النظام السوري واستهداف الطفولة
ياسر سعد الدين
لم تكن صورة إبراهيم شيبان الطفل البرئ والذي لم يكمل عقده الأول وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة -جراء رصاصة قناص أصابت صدره- أمام أنظار عائلته حدثا غريبا أو حادثة فريدة على قسوتها وعنفها في مجريات الثورة السورية. فلقد تعامل النظام السوري وأجهزته الأمنية بقسوة بالغة وغير مسبوقة مع الأطفال قنصا وخطفا واعتقالا وتعذيبا، جعلت لهذا النظام السبق عالميا وتاريخيا بالتعامل الفظ واللأنساني مع الجانب الأكثر طهرا وبراءة في عمر البشر، والذي يستثنى من التكاليف ومن العقوبات في مختلف القوانين العالمية.
الإعتداء الآثم على أطفال درعا وتعذيبهم وقلع أظافرهم لمجرد كتابتهم لشعارات تطالب بالتغيير على الجدران والتي استلهموها مما شاهدوه في مصر وتونس، كانت الشرارة التي فجرت مخزون الغضب الشعبي على عقود من الفساد والاستبداد والاستعباد. لم تكن حادثة أطفال درعا ولا قنص الطفل الدمشقي إبراهيم في معزل عن سياق عام، بل كانت أشبه بحلقات متتالية ومتوالية في سلسة طويلة تستهدف الأطفال مدفوعة بأحقاد هائلة وبرغبة عارمة في الانتقام منهم والتشفي بهم ومن عائلاتهم.
بشار الأسد والذي يتعامل مع المواطنين بفوقية وعنجهية رافضا توجيه خطاب مباشر لهم بعد كل هذه الأحداث، عبر عن مشاعره تجاه الأطفال في خطابه في جامعة دمشق في حزيران الماضي بقوله: "اليوم لدينا جيل من الأطفال تربى بهذه الأحداث أو تعلم الفوضى عدم احترام المؤسسات.. عدم احترام القانون.. كره الدولة.. هذا الشيء لا نشعر بنتائجه اليوم سنشعر بنتائجه لاحقاً وسيكون الثمن غالياً". الأسد يتحدث بطريقة عجيبة عن جيل من الأطفال ولعل كلماته توحي إلى أن أستهداف الأطفال أمرا مبرمجا ومن رأس قيادة النظام.
وفي خطابه الأول أمام مجلس الشعب تحدث الأسد عما يعانيه قطاع عريض من أطفال سورية جراء فساد النخبة الحاكمة واستحواذها على مقدرات البلاد فقال: "و نستطيع أن نؤجل بيانا يصدره حزب.. نؤجله أشهرا أو سنوات ولكن لا نستطيع أن نؤجل طعاما يريد أن يأكله طفل في الصباح.. نستطيع أن نؤجل أحيانا معاناة معينة قد يسببها قانون الطوارئ أو غيرها من القوانين أو الإجراءات الإدارية التي يعاني منها المواطن ولكن لا نستطيع أن نؤجل معاناة طفل لا يستطيع والده أن يعالجه لأنه لا يمتلك الأموال والدولة لا يوجد لديها هذا الدواء أو هذا العلاج.. وهذا شيء نتعرض له بشكل مستمر".
العبث بالطفولة في سورية ما قبل الثورة ومن عقود كان يتم بشكل ممنهج من خلال تعريضهم لمناهج علمية عقيمة مدروسة تستهدف التاثير على ملكاتهم وبرمجتهم ليكونوا أدوات طيعة في يد نظام أمني عنيف. فالمناهج التعليمية الشمولية وترديد الشعارات الفارغة في المدارس بمجرد أن تتفتح مدارك الأطفال وإكراههم على التعامل مع تماثيل بشار ووالده بقدسية واحترام رغم مخالفة ذلك ابسط القواعد الدينية والإنسانية، أمثلة لصور من اعتداء نظام الأسد وأجهزته على الطفولة ومحاولة تشويهها.
في تقرير صدر عن منظمة العفو الدولية نهاية شهر آب الماضي وثقت المنظمة 88 حالة من الموت تعذيبا في السجون السورية ما بين شهري نيسان وآب من بينهم عشرة أطفال منهم الشهيد حمزة الخطيب والذي هزت عملية قتله البالغة القسوة الضمير العالمي. من جهة أخرى وصل عدد الأطفال الشهداء ولغاية 15 تشرين الأول 244 شهيدا طبقا لموقع "شهداء سوريا" والذي يعرف نفسه بـ"قاعدة بيانات شهداء الثورة السورية"، موثقين حسب الاسم والمدينة ومقاطع الفيديو في بعض الأحيان.
الثورة السورية تتفرد عالميا بالعدد الكبير لأطفالها الشهداء فيما يتفوق الأسد على أنظمة دموية وقاسية بوحشية في التعامل مع الطفولة والأطفال. حمزة الخطيب، هاجر الخطيب، مجد ابو اللبن، ثامر الشراعي، علا الجبلاوي، ليال عسكر وإبراهيم شيبان وغيرهم، أسماء لأطفال مع صورهم المؤثرة والمبكية ستتناقلها الأجيال لتدين كل من آزر الظلم في سورية أو صمت عن جرائمه.