عسكرة الثورة السوريّة

د. أبو بكر الشامي

((أُذِنَ للذين يُقَاتَلون بأنّهم ظُلموا وإنّ الله على نصرهم لقدير )) الحج 39

لقد بقي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم في مكّة المكرّمة ثلاث عشرة سنة يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، ويأمر أصحابه بالصبر ، والتحمّل ، وكفي الأيدي، وعدم المواجهة المسلّحة مع الطواغيت ، بالرغم من ممارسة طغاة مكة ضد المسلمين كل أشكال الظلم والقهر والتعذيب والاضطهاد ... امتثالاً لقول الله تعالى :

 ((أدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ، وجادلهم بالتي هي أحسن ))  . النحل (125)

وقوله تعالى : (( ألم تر الى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة)).النساء77

فلما بايعه الأنصار رضوان الله عليهم ، على أن ينصروه ، وينصروا أصحابه ، ويحمونهم من أي خطر يتهدّدهم كما يحمون أولادهم وأعراضهم ..

أمر النبي الكريم صلى الله عليه وسلّم أصحابه بالهجرة إلى المدينة المنوّرة ، والانحياز إلى قاعدة الإسلام الجديدة ، وأذن الله لهم بالقتال والجهاد في سبيل ، دفاعاً عن دينهم وعقيدتهم وأنفسهم وأعراضهم ...

وأنزل الله تعالى الآية السابقة من سورة الحج ((أُذِنَ للذين يُقَاتَلون بأنّهم ظُلموا وإنّ الله على نصرهم لقدير)) ...

واليوم وثورتنا السورية المباركة تدخل شهرها السادس ، وهي ترفع لواء السلمية . بينما العصابات الأسدية وشبّيحته الفاجرة الغادرة تعيث في سورية الحبيبة تقتيلاً ، واعتقالاً وتشريداً وتهجيراً ...

وآلة القمع الأسديّة الظالمة الغاشمة تتجول في المدن والبلدات السورية الواحدة بعد الأخرى ، فتنشر الخراب والدمار فيها ، وتدكّ البيوت الآمنة والجوامع والمستشفيات والمدارس على رؤوس ساكنيها ، وتقتل الأطفال والنساء والشيوخ والرجال ، بدون أدنى درجة من حياء أو خلق أو ضمير أو إنسانية ، وسط عجز عربي مشين ، وتباطؤ عالمي مخزي ... !!!

أقول : بعد ستة أشهر من الصبر والمصابرة ، والاستعلاء على الآلام والجراح والدماء والأشلاء ، والإصرار على سلمية الثورة وتحضّرها ، وأمام هذه الحقائق والمعطيات

التي تدمي القلوب الحيّة ، وتفتت الأكباد الرطبة ، واستلهاماً من سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم ، وتوجيهات القرآن العظيم ، فإنني أطرح قضية عسكرة الثورة للمناقشة الجادة من قبل جميع أبناء شعبنا السوريّ العظيم في الداخل والخارج ، وذلك وفق الثوابت التالية :

أولاً : لقد أثبتنا للعالم أجمع ، وعبر ما يزيد على خمسة أشهر من عمر ثورتنا المباركة ، حسن نوايانا ، وصدق مقاصدنا ، وطهر وسائلنا ، وسلميّة ثورتنا ، وبذلك نكون قد أُعذرنا أمام الله ، ثم أمام أبناء شعبنا السوري ، وأمتنا العربية والإسلامية ، وأحرار العالم .

ثانياً : لقد أوغلت عصابات القتل والإجرام الأسدية في دمائنا ودماء شعبنا حتى ضجّت السماوات والأرض ، وبلغ السيل الزبى ، وجاوز الظالمون المدى ، وحقّ الجهاد ، وحقّ الفدى ، ولم يعد لدينا في قوس الصبر منزع .!!!

ثالثاً : إن الدفاع عن النفس حقّ كفلته لنا كل الشرائع السماوية والأرضية ، وهو منهج سنه لنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلّم عندما تعرّض لظروف مشابهة لظرفنا ، والآية السابقة من سورة الحج تحسم هذا الأمر بما لا لبس فيه .

رابعاً : إنّ السلمية والسلام هو منهجنا وشعارنا ، فديننا دين السلام ، وعقيدتنا عقيدة السلام ، وجنتنا هي دار السلام ...

ولكن السلام مع من يستحقّون السلام من البشر العاديين الأسوياء ...!!!

أما الكلاب المسعورة ، والحيوانات المفترسة فليس لها دواء عندنا غير السحق ، فالحديد بالحديد يُفلَحُ ، ولنا في ذلك من رسولنا الكريم الأسوة والقدوة ...

إذ يُخطيء كثيراً من يظن ، بأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، كان مجرد واعظ ، يلقي بمواعظه البليغة في الهواء ويمضي في طريقه .

أو مجرَّد ناسك متبتل ، تملأ قلبه الرحمة ، فيوزعها يميناً وشمالاً ، على من يستحق ، أو لا يستحق من الناس .!

لا .. أبداً .. فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، كان إنساناً متكاملاً ، جمع في شخصيته الفذة ، كل مواصفات المؤمن الرباني ، فهو زاهد متبتل في محاريب الإيمان ، ولكنه أسد هصور في ميادين القتال والجهاد ،  ولقد تلقى أوامر الوحي في سورة الأنفال ، التي نزلت تعقيباً على معركة بدر الخالدة ، في السنة الثانية للهجرة :

(( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباطِ الخيلِ ، ترهبونَ به عدوَّ الله وعدوَّكم ، وآخرين من دونهم ، لا تعلمونهم ، الله يعلمُهم )) .

فبادر إلى تطبيقها بأعمق ما يكون الفهم ، وأروع ما يكون التطبيق .

فها هو يؤدب المعتدين على مدينته ، المروعين لإخوانه ، الخائنين لمعروفه ، فيقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، ويصلّبهم في جذوع النخيل ، ويثمل أعينهم ، ليكونوا عبرة لكل خائن وغادر وجبان .!

قال ابن هشام : قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نفر من قيس كبة ، من بُجيلة ، فاستوبؤوا في المدينة ، وطحلوا فيها ( أي أصابهم نوع من الوباء ، كان يترافق مع تضخم الطحال لدى المريض ).

فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو خرجتم إلى اللِّقاح ، فشربتم من ألبانها ، فخرجوا .

فلما صحّوا ، وانطوت بطونهم ، عدَوا على راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذبحوه ، وغرزوا الشوك في عينيه ، واستاقوا اللِّقاح ، وهربوا .!!!

فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم ، كُرْز بن جابر ، فلحقهم ، فأتى بهم رسولَ الله ، مرجعه من غزوة ذي قَرَدْ ، فقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسمل أعينهم .!      هشام2 (641)

ولقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ، أنه قتل بعض أعدائه صبراً ، وأهدر دماء البعض الآخر ، من الموغلين في الإساءة للإسلام ، فأمر بقتلهم يوم الفتح ، حتى لو وُجدوا معلّقين بأستار الكعبة المشرَّفة .!

وخرّب ممتلكات ثقيف في الطائف  ، ودك حصونهم بالدبابات والمنجنيقات ، وذلك عقوبة لهم على ما فعلوا بالمسلمين يوم حُنَيْن .!

وكان يقول : (( لا يُلدَغُ المؤمنُ من جُحرٍ مرّتين )) . البخاري ومسلم

ويقول : (( نُصرتُ بالرُّعبِ مسيرة شهر )). البخاري

خامساً : إن جيش سورية الحرّ ، هو الذي يجب أن يشكل رأس الحربة في قوة الردع السورية التي تتصدى لعصابات الأسد وشبّيحته المارقة ، وفق خطة محكمة ، تشرف عليها وتدعمها عسكرياً الجارة المسلمة تركيا ، وبتمويل من الأشقاء الخليجيين ، وغطاء من جامعة الدول العربية ، ومنظمة التعاون الإسلامي ، ومجلس الأمن الدولي.

ولنا من التجربة الليبية الأسوة والقدوة ، فلقد تمكن ثوارها الأبطال في زمن مقارب لزمن ثورتنا من حسم أمرهم ، ودحر الطاغية وأعوانه ومرتزقته ، بفضل الله ، ثم بدعم عربي وإسلامي ودولي ...

وبعد ... فالقضية مطروحة للنقاش على مستوى الوطن والأمة ، بهدوء وروية وتعقّل،  وبدون أية درجة من الحساسية أو التشنّج أو المزايدة ...

والله من وراء القصد ، ثم مصلحة الوطن ومستقبل ثورته المباركة ...