حبل الكذب قصير

د. نور الدين صلاح

مركز الدراسات الاستراتيجية لدعم الثورة السورية

أن يكذب الإعلام السوري فهذا متوقع وليس مستغرباً ، ولم يعد بحاجة إلى دليل ، ونسمع حتى من داخل النظام من يقول إنه يحتاج إلى بعض الشفافية ، ويظهرون اعتراضهم على ما يسمى إدارة الأزمة (إعلامياً) ، ولا حظنا أن الخطاب الإعلامي كان ينكر المظاهرات مطلقاً ، فوجد أن الكذبة لن تصدق ، فبدأ يحدثنا عن مظاهرة تقدر بخمسة عشر شخصاً في برزة ومائتي شخص في حماة ، فظن أن الكذبة إذا (خفت) صدقت ، وهنا أذكر قصة أن أحدهم كان له ولد يكذب كثيرا وباللغة العامية (بيخرط أو بيكش) لكن كذباته لا تصدق ، فقال له أبوه : يا بني إذا كذبت كذبة فخليها كذبة تصدق ، لم يستطع الابن ذلك لأنه اعتاد على الكذب الفاضح فما كان من الأب إلا أن قال يا بني (إذا كذبت ووكزتك بيدي فعدلها شوي أي شلبنها) فكان الولد ذات يوم يتحدث فقال رأيت في اليابان باص (أتوبيس) بطول 100م وبعرض وقبل أن يتم فوكزه أبوه فقال الولد بعرض 10سم ، فكانت الكذبة أشنع وأسخف

وهذا الإعلام السوري أصبحت كذباته نكات تروى ، أشبه ما تكون بمسرحية هزلية تذكرني بمسرحية (مدرسة المشاغبين) أو (شاهد ما شافش حاجة) ولقد صار كثير من الناس (وأنا صادق) ينتظرون إطلالة بعض الإعلاميين السوريين من أجل (الفرفشة) وإن كان بعض المتابعين يصابون بنوبة من الغثيان وبعضهم بالحنق والغيظ والألم لما وصل إليه الحال من استخفاف بالإنسان ابتداءً من استخفاف المتحدث بنفسه ثم بمن حوله ثم بالمشاهدين في كل أرجاء العالم

إن من يعرف تاريخ الإعلام السوري من يوم أن استلم الرفاق الحكم في ثورة (8آذار) مروراً بنكسة (67) والبيانات المطنطنة والتي توجت على لسان الرئيس الراحل (حافظ) عندما كان وزيراً للدفاع وكانت تصدر البيانات باسمه وتوقيعه وأعلن (سقوط القنيطرة) وكل الناس وخصوصاً سكان القنيطرة يعلمون علم اليقين أنها لم تسقط لأنهم ما زالوا موجودين فيها ولم يروا جندياً إسرائيلياً واحداً ، واستمر الكذب والتبرير والتضليل بل وجدنا الإعلام السوري قلب النكسة إلى نصر لأن الحرب هدفها إسقاط الحزب والحزب القائد بقي ولم يسقط لذا انتصرنا ، وهؤلاء من سياسيين فاشلين انتهازيين وإعلاميين منافقين مردوا على النفاق والكذب ، صرحوا بمناسبات عدة ، إذا قتل الآلاف من الشعب والغلابة من المجندين فالنساء حبّالات ولاّدات كما قال (أمين الحافظ) وإذا ضاعت الأرض فالحزب باق والأرض تعوض وتسترد ، وإذا اعتدي على سمائنا وقصفت المواقع فالرد سوف يأتي في الوقت المناسب مع الاحتفاظ بحق الرد

وجاءت حرب تشرين (التحريرية) مفعمة بالبيانات العسكرية وخاصة في أعداد الطائرات التي أسقطت للعدو ، فيأتي أحد البيانات بإسقاط (56) طائرة دفعة واحدة وفي اليوم التالي قريباً من هذا العدد ، ولقد أحصى بعضهم الطائرات التي أعلن الإعلام السوري إسقاطها للعدو الصهيوني على الجبهة السورية في تلك الحرب فبلغت عشرة أضعاف ما تملكه إسرائيل من طائرات ، والحصيلة الحقيقية في النهاية سقوط عدد جديد من القرى (34) قرية بيد المحتلين وسقوط (44) موقع سوري بيد الجيش الإسرائيلي ، وجاءت حرب الاستنزاف وكان بالإمكان شن هجوم مضاد لاسترداد ما فقدنا في حرب (73) والجولان في حرب (67) وخاصة بعد دخول الجيش العراقي بقوة والجيوش الأخرى من السعودية والأردن حتى كوبا والطيران الباكستاني ، وانتهى الأمر بفصل القوات ، وإعادة القنيطرة مهدمة لا يسمح ببنائها وعودة أهلها ونزع السلاح وإبعاد الخطوط الدفاعية وما زال الإعلام يطنطن ويقص علينا البطولات ويسكت عن قرار الانسحاب الكيفي بعد أن تقدم الجيش السوري حتى وصل إلى بحيرة طبريا

وجاءت الحرب الأهلية في لبنان وكيف كان الإعلام السوري يكذب في كل مجرياتها ، يبرر ذبح الفلسطينيين في لبنان باسم الدفاع عن القضية الفلسطينية ، ويقسّم الفلسطينيين ويضرب أسافين الانشقاق في صفوفهم تحت شعار (الحفاظ على وحدة البندقية) ويطردهم من مناطق التماس مع الصهاينة في الجنوب اللبناني ويحاصرهم بمساعدة المنظمات التابعة كأمل وغيرها ويقتحم المخيمات في الشمال والجنوب وبيروت ، إلى أن اضطرهم للخروج بوساطة إلى تونس ، وما زال الإعلام السوري يكذب ويعد نفسه المدافع الأول عن القضية

وجاء الصراع مع الإخوان والذي استغله النظام لتصفية خصومه جميعاً بدعوى أن الإخوان اغتالوهم ، وشنت الحرب على المتدينين جميعاً بنفس الحملة ، وأُخذ كثيرون بتهمة الإخوان ، وكان الإعلام السوري كاذباً كعادته في تشويه الحقائق وبث الاعترافات والأكاذيب ، وعرضه المغرر بهم والتائبين ، وسكوته عن الجرائم الكبرى التي ارتكبها النظام (كمجزرة سجن تدمر) والمجازر الأخرى كمجزرة المشارقة في حلب ومجازر حمص ومجزرة جسر الشغور والمجزرة الكبرى (مجزرة تدمير حماة) وحملات الإعدام الجماعية المستمرة وخاصة التي كانت تجري في سجن تدمر بانتظام وهذا ما اعترف به كثير من رموز النظام كطلاس وخدام

وتوفي الرئيس وحصل التوريث وجاء الإعلام السوري ليبرر المهزلة التي حصلت في مجريات التوريث ، وهكذا بقي الإعلام السوري لا أقول مواكباً للموقف السياسي الخادع بل سابقاً له بمراحل ، فهذا الإعلام يسوّق الخيانة على أنها بطولة ، والاستبداد على أنه حرية ، والاستئثار على أنه مشاركة شعبية ، واللصوصية والإثراء الفاحش واستغلال المناصب على أنه اشتراكية ، واختزل الإعلام السوري البلد في شخص أو أسرة فلا تخلو نشرة إخبارية من عبارة (سورية الأسد)  ، وبرر الإعلام السوري بكل جوقته ومنافقيه شعار (زعيمنا إلى الأبد)

وبلغ من سوء هذا الإعلام أن أقحم الدين وبعض رموزه في هذا الكذب الرخيص فضرب عصفورين بحجر واحد نصر باطله وكذبه أولا وسعى في فقد مصداقية علماء الدين وسحب تأثيرهم في الشارع بعد أن زجهم في قضايا يكتشف المواطن العادي سخفها وكذبها ، يظهر أحدهم فيصف الرئيس بأنه الرئيس المؤمن ويرى الناس على الشاشات في نقل مباشر أنه لا يحسن الصلاة فيبدأ بالسلام في الصلاة بالشمال قبل اليمين ، وترى جوقته في صلاة العيد بعد التكبير واحداً واقفاً وآخر راكعاً وآخر ساجداً لا يدرون ما يفعلون ، ويرى الناس كيف تخرج السيدة الأولى (زوجة الرئيس) بتلك الألبسة الفاضحة التي لا تمت إلى الأخلاق والفضيلة والدين بصلة ، قد يقول قائل هو حر وهي حرة ونحن نقول كذلك ، لكن لستم أحراراً بأن تسبغوا عليه الأوصاف الكاذبة التي تضللون بها الأمة

واليوم صار الإعلام السوري مدرسة تنتهجها أبواقه المتعددة التي تقف من ورائه كقناة الدنيا وقنوات الموالين في لبنان وإيران فنسمع الكذب الصراح ، وليس ببعيد عنا كذبات قناة الدنيا التي يملكها مخلوف ، نعم طوروا إخراجها من حيث الصورة والعرض لكن بقي المضمون أكثره كاذباً ، وليصدق القارئ إذا قلت إن الشعب السوري لا يثق بإعلامه حتى في نشرة الأحوال الجوية

واليوم يطالعنا الإعلام السوري بالمتناقضات والعجائب فإسرائيل وأمريكا تدعمان مجموعات مسلحة تريد إقامة إمارات سلفية في تلكلخ على حدود لبنان وجسر الشغور على حدود تركيا ودرعا على حدود الأردن وقريباً من فلسطين المحتلة (إسرائيل) ، والمندسون موجودون في كل القرى والمدن السورية وهم مدججون بالسلاح ويسرحون ويمرحون عبر حدود الدول المجاورة لتهريب الأسلحة ، في دولة أمنية بامتياز يعلم القاصي والداني مدى قوة أمنها وبطشه ، وهم إذا سلكوا هذا المسلك الكاذب لن يستفيدوا شيئاً ، فهم أقروا بفشل الأمن السوري العتيد الذي وضع يده على خزائن أموال سوريا فيأخذ منها بغير حساب وينفق فيها بغير حساب ، ولم يستطيعوا أن يرفعوا المسؤولية عن أمنهم في حماية أمن المواطنين من هذه العصابات فهي تقتل في كل مكان وتهبط بالمناطيد (البرشوت) في كل زاوية من  زوايا الوطن على كل تلة وفي كل سهل وفي كل حي وحارة بتناسق فريد عجيب ، وهؤلاء المندسون لهم مواقع على النت (ويصورون على اليوتيوب) كل تفاصيل الأحداث على نحو لا تظهر أي صورة لأحدهم ، وهؤلاء المندسون يقتلون المواطنين كما يقتلون رجال الدولة الأمنيين والعسكريين ، وليس لهم هدف معلن أو شعار واضح لا على الأرض ولا في الإعلام ولا في (النت) ولم يلتق بهم أحد ولم يظهر على قناة منهم أحد ، ولم يكن لهم إلا ظهور واحد على الإعلام السوري كمجرمين يعترفون بجرائمهم وعمالتهم لدول أخرى ، في إخراج رديء ، فعلى سبيل المثال أحد هؤلاء المعترفين معروف في محيطه أنه مهرب كبير للمخدرات ومعتقل منذ ثلاث سنين ، وأحدهم ظهر باسم يعلم كل المحيطين به أنه ليس اسمه الحقيقي حتى أخوه صرح بذلك ، بل ويعرفه القاصي والداني أنه عنصر أمني ومن الواضح أنه كذلك فكلما تكلم بكلمة قال سيدي سيدي ، وبعض هؤلاء اعترف أنه تم تنظيمه وتوظيفه بألفي ليرة ويعلم جميع معارفه أنه يملك مجموعة كبيرة من مراكز تعليم قيادة السيارات والتي تدر عليه عشرات الآلاف كل يوم !!!

هذا الإعلام الساقط البذيء الذي تجرد من كل القيم فكل من خالفه الرأي يفتحون عليه النار من كل أبواقهم بلا أخلاق وكأنهم عصابات في الشوارع تحمي مافيا وتتصارع على أبواب البارات وأندية القمار بلغة رديئة مبتذلة ساقطة ، لقد سمعناهم ورأيناهم أمام علم راسخ من أعلام الأمة الشيخ القرضاوي ، وتتبعناهم أمام مفكر عربي حر كعزمي بشارة ، بل وصل بهم الأمر إلى التدخل في مسائل شخصية لمن يعارضهم فتحدثوا عن (أصالة) بما لا يليق ، وهكذا كل من خالفهم الرأي ولو كان في كل حياته يقف إلى جانب ما تبنوه من قضايا

ويطل علينا وزير الإعلام ليقول لنا بعد أحداث جسر الشغور حيث زعم أنه تعرض الأمن والجيش لكمائن مسلحة وإنه لا يمكن السكوت على ذلك وسيضربون بيد من حديد ، وأنا أقول إذا كانت العصابات المسلحة موجودة من أول الأحداث وتظهر في كل مكان ، فما الجديد يا سيادة الوزير ؟؟؟

وإذا كان المتظاهرون يخربون المباني والمنشآت في جسر الشغور وريف إدلب ، أفلم يكونوا كذلك من قبل في درعا وحمص وحماة وريف دمشق ومدن وقرى الساحل السوري وتلكلخ ؟؟؟ فما الجديد ؟؟؟

وأما الفبركات والكذبات (البايخة) فأكثر من أن تحصر ، فنفق المكسيك انتقل بقدرة قادر ليكون تحت المسجد العمري بدرعا ، وممارسات الشبيحة بقرية البيضاء ببانياس هي بالعراق وهؤلاء الشبيحة من (البشمركة) الكردية ، والثوار في حماة علقوا أحد المخبرين على عمود الكهرباء وتبين أنه العامل المصري الذي قتله الأهالي في إحدى قرى لبنان في قضية مشهورة ضج لها الرأي العام بلبنان ، والمتظاهرون خرجوا بحي الميدان بدمشق شكراً لله تعالى على نعمة نزول المطر ، والجيش دخل في كل المناطق طلباً من الأهالي لحمايتهم ، وتقطع المياه عن الأهالي ليمنع المندسون  من شربها مع حبوب الهلوسة التي يتعاطونها ، والمندسون سلفيون يتعاطون المخدرات ، إلى آخر هذه التخرصات التي لا زمام لها ولا خطام ، لذا نلاحظ في كثير من هتافات المتظاهرين (كاذب كاذب كاذب الإعلام السوري كاذب)

والمتتبع للإعلاميين السوريين في كل القنوات وخاصة التي يسمونها بالتآمر والخيانة يرى أداءً واحداً ممجوجاً كريهاً لهم جميعا يتسم :

أولا : سب القناة التي أعطته الفرصة للتعبير الحر عن أفكاره ووجهة نظره ثم ينتقل السب إلى المذيع أو إلى المحاور من الطرف الآخر

ثانياً : يسرد الحديث بسرعة وكأنه يهذر هذراً ولا يجيب عن السؤال المطروح ويبدأ بتوزيع الاتهامات يميناً وشمالا ، ويتهرب باستمرار ، ويضيع الوقت على المستمعين

ثالثاً : التشكيك بكل شيء ، بكل الصور ، بكل الوقائع ، بكل المتحدثين ، بكل الشهود ، بكل الصحفيين ، بكل المنظمات ، بكل الانتقادات ، بكل الاحتجاجات

رابعاً : الإتيان بالعجائب والتبريرات التي لا يمكن قبولها وإذا حصر أحدهم بالزاوية قال ما عندي معلومات ، أو لست ناطقاً عن الحكومة ، وتارة يزهو وينتفش ويعطي الوعود والتعهدات وكأنه ضابط أمن مسؤول

خامساً : التظلم والشعور بعقدة الاضطهاد والضحية ،  واستجداء الرحمة من السامعين والمتابعين ، باستخدام المغالطات وخلط الأوراق ، فيجيب عن مشاكل الداخل بتآمر الخارج ، وعن الممارسات الإجرامية بمواقف الصمود والممانعة

لقد بدأ الإعلام السوري سياسة الانسحاب المتدرج بمعنى أنه بدأ يقر ببعض الحقائق على الأرض ولكن بطريقة مشوهة وبرواية كاذبة ، لكنه بنفس الوقت يقرر أنه كان كاذباً مضللاً ، فلا السمعة السيئة محا ولا المصداقية نال ، وهكذا سيبقى (حبل الكذب قصير)