السلمية والعسكرة وجهان لقضية واحدة
مصطفى مفتي
كثيراً ما نسمع ونتداول في كتاباتنا ونقاشاتنا مفهومي السلمية والعسكرة، وأشعر أحياناً بأننا نهدر الكثير من الوقت من غير طائل.
فعندما أقرأ لمن ينادون بسلمية الثورة، أراهم يؤكدون على سلمية التظاهر، وعدم استخدام السلاح أثناء المظاهرات، والمطالبة بالحقوق والحريات وإسقاط النظام بأسلوب يتناسب مع حضارة الشعب السوري الأبيّ وعراقته التي تضرب جذورها في أصول التاريخ الإنساني.
فإن سألتَ أصحاب هذا المذهب فقلتَ لهم: ماذا نفعل إن داهمنا الأوغاد من الشبيحة والعصابات الأمنية ليعتدوا على أملاكنا ودمائنا وأعراضنا؟ وماذا تنفعنا سلميتكم التي تنادون بها؟ لأجابوك من فورهم: نحن مقصدنا من السلمية أن يكون الحراك في الشارع سلمياً، وأما في حالة الاعتداء الذي ذكرتم فدونه الأرواح والمُهج، ولكم أن تدفعوا عن أنفسكم بما استطعتم، فالدفاع عن النفس تكفله القوانين والمواثيق والأعراف وجميع الشرائع، وديننا الحنيف يصف لنا المُدافع عن دينه أو دمه أو ماله أو أهله بأنه شهيد، وأي مقام أعظم من هذا المقام؟؟ حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه سعيد بن زيد مرفوعاً: " من قُتل دون دينه فهو شهيد , ومن قُتل دون دمه فهو شهيد , ومن قُتل دون ماله فهو شهيد , ومن قُتل دون أهله فهو شهيد " [رواه أبو داود والترمذى، وصححه الألباني].
وإن سألت دعاة العسكرة وقلت لهم: كيف تنادون بعسكرة الشارع وأنتم على دراية تامّة بما سيطال المتظاهرين في حال استخدامهم للسلاح؟؟ لأجابك أصحاب هذا الرأي دونما تردد: لم نقصد من دعوتنا هذه عسكرة المتظاهرين ودعوتهم لحمل السلاح، لِما يجرُّ عليهم من نتائج لا نرضى بها، وإنما أردنا من ذلك حق الناس في الدفاع عن أنفسهم، فبذلك يتطابق الرأيان، ولكن الخلاف لا يعدو أن يكون خلافاً لفظياً.
وهناك فريق ثالث يقول بالعسكرة ويقصد بها حماية المنشقين عن الجيش لأنفسهم من بطش النظام ومتابعته لهم، بالإضافة لحق المتظاهرين في وجود من يحميهم، فيكون للجيش المنشق البطل دور في حماية الثوار أثناء تظاهرهم وهم يستخدمون الكلمة للتعبير عما يريدون، بصدور عارية، وسلمية راقية.
وهناك آراء أخرى بين السلمية والعسكرة لا تمثل جموع الناس في الشارع فلذلك ليست من الأهمية بمكان.
وأما بالنسبة للحماية الدولية والتدخل الخارجي فهي مرحلة جديدة، ونتيجة حتمية لما سبقها من ممارسات النظام الشائنة من قتل وفتك وتنكيل وهدم واعتداء على كل قيمة من القيمة الإنسانية.
والشعب السوري ممثلا في المجلس الوطني هو صاحب الحق في التقرير والموافقة على ما يناسبه من أشكال التدخل ووقته.
ولا بد أن نعلم أن الإسلام دين المرونة، تدور أحكامه المتغيرة مع المصلحة أو العُرف أو الضرورة أو الحاجة أو تغير الزمان أو اختلاف المكان، وجودا وعدماً تبعاً لما يطرأ من متغيرات.
فهنا يأتي دور العلماء، وأصحاب الرأي والخبرة والمشورة في الحكم على كل مرحلة من مراحل الثورة بما يتوافق مع المعطيات الجديدة، ومع مصلحة الثورة والثائرين من أصحاب الحناجر الصادحة بالحق في أزقّة وشوارع وساحات سوريا الحبيبة، بما لا يخالف الشرع الحنيف والقيم السامية التي ندعو إليها جميعاً.
فليست السلمية هي الطريق الأمثل على الدوام، وليست العسكرة بشتى أشكالها سُبَّةً إن اقتضتها الظروف والمصلحة، بل لكل حادثة حديث، ولكل مقامٍ مقال.