أين منظمة المؤتمر الإسلامي من تسوية العلاقات العربية - الإيرانية؟

أين منظمة المؤتمر الإسلامي

من تسوية العلاقات العربية - الإيرانية؟

عدنان برجي

مدير المركز الوطني للدراسات

فيما تتزاحم المتغيرات عربيا، تتباين رؤى التعامل العربي مع القوى الاقليمية المحيطة بالأمة، وتحديدا مع الجمهورية الاسلامية الإيرانية. فقد صدر خلال أسبوع واحد موقفان عربيان متباينان يتعلقان بهذا الموضوع. الموقف الأول صدر عن مجلس التعاون الخليجي بعد دخول قوات ردع الجزيرة إلى البحرين لإنهاء تحرك المعارضة اثر اعتبارها أداة إيرانية تهدد استقرار دول الخليج، حيث أعرب مجلس التعاون الخليجي عن "بالغ القلق لاستمرار التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون" وفق بيان صادر عنه.

والثاني جاء على لسان وزير خارجية مصر ما بعد ثورة يناير السيد نبيل العربي وفيه أن "إيران دولة من دول الجوار ولنا معها علاقات تاريخية طويلة وممتدة في مختلف العصور والحكومة المصرية لا تعتبرها دولة معادية أو عدوا".

إن العلاقات العربية الإيرانية كانت على الدوام محط تباين بين نظام عربي وآخر، وذلك بسبب طبيعة العلاقات التاريخية من جهة والمصالح الآنية من جهة أخرى. وهذه العلاقات تسوء حينا وتصلح حينا آخر. ففيما يرى بعض العرب أن إيران بعد رحيل الشاه وقيام النظام الاسلامي الحالي تشكل حليفا ضد الاستعمار والصهيونية، يرى البعض الآخر ان لإيران أحلاما توسعية على حساب الحقوق العربية، وهذه الاحلام لم تتغير بتغير النظام بعد ثورة الإمام الخميني عام 1978.

الذين يرون في إيران حليفا يستندون إلى توجهات الثورة الإسلامية منذ انطلاقتها. فهي فور تسلمها مقاليد السلطة طردت السفارة الصهيونية وأقامت سفارة فلسطين مكانها، كذلك يستندون إلى أن إيران ساندت وتساند المقاومات العربية في لبنان وفلسطين ضد الاحتلال الصهيوني واعتداءاته المتكررة، وتقف إلى جانب دول الممانعة العربية وفي مقدمها سوريا.

والذين يتخذون موقفا حذرا من إيران يستندون إلى أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تصر على تسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي، وترفض تسميته حتى بالخليج الاسلامي. كذلك فإنها ترفض مبدأ التحكيم الاسلامي بمصير الجزر الاماراتية الثلاث التي استولى عليها شاه إيران في بدايات سبعينيات القرن الماضي وتصر على أن هذه الجزر هي جزر إيرانية.

وفي العراق تتباين الرؤى العربية حول الدور الإيراني، ففيما يجده البعض مساندا لقوى المقاومة العراقية، يقرأ فيه البعض الآخر التقاء مصالح غير معلن مع الأميركيين، ويستدلون على ذلك بعمل الحكومة العراقية برئاسة نوري المالك وفق دستور بريمر الذي لا يعترف بعروبة العراق ولا بوحدته بل يتعامل معه على أساس انه تجمع قوميات وإثنيات وطوائف ومذاهب ويقسمه عمليا إلى دويلات ثلاث.

وفي موضوع المقاومة، يرى المؤيدون للجمهورية الاسلامية الإيرانية، ان الدعم الإيراني وفر قوة في وجه الاستعمار والصهيونية، مكنت المقاومات العربية من إفشال أجزاء كثيرة من مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي هو العنوان الحديث للاستعمار الجديد المتحالف مع الصهيونية. وانه لولا هذا الدعم لما تحرر لبنان عام 2000، ولما انهزمت "اسرائيل" في عدوان تموز عام 2006، ولما صمدت غزة في وجه الترسانة العسكرية الصهيونية الغاشمة.

أما الذين يحذرون من السياسة الايرانية، هم يجدون في دعم المقاومات سبيلا لتصدير الثورة بهدف تغليب فئة إسلامية على فئة أخرى..

اذا، التباين بين رؤية عربية وأخرى حيال العلاقات مع إيران، هو تباين حقيقي واستراتيجي،

وذلك يدل على غياب السياسة العربية الواحدة حيال أكثر القضايا أهمية، كما يدل على ضعف الثقة المتبادلة بين كثير من القيادات العربية والقيادة الإيرانية، ويدل أيضا على مدى التدخل الأجنبي في تغذية التباين العربي الإيراني، وهذا ليس بجديد. اذ ليس من مصلحة الولايات المتحدة الاميركية التي تحتل العراق وتحمي الصهاينة في طول الارض وعرضها، أن يكون هناك توافق عربي إيراني في وجه مخططاتها الاستعمارية في المنطقة، وهذا لا يحتاج إلى إثبات ولا إلى تعمق في الفهم السياسي والاستراتيجي. فالغرب لم ينفك يوما عن لعبة التخويف من إيران، ففي زمن الشاه، الحليف للاستعمار، كانت إيران هي الشرطي الذي يهدد ويتوعد دول الخليج الحديثة العهد في الاستقلال، في محاولة لدفع أبناء الخليج لعدم مقاومة الاحتلال البريطاني. وفي زمن ما بعد الشاه يجري التخويف من تصدير الثورة ومن العصبيات المذهبية. وفي كلا الحالين يبقى الهدف الاستعماري واحد: استنزاف الطاقات العربية والاسلامية ودفع الدول العربية والاسلامية لتناسي الخطر الأكبر، الخطر الصهيوني الاستعماري، عبر تصوير الخصم عدوا وتصوير العدو حليفا، وللأسف فقد نجحت خطط الاستعمار في أوساط عربية رسمية وشعبية، لذلك بتنا نسمع تصريحات لا تخدم المصلحة العربية ولا المصلحة الإيرانية ولا الإسلام بطبيعة الحال.

ان التصدي لمحاولة معالجة العلاقات العربية الإيرانية، يدفع إلى محاولة البحث عن الطرف المؤهل لذلك، وعن محاولة شرح بعض الحقائق - المسلمات.

ونبدأ من الشق الثاني: شرح بعض الحقائق- المسلمات ومنها: إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تواجه ضغوطا وتهديدات صهيونية واميركية، ولا مصلحة لها بالتالي في وجود تناقض بينها وبين العرب.. والعرب يواجهون تحديات التفتيت والتقسيم ناهيك عن تحديات الاحتلال الصهيوني المباشر لفلسطين والاحتلال الأميركي للعراق، وانفصال جنوب السودان وتدخل الأطلسي مؤخرا في ليبيا لإقامة ستاتيكو يؤدي عمليا إلى تقسيم ليبيا إلى قسمين كحد أدنى. وبالتالي لا مصلحة للعرب في خسارة حليف بمستوى إيران بمواجهة هذه التحديات.. كما انه لا مصلحة للعالم الإسلامي أن يحدث بين دوله مزيد من التصدع والإنشقاقات تُضعف نضاله التحرري وتطلعاته النهضوية.. ولا مصلحة للإسلام كدين في حدوث هذا التصدع، الذي يؤدي إلى تعميق العصبيات المذهبية، في الوقت الذي يوسم فيه كل من يعتنق الاسلام بالارهاب.

ان كلا من إيران والعرب هم على مقصلة مشروع التقسيم.  فقد نصت استراتيجية "اسرائيل" في الثمانينيات على تقسيم سبع دول عربية، كما ان المستشرق الصهيوني برنارد لويس، اعد مشروعا متطورا للاستراتيجية الآنفة الذكر تبنته إدارة المحافظين الأميركيين الجدد، وقد أقره الكونغرس الأميركي في إحدى جلساته السرية حسبما تداول وسائل إعلامية كثيرة، بحيث يشمل مشروع التقسيم الدول الإسلامية وفي مقدمها إيران.

في جميع الأحوال فإن تقسيم الدول العربية وتفتيها لن يتوقف عند حدود هذه الدول، كذلك فإن قهر وتفتيت الدول الإسلامية المحيطة بالمنطقة العربية لن يتوقف عند تخوم المنطقة العربية ولن يستثني مكونات المجتمع العربي.

لذلك فالجميع في مركب واحد، وعلى الجميع التعاون للتغلب على هذه التحديات الخطيرة والجسيمة. وهنا نأتي إلى الشق الثاني، أي الطرف المؤهل لرأب الصدع. وفي تقديرنا انه منظمة المؤتمر الإسلامي، التي تجمع الدول العربية والجمهورية الاسلامية الإيرانية إضافة إلى دول إسلامية أخرى.فهذه المنظمة هي منظمة دولية ذات عضوية دائمة في الأمم المتحدة وتجمع سبعا وخمسين دولة. وقد تأسست بعيد حريق الأقصى في 21-08-1969، بهدف الدفاع عن شرف وكرامة المسلمين وإيجاد قواسم مشتركة بين جميع فئاتهم وتقوية التضامن والتعاون بين الدول الإسلامية في الحقول الاجتماعية والعلمية والثقافية والاقتصادية والسياسية. وهي وان حافظت على انعقاد لقاءاتها الدورية وعلى مستويات مختلفة، غير انها لم تقم بواجباتها لناحية تضامن الدول الاسلامية وحل الخلافات بين اعضائها، حتى الآن.

إن حل المشاكل بين البلدان الإسلامية ينبغي أن يظّل في داخلها، فلا تدخل أجنبي ولا تدويل لقضاياها. وإن إحترام كل طرف إسلامي للطرف الآخر بخصوصياته وأعرافه هو المدخل الأول لايجاد الثقة المتبادلة التي تتعزز بتحريم التدخل السلبي في الشؤون الداخلية للطرف الآخر.

إن العلاقات العربية – الإيرانية التي تشوبها أخطاء وسوء فهم وحساسيات، تتطلب حواراً صريحاً واضحاً وأخوياً، للوصول الى معالجات جذرية تقطع الطريق على القوى الأجنبية الساعية دوماً الى تحويل هذه التناقضات إلى حالة صراع خطير يؤذي الجانبين. وهنا يأتي دورمنظمة المؤتمر الإسلامي بالتحرك سريعاً من خلال مبادرة جامعة لمعالجة التدهور الحاصل بين إيران ومجلس التعاون الخليجي، فالإصطفاف المذهبي والفرز الطائفي لا يخدمان الاسلام ولا العرب ولا إيران، بل يحقق مقاصد العدو الصهيوني في تقسيم البلدان الاسلامية لمصلحة مشروع إسرائيل الكبرى. لقد آن الاوان لوضع قواعد ثابتة تحافظ على العلاقات العربية الإيرانية وإمتناع اي طرف عن التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر.

إن جامعة الدول العربية مغيّبة اليوم بفعل قصور في نظرتها للأمور وبحكم التطورات الحاصلة في أكثر من دولة عربية، وغياب التضامن العربي فضلا عن غياب الدولة - القاعدة مصر بسبب نظامها الاقليمي السابق أولا وبسبب ترتيب بيتها بعد الثورة الشعبية المعاصرة ثانيا. لذا فإن من واجب منظمة المؤتمر الاسلامي أخذ المبادرة والعمل الجاد لتقريب وجهات النظر بين أعضائها.

لقد استسهل بعض العرب وبعض المسلمين الاتكال طويلا على منظمة الامم المتحدة، فلم يربحوا قضية ولم تسعفهم الأمم المتحدة في رفع الظلم عنهم، لأن هذه المنظمة باتت أسيرة القوة الأميركية العظمى، والأدلة دامغة، فهي تتحرك حين يخدم التحرك الصهاينة والأميركيين والأطلسيين، وتغط في نوم عميق حين يكون التحرك لمصلحة العرب والمسلمين وأحرار العالم.

ان المسلمين جميعا يؤمنون بقوله تعالى "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان" فلما لا تبادر قيادات منظمة المؤتمر الاسلامي، لترجمة هذا القول الرباني فتبادر إلى إنشاء لجنة مصالحة تتحرك بين مجلس التعاون الخليجي والجمهورية الإسلامية الإيرانية، لازالة المخاوف، وتوضيح الغايات ووضع قواعد تعاون بدل الحذر والشك القائمين حاليا.

إن المصطادين في الماء العكر بدأوا يتحركون فهنا تعبئة مذهبية بغيضة، وهناك تعبئة قومية زائفة، فليس قوميا عربيا من يدعو إلى تعميق الخلاف الإيراني العربي وليس مسلما من ينفخ في نار التعصب المذهبي وإذكاء الفتنة خدمة للصهيونية ان لم نقل استقواء بها.

إن الدعوة ملحة لقيادات وحكماء منظمة المؤتمر الاسلامي، ولا يجوز التلكؤ أو الانتظار.