العام الخمسون لانفصال سورية عن مصر

- مشروع حضاري للوحدة -

المحامي محمد احمد بكور

تمر على الأمة العربية ذكرى الخمسين عاماً على انفصال الجمهورية العربية المتحدة التي فصلت سوريا عن مصر في 28/أيلول/1961. الوحدة التي كانت أول عمل وحدوي في العصر الحديث جمع قطرين عربيين في دولة واحدة و دستور واحد وعلم واحد.....

لقد تضافرت على تحقيقها عوامل عديدة مبدئية و سياسية و ظرفية تغلبت فيها العواطف على النزعة العقلانية، في زمن كانت فيه مفاهيم الوحدة و تأسيس دولة عربية ضبابية، فكما تشابكت عوامل تحقيق تداخلت دوافع و عوامل كثيرة لفصلها، بعضها ذاتي يتحملها النظام و الأحزاب التي شاركت في حكمها و صنعها، و آخر خارجي سهل على الضباط الساعين للانفصال نجاح انقلابهم العسكري و فصلها صباح 28/أيلول/1961 و أعلنوا في البيان رقم (1) القضاء على الجمهورية العربية المتحدة.

كان للانفصال تأثير كبير على الأمة العربية من المحيط إلى الخليج عامة، و على الفكر القومي و العمل الوحدوي كهدف مركزي خاصة، أصاب مفصلا أساسيا وشكل منعطفا كبيرا في النضال الوحدوي، بل كان طعنة نجلاء في الصميم ولكنها ليست قاتله رغم جللها.

ولا نريد في هذا المقال أن نشتت ذهن القارئ العربي في ظروف يشهد فيها الوطن العربي تحولاً في الاستبداد إلى الحرية، و ندخله في سرد الحقائق، لأنها مسائل فكرية و سياسية و اجتماعية و قانونية تناولتها كتب كثيرة و أبحاث و مقالات في الماضي و بعضها بحاجة إلى مراجعات دائمة و مستمرة لتواكب حركة الواقع و المجتمع و التاريخ و اكتشاف القوانين المجدده للأفكار والصيغ و تحكم العمل، إذ لكل مرحلة قوانينها. و هذه هي الغاية من مقالنا فنحن لا نبغ البكاء على ذكراها و إنما البحث عن الحقائق الجوهرية و مستلزمات العمل الوحدوي المستقبلي، التي افرزها الوعي و التطور التاريخي و الاجتماعي و السياسي على الفكر الوحدوي الجديد، ليكون دليلا لتحديد طرق المستقبل و بوصلة للأهداف للوصول إليها فكما إن الفكر و العمل الوحدوي يتطلب تجديدا للأفكار و المفاهيم  فإن العمل يتطلب تقييماً للوقائع و الأحداث للوصول اقرب ما يكون للحقيقة. فالقفز فوقها و العبور لضفة أخرى أسلوب غير موضعي و يبتعد عن المنهج العلمي. أن ما نشر حسب اعتقادنا ما هو إلا جزء من الحقائق كالظاهر من السفينة، اتسم بعضه بالتبرير بسبب الانتماءات العقائدية و الولاءات السياسية و التعصب لها، و آخر إشاعات أو مقالات صحفية سادت تلك المرحلة، ولا زال بعضها يتداول حتى الآن برغم عدم دقته لكونه لا يعطي تفسيراً صحيحاً عن الأسباب و تطورات الأحداث التي قادت إلى الانفصال ...

إن المنهج العلمي يفرض عدم التفسير الأحادي و نظيرية المؤامرة الخارجية و الابتعاد عن المظاهر و الأشكال و الغوص إلى الأعماق لكشف الحقيقة و باطنها، و دراسة الأخطاء السياسيه و ردود الأفعال عليها و استغلالها.

إن ذكرى الانفصال توجب على كل المفكرين و المثقفين القوميين العمل لتجديد أفكار و مفاهيم الوحدة و استنباط آليات عملها و تجاوز ما كان سائدا في مرحله الخمسينيات و الستينيات و لا زال يتشبث بها البعض من التيار القومي نتيجة القصور في التفكير و العجز عن التطور لتقديم مفهوم قومي حضاري بعيد عن التعصب و العنصرية مراعياً الواقع دون أن يتخلى عن الهدف، لان مفهوم الوحدة كان غامضاً عند المفاوضين الذين ابرموا اتفاقها، فبعضهم لا يميز بين الوحدة و الاتحاد، و بعد الانفصال زاد مفهومها ضبابية و تعقيداً، عندما ربطت تعسفاً بتحقيق الاشتراكية وما أطلق عليه بالربط الجدلي بين الوحدة و الاشتراكية. إن هذه تقود لأحد احتمالين:

أما مفاهيم عقائدية جامدة و تدل على قصر نظر و غباء عقائدي، أو انفصال مغلف بالعقيدة إذ ربطتها بشروط صعبة تقف مانعاً من تحقيقها و في الوقت نفسه فان هذا الطرح يحوّل النضال القومي إلى صراع طبقي و يبعد عن الوحدة. فهل كان هؤلاء يدركون خطورة تنظيرهم.

لقد اثبت الواقع انه يمكن قيام دولة بنظامين من خلال تجربة الصين و هونغ كونغ. فعندما كانت النوايا حسنة فان دستور البعث حدد نظام الدولة السياسي بالبرلماني، ولم يحدده جمهورياً أو ملكياً، ليتيح تحقيق الوحدة بين أنظمة سياسية مختلفة....

إن المفكرين القوميين مدعوون للاستفادة من تجارب من سبقنا كالاتحاد الأوربي و كيف تدرج لتقويتها، و دراسة تجربة وحدة 1958 دراسة موضوعية و نقدية، تبتعد عن تقديس الاحزاب و التجمعات السياسية او عصمة الأفراد، لان كل المشاركين في قيامها و حكمها يتحملون المسؤولية سواء من غادر السلطة في منتصف الطريق، أو من لم يستطع الحفاظ عليها و ترك أبواب و نوافذ مشرّعة تسلل منها الأعداء من الخارج و الداخل، و يمكن الاستفادة في هذا المجال بدراسة المذكرات و الوثائق الرسميه و محاضر و الاجتماعات و ملف محاضر محادثات الوحدة، لاستخلاص العبر و الدروس المستفادة و فرز الحقائق عن المغالطات و التبرير و التزوير.

كما إن المثقفين و دعاة الوحدة مدعوون لتنشيط عملهم بعد الربيع العربي و ثوراته الوطنية و تحديد مفاهيم وحدوية واقعية وموضوعية معتمدة على نهج التطور و الابتعاد عن الشعارات الغوغائية و دمج المراحل الأولى بالنهائية او ربطها بشروط مانعة و ما يسببه من غلط فكري و معوقات عملية.

و نرى في هذه المرحلة دعوة أمين عام الجامعة العربية لتطويرها فرصة مناسبة لتحويلها إلى جهاز إداري يقدم الدراسات و الأفكار و منهاج عمل للدولة العربية، و إن دعوته للاستعانة بالاكادميين و رجال العلم و السياسة و تحويله إلى اقتراح مشروع وحدة حضارية تراعي الأوضاع القطرية و يبدأ بتوحيد القضايا المتفق عليها كتوحيد المفاهيم و المصطلحات العلمية و القانونية و العسكرية... و توحيد التعليم و الصحة و العمل.

لتأخذ الأمه العربية دورها الحضاري بين الأمم.

وقل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله