المال الطائفي والجوائز الأدبية 2

المال الطائفي والجوائز الأدبية (2 – 6)

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

بقلم :أ . د . حلمي محمد القاعود

يقول ماجد في الرواية الفائزة بجائزة المال الطائفي الكبرى ، معبرا عن وجهة نظره في الحجاب الذي وصل إلى الفنانة الجميلة " مُهرة " وقادها إلى الاعتزال :

[ أسرّ لنفسي : يبدو أن الست مهرة كانت صاحبة مزاج في زمن مضى ، قبل أن تصل إليها شوطة الحجاب .. تحسرت لأنني لم أعرفها عندما كان مزاجها عاليا..] ص 46 .

لماذا تعدّ الحجاب شوطة يا ماجد ؟ وهل ترى حجاب الراهبات الذي يضفي عليهن وقارا واحتراما شوطة ، أو وباء يجب أن يحترسن منه ؟ حلال للراهبات حرام على المسلمات ؟

وننتقل إلى شخصية أخرى من شخصيات الرواية التي تتبني المنظور الطائفي المتمرد ، وهي شخصية المجذوب الذي أطلقت عليه الرواية  الجنرال "عفارم" ، وكان يشغل وظيفة مرموقة في الدولة ، ولكن حبه أوهيامه بالفنانة " مُهرة " جعله يتخلى عن منصبه ومكانته ، ويتحول من محام وقاض ومستشار يشار إليه بالبنان إلى مجذوب يرتدي ثياب جنرال الحسين الذي يزين صدره بالأوسمة والنياشين ويمشي كأنه تائه بسبب الحب الذي اشتعل في قلبه للفنانة مهرة قبل اعتزالها وبعده .  وكان أمرا طبيعيا  ، ألا يفكر إلا في محبوبته التي يطاردها في كل مكان ، ويرابط على باب عمارتها ليلا ونهارا..

وأقوال الجنرال عفارم يبدو فيها الخلط والغرابة ، وسرده هو السرد الوحيد في الرواية الذي يأتي متضمنا لآيات قرآنية وأحاديث نبوية لا علاقة لها في الغالب بالسياق أو الأحداث ، ومن أقواله :

[ أطلقت لحيتي التي غطت صدري ، وأطلقت شاربي ، وتركت سوالفي . هكذا أشار علىّ الحلاق ، وهو حلاق ملتح ، أصبح شعري متروكا ، لينمو في أي اتجاه وكيفما شاء , لبست الجلباب ، وأصبح شعاري : الشيوخ هم الحل ..] ص 66 .

لم يقل لنا الجنرال عفارم من يقصد  بالشيوخ : هل هم شيوخ السلطة ؟ أو أي شيوخ آخرين ؟ وكيف يقدمون له الحل الأمثل في حبه أو حياته أو حياة الناس ؟

ولكن فخامة الجنرال عفارم يقدم لنا الحكمة العاقلة جدا ، التي تكشف عن فيلسوف في كامل وعيه ، فيناقش قضايا الفساد والإرهاب ، على طريقة الممثل عادل إمام في أفلامه التي يغازل بها السلطة ، ويقدم من خلالها الإسلام في صورة دموية بشعة :

[.. خطران : الإرهاب أو الفساد . حملة المدافع يرهبون من يتصورون أنه عدو الله مع أنهم أعداؤه ، والذين يسكنون القصور يرفلون في ناتج الفساد وعوائده ، يوزعون أنجر الفتة على أنفسهم ، ليس بالتساوي ، ولكن حسب استحقاق كل منهم .....   الإرهابي يحتاج إلى الفاسد حتى يكون مبررا لإطلاق مدفعه ، والفاسد في أمس الحاجة إلى الإرهابي حتى يغطي على فساده . لو لم يوجد الإرهابي لاخترعه الفاسد ، ولو لم يوجد الفاسد لصنعه الإرهابي....] ص 68.

وهل يحتاج الإرهابي إلى المدفع كي يتحالف مع الفاسد ؟ إنهما ليسا بحاجة إلى مدافع قدر حاجتهما إلى العمل الناعم لنهب البلد في هدوء ، ونشر الفساد في هدوء ، وتفجير البلد في هدوء هكذا يفعل الفاسدون على الأقل ، فما حاجتهم إلى المدافع ؟ وهل صار الإسلاميون جميعا حملة مدافع ؟ ثم من هو الإرهابي المتطرف : أليس مجرما مثله مثل غيره ؟ وهل من الضروري أن يكون الإرهابي متدينا ومرتديا للغترة والجلباب وله لحية وعلى وجهه كآبة العالم وغضبه ؟

ملايين المسلمين لا يعرفون الإرهاب ولا يحبون الدم ، ولكن الجنرال عفارم بتوصية من المؤلف ، وتقليدا لعادل إمام جعل المسلمين إرهابيين يتحالفون مع تجار الحديد والخردة ومحتكري السلع الإستراتيجية من أقطاب الحزب الحاكم !

أما الفنانة المعتزلة " مُهرة " ، فقد عاشت في الظل ، وتآكلت مدخراتها ، أو ضاعت في شركة توظيف أموال ، يدعي صاحبها  الإسلام ولحيته تطال الأرض ، ويحب النساء ، وخاصة من ذوات اللحم الأبيض الشهيرات، ويدفع مقابل ذلك شيئا كثيرا .. فإنها تبدي  رفضها لمصادقة مثل هذا الرجل من منطلق ذاتي وليس من منطلق إسلامي يرفض الانحراف والفساد ، وكل ما يخالف الفطرة فتقول الفنانة:

[ الفن الذي يجعل الفنانة تصادق ، أقصد ترافق صاحب شركة توظيف أموال ، أو تتزوج برجل تصل لحيته إلى الأرض. . . يفتح الله ] ص 90 .

ثم ترى الفنانة أن الجماعات الإسلامية تترصدها وتهددها ، وتهدد أهل الفن جميعا بالموت الزؤام ، لأن الفن في مفهوم الإسلاميين جميعا حرام ! تقول مهرة :

[ وجاءت تهديدات حراس الضمائر ؛ من يقولون عن أنفسهم ديدبانات الروح . تهديدات موجهة إلىّ وإلى أهل الفن عموما ، والفنانات منهن على وجه الخصوص . بدأ دبيب الخوف يتسلل إلى روحي ...] ص93 .

يذكر التاريخ القريب أن الإمام الشهيد حسن البنا ، أنشأ فرقة مسرحية ، وأن شقيقه عبد الرحمن كان يؤلف لها المسرحيات ، وكان من أبرز النجوم الفنان الراحل عبد المنعم مدبولي . كما يذكر التاريخ حكاية مقابلة بين  الإمام الشهيد حسن البنا أيضا والفنان الراحل أنور وجدي ، أخبره فيها أن الفن الذي يدعو إلى الفضائل والأخلاق، يوافق عليه الإسلام ، ويتفق مع الدعوة الإسلامية .. بيد أن الفنانة المعتزلة مهرة ، التي ارتدت الحجاب على غير رغبة منها كما تشير أحداث الرواية ، تتكلم بغضاضة عمن تسميهم ديدبانات الروح أو حراس الضمير ، ولا أدري هل لهؤلاء وجود حقيقي في الواقع يشكل منهم ظاهرة تحتشد لها رواية على امتداد ما يقرب من خمسين ومائتي صفحة ؟ أو إنه مجرد اختلاق صنعه أعداء الإسلام ، والعاملون لمحوه وإلغائه واستئصاله لتشويه صورتة وصورة المنتمين إليه ؟..

نتوقف قليلا عند هذا الحد مؤقتا من هجاء مهرة لمن تراهم حراس الضمير وديدبانات الروح ، لنرى الجانب الآخر من الصورة عند " مرام " والدة الطالب المسيحي " ماجد عبود " ، ورؤيتها للمسلمين ، وليس الجماعات الإسلامية وحدها .. تقول بعد انتقالها مع ولدها إلى القاهرة ، وإقامتها في غرفة صغيرة بأحد  الفنادق المتواضعة :

[ يوم الجمعة الماضي ، صعد إلىّ شخص لا أعرفه ، لحظة صلاة الجمعة سألني : لماذا لا يصلي المحروس ابني الجمعة حاضرا ؟ سكتُّ ولم أرد عليه . احترت ماذا أقول له . انصرف وهو يتمتم تمتمة لم أفهم منها حرفا واحدا . رأيت فقط لحيته الكثيفة تتحرك في غضب . قلت لنفسي : حيرتنا من المسلمين لا حدود لها . إن علقت الصليب في مكان ظاهر غضبوا ، وسمعت تمتمة في كل مكان أذهب إليه ، وإن أخفيته صعد إلى وطلب صلاة ابني الجمعة حاضرا ، بطريقة فيها تهديد ووعيد ، الصليب الذهب بعته. أكلنا بثمنه، هل أحضر صليبا من الخشب أعلقه على باب الغرفة ؟! لم يبق سوى هذا ] . ص 111 .

هل هذا الأمر له وجود فعلي في واقع مصر المسلمة أم إنه افتراء من الشخصية الروائية غير الإسلامية على المسلمين ؟

وتؤكد السيدة المسيحية مرام تحاملها على المسلمين من خلال اختيار سكن لأسرتها  المسيحية ، قال لها ماجد إنه تجنب الأحياء الغالية التي يكثر فيها السياح العرب ، حيث يكون للهواء سعر ( وهذا أمر طبيعي ) ، ولكنه يباغتنا نحن القراء حين نعلم أنه  [ تجنب الأحياء ذات الطابع الإسلامي إيثارا للسلامة . قال لي إن أول شبرا – يقصد تجمع النصارى في هذه المنطقة أكثر من غيرها - الأكثر أمانا بالنسبة إلينا ..] ص 112 .

وواضح أن رؤية النصارى من خلال أسرة ماجد عبود رؤية انعزالية انفصالية قائمة على الكراهية والرفض للآخر الذي يمثل الأغلبية الساحقة لأسباب مختلقة ووهمية في معظمها على الأقل .. وهو ما تلح عليه السيدة مرام في بقية أجزاء القصة .