المال الطائفي والجوائز الأدبية 5
المال الطائفي والجوائز الأدبية (5 – 6)
أ.د. حلمي محمد القاعود
[email protected]
كان يفترض أن تكون الفنانة المعتزلة مهرة أقرب إلى التعبير الصحيح عن الإسلام ، بحكم أن أغلبية الفنانات المحجبات المعتزلات أو اللاتي مازلن يمارسن العمل ، يعشن حياة طيبة مستقرة ، صحيح أنها لم تكن بالبذخ الذي كانت عليه يوم كن يعرضن مفاتنهن على الشاشات أو المسارح ، ولكنها حياة مستورة في مجملها ، يسعدن فيها مع الزوج أو الأولاد أو العائلة الكبرى ، وهن معروفات بالاسم ، صحيح أن عددا منهن أقل من أصابع اليد الواحدة تراجع عن الحجاب ، وقيل في شانه ما قيل ، ولكنه لا يقاس
عليه .. ومنهن مهرة التي لا تمثل الأغلبية من المحجبات السعيدات ، ولكنها للأسف الشديد تمثل في الرواية الصوت الذي يهجو الحجاب وقيم الإسلام ، ويعد الحجاب سبب البلاء . تقول مهرة :
[حياتي ، ابتداء من الحجاب الذي حجب الرؤية عن عقلي ، في لحظة لا أعرف متى ولا كيف تم فيها ، وانتهاء بالأزمة المالية الخانقة التي لا أعرف كيف أخرج منها ] ص 166 .
لم تقل لنا الفنانة مهرة لماذا حجب الحجاب الرؤية عن عقلها ولا كيف ؟ ولكنها تؤكد على أزمتها المالية الخانقة من خلال هجائها للحجاب الذي لا تدري كيف دخلت في تجربته ، ولا تعرف – كما تقول – كيف تخرج منه. ثم تواصل الهجاء للحجاب الذي صار علامة على أزمتها ، وتضيف إليه مشكلة أخرى طلبوا منها – أي الجماعة الدموية التي تنتسب إلى الإسلام وفقا للرواية – أن تتكلم اللغة العربية الفصحى ، وكأن الفصحى عار يجب أن تتبرأ منه الأمة وليس السيدة الفنانة مهرة وحدها ، التي تخبرنا في
الرواية :
[كنت مسروقة من نفسي . نشلوا مهرة من مهرة . أمشي ، أتحرك ،ألبس الحجاب في بيتي ، أتكلم العربية الفصحى ، وكأن واحدة أخرى هي التي تفعل هذا وتلعب الدور نيابة عني .... ] ص 168.
ويبدو أن الفنانة المعتزلة لا تصدق هي أو من ينطقونها أن هناك مؤامرة كبرى على لغة القرآن ، بل القرآن نفسه ، ولذا تستنكر ضمنيا أن يطلبوا- أي الجماعة المفترضة – عدم استخدام العامية ، والتعود على الفصحى :
[ .. كانوا قد طلبوا مني التعود على نطق الفصحى . نهاني أكثر من مرة عن استخدام العامية ، التي أصبحت في نظره جزءا من مؤامرة كبرى على لغة القرآن الكريم ] ص 180 – 181 .
ثم تؤكد على أن الذين عرضوا عليها الحجاب أخبروها أن الفن حرام ، وأنهم سيتكفلون بها ، ولكنهم نكصوا عن وعدهم :
[ التي عرضت عليّ اعتزال الفن – الذي هو حرام في الأول وفي الآخر – قالت إنهم لن يتركوني أموت من الجوع .... ] ص 172.
ولكنها تحاول كما تنطقها الرواية أن تشير إلى الحجاب بوصفه ذريعة الجنون :
[قد يقولون عن الحجاب أوصلني إلى الجنون ، ما أسهل أن يقول الناس عن أي إنسان إنه مجنون ، تكمن الصعوبة في أن يتصوروا أنه رجع عاقلا كما كان ...] ص 177.
وتواصل هجاءها للحجاب ولمن تسميهم لصوص البهجة ، وسراق الفرح ، الذين يسرقون التماعة الفرح من عيون الأطفال ويفرضون على النساء التغطي بالسواد ، وعلى الرجال لبس الجلابيب البيضاء .وبغض النظر عن التغطية بالسواد ، أو البياض فإن الرواية تتجاهل أن تنطق الفنانة المعتزلة بأن التعري على الشاشات والمسارح يمثل تجارة غير مشروعة ، ورقّا من نوع جديد تباع فيه المرأة وتشترى لحساب لصوص متوحشين لا يعرفون الرحمة ، ولا يهتز في دمائهم ضمير :
[ أحاول استبدالهم بكائنات الظل ، بنواب الضمير ، وكلاء الله سبحانه وتعالى على الأرض .من يعملون في الصمت والظلام باعتبارهم أصحاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . كم تغيرت يا مهرة ؟ألم تقولي عنهم ذات يوم إنهم لصوص البهجة ؟ وسرّاق الأفراح ؟ والذين يحاولون تأميم التماعة الحياة في عيون الأطفال؟ أحاول أن أصبح جزءا من النساء المغطيات بالملابس السوداء . كل امرأة كتلة من السواد ، وما يرتديه الرجال مساحة هائلة من البياض. من الذي قرر القسمة غير العادلة السواد للمرأة
والبياض للرجل ، مع أن المرأة حياة ، والرجل قد يدمرها ] ص 177 .
هل عرف المسلمون من يسمون بوكلاء الله على الأرض ، مثلما عرفهم أتباع الكنيسة ، وخاصة في العصور الوسطى ؟ وهل الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر يعني الوكالة عن الله حقا ؟
إن الوكيل عن الله فيما يفترض يملك إدخال الجنة والإخراج من النار . فهل يوجد في الإسلام مثل هذا الوكيل ؟
على كل حال ، فإن مهرة الفنانة المعتزلة ، وهي تستشعر أنها أخطأت أو وقعت في أزمة بسبب الحجاب ، تسرد واقعها بطريقة تؤدي إلى فهم معكوس للإسلام ومنهجه وقيمه ، فنجد مهرة مثلا تضع القرآن في مواجهة العصافير ، وتنحاز إلى العصافير ضد القرآن ، وكل ذلك من خلال حالة لم أسمع عنها على الأقل في دائرة إقامتي ، وهي تركيب جرس للتنبيه في البيت يصدر صوتا لقارئ يتلو القرآن بدلا من صوت العصافير التي هجرت البيت الذي كانت مهرة سيدته في فترة ما ، وعندما كانت زوجة لصاحبه قبل الطلاق
:
[ لاحظت أن الجرس تغير .كان صوته على شكل تغريد عصفور . أهدأ عندما أسمعه . أفتح الباب ثم أضغط على الجرس حتى اسمع التغريد الصناعي الذي يشجيني . يحملني الصوت إلى حديقة خضراء واسعة ، أو إلى شجرة عدد العصافير فوق أغصانها أكثر من عدد أوراقها الخضراء .
......
فوجئت بجرس جديد . لفتني أنه عبارة عن ترتيل لآيات من القرآن الكريم . صوت المقرئ(كذا؟) قوي.صحته موفورة . قلت لنفسي :أخذت العصافير من حياته إجازة . هجرته العصافير ، هجت من عشه احتجاجا على تركي البيت ...] ص 179.
صار القرآن مرادفا للموت ، وأيضا صار الحجاب كفنا ، وصار الجلباب واللحية رمزا للتخلف والبلاهة وإثارة الذهول :
[ ذهل من الحجاب الذي ألف به نفسي ككفن ، ووصلت إلى ما هو أبعد من الذهول بسبب منظره الذي توقعت أي شيء ، وكل شيء، إلا هو : مصطفى يلبس جلبابا أبيض، ويطلق لحية كثيفة ، لم أره بها ، ولا حتى في صوره القديمة ] ص 180 .
وتنسى السيدة مهرة أن أفضل العاملات في مجالات التدريس والبحث العلمي والجامعات والإعلام والصحافة والعمل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وغيرها ، من المحجبات اللاتي يشار إليهن بالبنان في كل الدول العربية والإسلامية ، ولكنها فيما يبدو تعيش في بلاد أخرى !
وترصد السيدة مهرة مظاهر الموت التي يعيشها بيت مصطفى الذي كان زوجا لها ، فبعد أن كان رمزا للبهجة قبل طلاقها ، وحجابها وتقاعد صاحب البيت ؛ تحول البيت إلى رمز للقبح والكآبة ، وكأن الإسلام يسبب للمنتمين إليه القبح والكآبة ، لأنه – في زعم مهرة أو من ينطقها – ضد البهجة والفرح :
[ أين ذهبت مملكتي ؟ دخلت غرفة النوم التي كانت غرفة نومي . أضأت النور . لمبة واحدة كالحة تتدلى من السقف ، كأنها مشنقة ، مدلاة لشخص يريد أن ينتحر . أين الأنوار الحمراء ؟ أين الأضواء البنفسجية ، التي كانت تنعكس أضواء لمباتها على الجدران والسقف؟ أين الصور العارية الجميلة ، التي قلت عنها في أول مرة حضرت فيها إلى الشقة ، إنها رسومات فاجرة وداعرة . لكني ألفتها وأحببتها وأقمت معها صلة ، بعد فترة ، وأصبحت جزءا من مكونات حياتي ] ص 182 – 183 .
هكذا ترى مهرة بمنطقها ، أو منطق من يحركها ، مفهوم القبح والجمال !