المصالحة الثقافية
المصالحة الثقافية
يسري الغول
كثيراً ما تفرقنا السياسة، وتباعد بيننا وبين ما نحب. حتى وصل بنا الحال إلى أن تقوضت الوشائج وباتت في مهب الريح. وبدلاً من أن يكون المثقف صمام الأمان للمجتمع والأمة، وناظم العلاقات الإنسانية داخل تلك الأروقة، تحول إلى مجرد حجر دومينو بيد الساسة، يتحرك كيفما شاء أرباب البلاد ودهاقنتها حتى لو كان ذلك على حساب المبادئ والمثل والأخلاق وتحقيق مبدأ العدالة.
وإن الحالة الفلسطينية من أشد الحالات وضوحاً في نقد المثقف والمفكر والفنان والأديب وغيرهم من ثلة النخبة المجتمعية؛ فنقد الواقع مباح عند البعض في أجزاء من الواقع، وحرام في المناطق والأجزاء الأخرى تبعاً لرضى ولي النعمة والمتصرف بحال البلاد بعدما صارت البلاد شبران من عدم، وبعدما ارتهن الشعب للراتب.
ولقد كان حري بكل صاحب قلم أن يوجه نصل قلمه إلى خاصرة العدو والمحتل الذي يسرق كل مقومات الإنسانية والحياة المادية من هذه الأمة. فالوطن بحاجة ماسة لأن تتوجه الأعمال الأدبية والفنية والمسرحية لصالح الوطن كله، في ظل حالة من الحشد والتعبئة المهولة من طرف العدو الصهيوني، حيث وجب مكافحتها بتعبئة مقابلة من خلال توجيه تلك الأقلام والألوان والصور إلى شتى البقاع وخصوصاً دول أمريكا اللاتينية وأوروبا والولايات المتحدة وغيرها، فلا يجب أن تنحرف هذه الأقلام لصالح فئة على حساب أخرى وتتجاهل الواقع المرير الذي يحيق بالوطن، وإذا كان الأمر من باب النقد الحقيقي والواضح، فعلى هؤلاء ألا يغفلوا عما يجري بيد ولي الأمر، من اضطهاد وتعسف في ظل حالة مزرية من التهويد والاعتقالات والاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى وتدنيس الهوية الإسلامية والعربية.
فإذا كانت الثقافة حسبما يقول غوستان فون غرونيوم بأنها الجهد المبذول لتقديم مجموعة متماسكة من الإجابات على المآزق المحيرة التي تواجه المجتمعات البشرية في مجري حياتها، فكيف بنا بدلاً من التصالح نذهب بالثقافة نحو التصادم، وبدلاً من صناعة التفاهم والوئام ننحني نحو الهدم والانهيار. ولعل هذا يبرز تماماً كما ذكره داريوش شايغان حين قال بأن مثقفينا يبدون محاربين أكثر منهم مفكرين يتأملون بهدوء وراء طاولات عملهم. فإنهم تحولوا إلى بيروقراطيين أكثر من كونهم مثقفين ومفكرين.
أختم بأن المنطقة العربية بشكل عام باتت تنقم على المثقف الذي يتأثر ويؤثر بمحيطه لأنه صار تبعاً لهوى الساسة. حتى وصل الحال ببعض الصحف أن تكتب في مانشيست كبير تقول فيه: مثقفونا.. إما محاربون وإما أدعياء وإما يعانون الفصام
فمتى سيعود المثقفون لدورهم الطليعي، ويصلحون ما أفسده الساسة؟!