نعم لاستقلال الأزهر الشريف
بدر محمد بدر
قبل أيام توجه الآلاف من علماء ودعاة الأزهر الشريف للتظاهر أمام مبنى المشيخة، تعبيرا عن غضبهم وألمهم من الحال الذي وصلت إليه هذه المؤسسة الإسلامية العالمية العريقة، وطلبا لتصحيح وتصويب هذه الأوضاع التي تمر بها، وعودة الأزهر كما كان منارة شامخة للعلم الشرعي والإسلام الوسطي، بعد نحو ستين عاما من التهميش والإهمال، والتدخل السافر للأجهزة الأمنية في شئونه.
وقبل أسابيع تم الإعلان رسميا عن تشكيل لجنة خاصة برئاسة المستشار طارق البشري حفيد شيخ الأزهر الأسبق سليم البشري، لإعادة النظر في قانون تطوير الأزهر، بما يسمح لهذا الصرح العلمي الكبير، الذي تجاوز عمره الألف عام، أن يتبوأ مكانه اللائق في العالم مرة أخرى، وأن يجعل منه منارة إسلامية عصرية بحق.
ولا شك في أن كل المحبين للأزهر الشريف، والعارفين بدوره وتاريخه وفضله، والغيورين على هذه القلعة العلمية الزاهرة، يؤيدون بشدة هذه الرغبة العاجلة في التصحيح، ويدعمون بقوة كل الجهود المخلصة، التي تستهدف استقلال الأزهر وتطويره ليكون منارة للأمة الإسلامية.
وأنا أثق في أن هذه اللجنة الموقرة سوف تضع من الأسس والمبادئ والقوانين، ما يحقق للأزهر الشريف استقلاله ورفعته، سواء على المستوى المالي أو الإداري أو المؤسسي، وأتمنى على الحكومة أن تدعم توصيات هذه اللجنة، وأن تسارع إلى تنفيذها فور الانتهاء منها.
وأعتقد أن عودة الأزهر الشريف إلى أداء دوره المأمول، في حراسة الدين في مواجهة الإلحاد والعلمانية، وحماية اللغة العربية في مواجهة التغريب والشعوبية، وترسيخ نهج الوسطية في مواجهة التطرف والعنف، هو في مصلحة مصر التي أضاف إليها الأزهر الكثير، تقديرا واحتراما في الدنيا كلها..
وأولى الخطوات المطلوبة في تقديري أن يتمتع الأزهر باستقلال مالي وإداري، بعيدا عن أي تدخل سلبي من السلطة، وأن توفر له الدولة الميزانية والإمكانيات والوسائل التي تساعده على ذلك، وأن تعمل الحكومة على احترام وتوقير العلماء في مؤسسات الدولة، وفي وسائل الإعلام المختلفة.
وأتصور أن المطلوب الآن هو:
ـ إعادة الاعتبار إلى هيئة كبار العلماء، وأن تفتح أبوابها للعلماء المسلمين الأجلاء من شتى أنحاء العالم، وليس من مصر فقط، وأن يختار من بينهم شيخ الأزهر الشريف لمدة أربع سنوات، يمكن تجديدها لمرة واحدة فقط.
ـ توحيد المؤسسات الرسمية العاملة في حقل الدعوة في جهة واحدة، أي أن يضم الأزهر الشريف بين جنباته دار الإفتاء ووزارة للأوقاف، بالإضافة إلى جامعة الأزهر، بهدف التنسيق والتكامل.
ـ زيادة أعداد البعثات الأزهرية إلى مختلف دول العالم، لشرح معالم الدين الإسلامي والرد على افتراءات خصومه، وأيضا زيادة أعداد المقبولين من أبناء الدول الإسلامية في معاهد الأزهر وجامعته.
ـ تأسيس قناة فضائية أزهرية مستقلة، يقوم عليها علماء وأساتذة الأزهر لنشر العلم الشرعي، وتوضيح الرؤية الإسلامية الصحيحة بين عامة المسلمين.
ـ إعادة افتتاح الكتاتيب المنتشرة في قرى مصر ونجوعها، وزيادة أعدادها، وتكريم ورعاية محفظي القرآن الكريم ماديا ومعنويا، وتشجيع النشء والشباب على حفظ ودراسة القرآن.
ـ بذل كل الجهد من أجل توفير حياة كريمة للعلماء والدعاة والعاملين بالأزهر عموما، حتى لا يشتغلوا بغير العلم الشرعي، وكذلك لابد من إنشاء نقابة للدعاة تدافع عن حقوقهم وكرامتهم، وتهتم بشئونهم المادية والثقافية والاجتماعية.
وأعتقد أن فضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر الحالي يحمل كل مؤهلات قيادة هذا التغيير والتطوير، ليعيد للأزهر دوره ورسالته، وخصوصا مع لفتته الكريمة بإعادة راتبه، منذ أن تولى المشيخة في مارس 2010، إلى الدولة.