذا البلد العزيز وخير شاهد التظاهرات والوقفات والفعاليات الاحتجاجية منذ نهاية أيلول من عام 2011 التي تنبه إلى خطورة الأساليب الأخرى للنيل من العراق وسيادته بعد الخروج العسكري للجيش النظامي الأمريكي لأن الاحتلال وكما هو واضح سبب في دمار العراق وكل من ارتبط به سواء بعنوان المدربين او الشركات الأمنية او غير ذلك فهو شريك في تلوث ارض وسماء العراق وبقاء هؤلاء استمرار لهذا التلوث وهذا ما أوضحه العراقيون الشرفاء مرارا وتكرارا خصوصا في 30 كانون الأول 2011 في اغلب محافظات ومناطق العراق ..
فبقاء أصل الفساد يشكل خسارة كبيرة لأبناء العراق لأن الهدف هو تحطيم الإنسان العراقي وإلغاء دوره الحضاري لصالح معادلات السياسة الدولية وهذا ما يعطي بدوره المبرر لأمريكا وغيرها للإمعان في تحطيمه ما دامت قواعد حربهم وأسبابها مقدسة في نظر قادتهم العنصريين ..
بعد كل هذه الجرائم التي ارتكبت من قبل قوات الاحتلال وشركاته ومرتزقته طيلة وجودهم على ارض العراق يمكن لكل عراقي غيور ان يتساءل من الذي سيحاسب دولة الاحتلال عن كل ما اقترفته بحق العراقيين ؟؟
هل هم الانتهازيون والوصوليون ؟؟!!
هل هم الجبناء الخاضعون لسياساتها ؟؟!!
هل هم المتآمرون على حقوق الشعب ؟؟!!
هل هم المزايدون على معاناة الشعب ؟؟!!
أم أصحاب المواقف الوطنية الواضحة التي لم تتغير رغم الظروف القاسية ؟؟
سؤال يفرض على كل ذي لب التفكير مليا وقراءة الفترة التاريخية المعاصرة قراءة موضوعية بتجرد وإنصاف لاستبصار الحقيقية المجردة عن كل مَيل أو انحياز والوقوف إلى جانب الجهات الوطنية المعبرة بصدق وإخلاص عن الولاء للعراق وشعبه .