زينب الحصني وألاعيب النظام المكشوفة
د. ياسر سعد الدين
يمارس النظام في تعاطيه السياسي والإعلامي مع ثورة الحرية في سورية أساليب ملتوية وطرق مخادعة تهدف إلى وتشتيت الانتباه وتضييع الأولويات في محاولة منه لتزييف الحقائق وكسب الوقت لإخماد الثورة وقمع المتظاهرين والثائرين وبأية وسيلة وطريقة. النظام السوري يتميز عن الأنظمة العربية والتي اجتاحتها الثورات، بمنعه وسائل الإعلام عن تغطية الأحداث تحت ذرائع واهية وحجج عقيمة وهو في حقيقة الأمر يريد أن يقترف جرائمه في الظلام ويحجب عن العالم صور الغضب الشعبي العارم ضده وضد أساليبه ووسائله.
تركيز النظام السوري في تعامله مع الأحداث يعتمد على محورين، الأول تسويق وإبراز قراراته الإصلاحية المزعومة والتي هي في حقيقتها سراب وخداع لكسب الوقت وتحطيم إرادة الثورة وشق صفوفها، والمحور الثاني الإصرار على حصر المسألة بالإعلام المغرض وبالقنوات التحريضية وبالفبركة المزعومة. وفيما يتهرب النظام من تعيين ناطق إعلامي رسمي له ليحدد مواقفه من القضايا المستجدة والتطورات المتلاحقة، يقدم شخصياته الأمنية المتخصصة تحت مسميات أكاديمية وبحثية لتدافع عن النظام وتسوق إطروحاته. رموز النظام الإعلامية تتهرب دائما من أسئلة الإعلاميين بالهحوم على وسائل إعلامهم واتهامها بالافتقار إلى المهنية، وهم في كلامهم الخالي من المنطق والمفتقر في كثير من الأحيان إلى التهذيب يصرون على أنهم لا يمثلون النظام، ليعفي النظام نفسه من أية مقاربة أو مساءلة على ضعف الحجة وتهاوي المنطق والمواقف المتناقضة.
ولإن النظام السوري يرتعد ويرتعب من الإعلام والذي يوثق جرائمه وتجاوزاته، ولإنه يريد أن يحصر أزمته الخانقة والرفض الشعبي العارم لحكمه بما يقوم به الإعلام من تحريض مزعزم فقد كان من أهم أولويات العقلية الأمنية السورية ضرب مصداقية الإعلام وبالتالي إعطاء زخم وشيء من المصداقية لحملاته التشكيكية في التغطية الإعلامية. تكررت تلك المحاولات وفشل كثير منها بطريقة فاضحة مثل ما حدث مع أحمد بياسة في البيضة.
بتقديري أن النظام حاول أن يعوض على محاولاته الفاشلة السابقة، بمحاولة جديدة أكثر حرفية بتقديره تهدف لضرب مصداقية الإعلام بقصة زينب الحصني -والتي هزت الضمير العالمي- فأخذت منه زمنا أطول في التعامل معها حتى يكون الفصل الأخير منها مدويا. النظام أوهم أهل زينب أن جثة أبنتهم (والتي اختطفها الأمن من منزلها) في المستشفى وتم تسليمهم جثة ممزقة لا يمكن التأكد من هويتها. وما كان لهذه الجثة أن تدفن إلا بعد فحص الطبيب الشرعي ومصادقة السلطات الأمنية والتي من واجباتها التأكد من شخصية الجثة. وحين كانت مسألة زينب تطرح على رموز النظام الإعلامية كانوا يتهمون العصابات المسلحة بقتلها والتمثيل بها، وبكل الأحوال لا يظهر في المشهد ناطق رسمي يعلن موقف الدولة حتى لا تتحمل اية مسؤولية ولا يتم مراجعاتها مستقبلا.
النظام أخرج لنا زينب وأجبرها –كما يبدو- على رواية قصة غريبة عن مشاكل عائلية ليحاول إحراج الإعلام والمعارضة ومن يتضامن مع الجرح السوري النازف مثل شيخ الأزهر. غير أن النظام والذي يلعب بدماء الناس وأعراضهم ومعاناتهم لتحقيق ما يتصوره كسب إعلامي وكل همه تمرير الوقت يثبت بهذه القصة وبغيرها بان إدعاءاته الإصلاحية زائفة وكاذبة. المطلوب من النظام أن يخبرنا بهوية الفتاة القتيلة والتي تم التمثيل بجثتها وبظروف مقتلها والتي دفنها أهل زينب، وأن يجيب على الاستفسارات القانونية بما يخص عملية الدفن والتحقق من شخصية القتلي في "صورية الأسد".
إن قصة زينب وملابساتها والتي ما تزال غامضة ومشوشة تبرهن أن سوريا تحكم بعقلية المافية والعصابات دون أن يحسب نظامها الأمني أي حساب للمشاعر الإنسانية وللقيم الأخلاقية. المطلوب لجنة تحقيق دولية تحقق في ملابسات قضية زينب وأخيها محمد، فإذا كان النظام واثقا من روايته معتدا بها فليدع ممثلي الصليب الأحمر للتحقيق المستقل فيها.