متى يتوب عرّاب الاستبداد إلى الله؟
أ.د. حلمي محمد القاعود
تمنيت لو أن الصحفي الشهير جدا محمد حسنين هيكل تاب إلى الله وأناب ، وراجع نفسه بعد عمر طويل يزيد عن التسعين عاما ، وحاول أن يستغفر ربه عما اقترفه من خطايا في حق الأمة والشعب المظلوم ، والإسلام والمسلمين ، واكتفى بما جمعت يداه من مال ونشاب ، وما حققه من شهرة وصيت على مستوى مصر والعالم .
تمنيت لو عاد إلى القرآن الكريم ، وحاول قراءته بهدوء ، ووضع إلى جانبه تفسيرا معاصرا جميلا يحقق له متعة فنية إلى جانب متعة القرآن الكريم الربانية ، وليكن تفسير الظلال لشهيد إلإسلام - بإذن الله – سيد قطب ، الذي شارك في قتله بطريقة وأخرى في عهد البكباشي الأرعن الذي سلم اليهود الغزاة قطاع غزة وأرض سيناء ، وتنازل عن السودان، وقّلص مساحة مصر إلى نحو 30% من حجمها في عهد الملكية البائد! - بدلا من أن يدّعي أن هناك فرقًا بين الحكم بالعدل والقانون، ويزعم أن العبارة المكتوبة على جدران المحاكم وهي" وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" غير دقيقة من الناحية القانونية!
يشرح هيكل : " القانون يوضع لإرساء قاعدة يتبعها الجميع، فهو تنظيم اجتماعي"، مشيرًا إلى أن هناك مساحة فارغة بين الاثنين ( يقصد بين العدل والقانون ) في بعض القضايا، بينما العدل رؤية إنسانية فقط"! وهل للقانون مهمة غير تنفيذ العدل ؟
ثم يزعم : "لا يوجد قاضٍ يحكم بالعدل، ولكنه يحكم بالقانون، لأنه إذا حكم بالعدل فهو يحكم طبقًا لاعتباراته الشخصية".
بدلا من هذه الخزعبلات والأباطيل بعد التسعين سيجد هيكل – إن شاء الله – في القرآن الكريم شفاء وهدى ، ونورا ورحمة ، وليس مجرد قيم روحية – على وزن مشروبات روحية - كما ورد في الميثاق أيام زمان . وفي القرآن الكريم أعمق صور العدل في التاريخ وأعمق صور القانون الإلهي الذي حكم به محمد – صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدون من بعده ، والقضاة البشر الصالحون الذين يعدون من قضاة السماء ، وليسوا من قضاة الانقلاب الذي يحكمون بالموت على المئات في الجلسة الواحدة دون سماع شهود أو استظهار بيّنة !
انحياز هيكل طوال عمره إلى السلطان ضد القرآن ، يمكن أن ينتهي لو قرأ القرآن قراءة حرة مجردة من رواسب الدفع الثوري الاشتراكي في عهد البكباشي الأرعن وشوائب ثورة الفوتو شوب في عهد الجنرال الذي قسم البلاد إلى شعبين وربّين .
لا يظنن أحد أن سذاجتي وصلت إلى الحد الذي أصدق فيه أن يستجيب هيكل لدعوتي له بقراءة القرآن الكريم قراءة جادة بعيدة عن الرواسب والشوائب ، أو يستعيد الرجل تجربة جارودي أو هوفمان مثلا مع القرآن الكريم ، ولكنني أبلغه برغبتي – لعل وعسى - في وقت كشّر له فيه شعب الثورة المضادة عن أنيابهم لأنه دعا إلى ما يسوء زعيمهم ، الكنز الاستراتيجي للعدو النازي اليهودي ، وشنّوا عليه حملة ضارية وصلت إلى حد معايرته بأنه يحمل دبلوم تجارة ، وإن كنت أرى أنه يستحق درجة الدكتوراه في الفن الصحفي الذي يقنعك بأن الفسيخ شربات ، وأن الطاغية المتجبّر السفاح بطل ديمقراطي عادل ، ولوضيّع كرامة الناس وأهدر دماء الألوف ، وعذّب الأبرياء، وشرّد الشرفاء ، ولم ينتصر على الأعداء في يوم ما ، وترك للغزاة الفرصة كي يركلوه ويصفعوه ويجعلوه معرّة الأمم .
توبة هيكل إذا حدثت تجبّ ما قبلها أي تمحوه ، ورحمة الله واسعة ، وغفرانه بلاحدود ، وفائدتها لنا نحن الشعب المظلوم ، أنها ستجعل كثيرا من المفتونين به وبآرائه يعودون إلى الصواب ، ويعودون إلى الحق ، ولا يستمرئون ممالأة الطغاة والجبابرة أو المراوغة في الحق. نراه مثلا يجيب حين يُسأل عن تسريبات وزارة الدفاع حول تزوير أوراق اعتقال الرئيس المسلم محمد مرسي – فك الله أسره – بقوله : إن هناك أناسا يتصرفون بمنطق القانون مع أنه لم يكن هناك دستور حينها .. وبعد أن يتكلم عن الفوضى وأمريكا التي تُسجل مكالمات . يحسم المسالة ويميّعها في آن : في ظل هذه الفوضى أستطيع أن أقول إن "الكل يسجل" .. ويذكّر بأشرف مروان الذي جاء له بجهاز يمكنه من التجسس على المكالمات ولكنه رفضه .. .. وبالتالي فلا تهمه الاجراءات .. من يريد الصالح العام لا يهمه شكل الاجراء !
وإني أسأله هل هذا يدخل تحت حكم العدل أو حكم القانون أو حكم الانقلاب ؟
هيكل عرّاب الانقلاب الأول الذي سيطر عليه البكباشي الأرعن ( أنا مش خرع زي مستر إيدن ، ثم تلقى صفعة 1967 التي سُمّيت نكسة ويرنّ صداها حتى اليوم ) ، وهو عرّاب الانقلاب الثاني الذي يقود مصر إلى خراب مدمر تلوح بوادره في الأفق ولا تجدي معه محاليل الدعم من الأعراب ولا المباركة اليهودية ولا المساعدات الصليبية التي تقدمها الست كاترين آشتون ووزير الدفاع الأميركي !
ما قاله العرّاب لأم جميل في محاولة لإنقاذ الانقلاب الثاني لن يجدي ، ما معنى أن قائد الانقلاب ليس مسموحاً له بالفشل، ولا حتى بالنجاح الجزئى، وأن عليه أن يثور على نظامه ؟ هل يظن أنه سيقوم بانقلاب ضد النظام الذي جاء منه ومن أجل إعادته ، وجعله يفرج عن رمز ه الذي يسمى المخلوع ؟ هل نصدق أن هيكل يريد من قائد الانقلاب المستبد أن يقيم نظاما ينقذ مصر من الانقسام والانهيار ، ويعيد لشعبها كرامته وحريته واحترام إرادته ؟ ماذا سيصنع قائد الانقلاب في المدة التي حددها له هيكل حتى 25 يناير القادم وقد استطعم دماء الأبرياء ، والزراية بالشرفاء ، والطرب لأبواق الكذب وأقلام الزور ؟ أية رؤية للمستقبل تتعامل مع حزمة تحديات قائمة وقادمة والجنرال مسكون بتنفيذ أوامره التي تعني شيئا واحدا هو القمع المطلق أو الطاعة العمياء ، أو الشعب الصامت ؟ هل يهرب هيكل مقدما ويقفزمن السفينة التي عمل ناضورجيا لقبطانها يلوح باتجاه الريح ؟
هيكل له تعبيرات بلاغية جميلة تشد السامع أو القارئ ، ولكنها للأسف تصبّ في سياق تاريخي يرتبط بمسيرته الصحفية منذ الأربعينيّات حتى اليوم ، وهو سياق بعيد عن لغة الحقيقة التي تتجاهل عن عمد طبيعة النظام الذي يحكم بالحديد والنار ، ولايعبأ بشيء اسمه الحرية أو كرامة الإنسان وإرادته ؟
خذ مثلا تعبيره المجازي الجديد " تخمة الامال " و " جوع الموارد " .. هل نظر هيكل إلى عدد الدبابات والمدرعات التي تملأ شوارع مصر منذ أربع سنوات ؟ هل سمع عن عشرات الآلاف من علماء مصر وطلابها ونسائها وأطفالها وراء الأسوار العالية ؟ هل قرأ هيكل مايكتبه صبيانه في الصحف وما يقولونه في الإعلام من دعوات لقتل الأبرياء والشماتة في سفك دمائهم وحبسهم ومصادرة أموالهم وتكميم أفواههم ، والسلوك العنصري الذي يحكم العلاقة بين الحكام العسكر والشعب الذي لايعجبهم ؟
حين يعود هيكل – كما أتمني دون سذاجة – إلى القرآن الكريم ، سيجد أن العدل في الآية الكريمة التي تناولها وأشرت إليها في بداية المقال لا تتناقض مع أي قانون يقوم على العدل ، الذي هو أساس الملك ، وليس الانقلاب!